الرياضة والسياسة والعلاقة الدائمة في الشرعية والحتمية

د.  سبأ جرار | فلسطين

 

إذا كان للسياسة علاقة بمفهوم الوطن والوجود، ودلالة انتماء للهوية والمكونات الأيدولوجية للأمم، فإن للسياسة علاقة بالرياضة هذا ما نستدل عليه في مراجعة متأملة للمقال والفيلم الذي أعاد هذه التساؤلات وأكدها من خلال الكاتب زينيه في العام 2010 ومن خلال ما كتب وأثبت، ما أثار الذاكرة لدي حول موضوع كتبت فيه في 2014، عندما حصل منتخبنا الأول الفدائي على التأهل والفوز بكأس التحدي، وهو كأس لأهم بطولات آسيا التي يلعب وينتمي لها جميع المنتخبات والاتحادات الرياضة الفلسطينية بحكم أن فلسطين تقع في آسيا .

هذه المقدمة جئت بها، بعد الخبر اللافت الذي أعلنته وزارة الخارجية الإسرائيلية وليس وزارة الشباب والرياضة، والخبر كما هو أن “الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان من العائلة الحاكمة في الامارات اشترى نصف فريق كرة القدم الإسرائيلي بيتار أورشليم القدس”. وقد عبر الشيخ حمد قائلا ״يسعدني أن أكون شريكًا في هذا النادي من هذه المدينة عاصمة إسرائيل، واحدة من أقدس مدن العالم. نرى أمام أعيننا النتيجة الهائلة لثمار السلام !!!”

 إن لهذا الخبر دلالات ورسائل، لكن شراء” البيتار” دون غيره من الأندية، وهو الذي  يقبع في المركز الخامس عشر في الترتيب، ويتلقى الهزائم تباعا من الفرق العربية  والتي لم تعد مقتصرة على اتحاد سخنين، نقول انها ليست صفقة سيادية كما يبررون، بل هي تدخل جريء  ــ لا ادري مغزاه ــ في الرواية ألفلسطينية وطبيعة صراع الوجود على الأرض والحياة والذي غذته وأوجدته بريطانيا العظمى بحكم بلفور ، وتعمل على تسمينه  وتسميمه التراجعات القومية العربية، ولتتضح الصورة أكثر، لابد من  سرد تعريفي بسيط حول من هو “البيتار”  في مداخلة للإعلامي سعيد حسين :-

 “فريق بيتار القدس يتبع لمنظمة البيتار وهي منظمة صهيونية متطرفة، وهي بالأساس حركة شبابية صهيونية تأسست عام ١٩٢٣، وانتمت بعد قيام الكيان الصهيوني الى حزب الحيروت (أي الحرية) الذي تحول الى حزب الليكود المعروف بعدائه للعرب وللمسلمين. وانخرط شباب الحركة ضمن العصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر بحق الفلسطينيين. وقبل قيام ما يسمى اسرائيل، تم تأسيس فريق كرة قدم وكان ذلك عام ١٩٣٦، لعب في القدس في الاحياء اليهودية. وبعد ذلك تحول شعار الفريق “الموت للعرب”. زادت شعبية الفريق بعد وصول الليكود الى الحكم وفي جميع مبارياته يهتف جمهوره: “الموت للعرب” و”محمد ميت” و”جبل الهيكل في ايدينا”، في اشارة للمسجد الاقصى المبارك، ويواصل أنصار هذا الفريق، وبدعم من زعامات اليمين المتطرف الاعتداء على العرب وعلى المسلمين ومقدسات، مستمدين صلفهم ووقاحتهم من مساندة نتنياهو وليبرمان وميري ريغف وبن غفير وكل هذه الاسماء لقيادات عنصرية متطرفة دون رقيب او حسيب”

وإضافة لما سبق لابد من الإشارة ان “بيتار” الصهيونية هو أحد المظلات الوهمية التي أدخل من خلالها ألاف الصهاينة المُجمّعين من بقاع الأرض في الثلاثينيات بحجة المشاركة في مهرجان البيتار الرياضي والذي كان يُقام بدعم من الانتداب وتحت عينيه، يحمل الجمهور فيه لافتات ارض إسرائيل، ويمارسون الرياضة كيهود فلسطينيين، في تزامن يمنع استكماله لمهرجان البصة الرياضي الفلسطيني الهوية المتنوع الديانات، والذي كان يمنع لأكثر من مرة بحجج واهية من سلطات الانتداب.

 في حين يسمح  تذويب المشاركين في مهرجان “البيتار” داخل فلسطين وإعادة السفن التي حملتهم من شواطئ الأرض خاوية ، ربما للتخفيف على البحر، وما يحمل من خطايا تاريخية ، وللتحضير لمجازر وتهجير في مدن وقرى فلسطينية كانت عامرة بالثقافة والرياضة والحياة ،حيث شهدت فلسطين من بداية العشرينيات حركة ثقافية لافته، انتج عنها  اول فريق كرة قدم في 1908 والعديد من الأندية  مثل : نادي القدس، ونادي حيفا ،وهي نوادي ثقافية اجتماعية رياضية ، مهدت لظهور الاتحادات الرياضية وكان أولها اتحاد المصارعة واتحاد كرة القدم في العقد الثاني من القرن التاسع عشر،  ربما كانت لهذه الحركة الريادية على مستوى الإقليم العربي مؤشر تهديد لمخطط الصهيونية ، فكانت مشاركة اليهود الفلسطينيين لافتة في الفرق الرياضية وعلى رأسها فريق كرة القدم الذي مثل فلسطين في تصفيات آسيا لكأس العالم في بداية الثلاثينيات ، ليصنعوا منها بعد حين رواية مزيفة للاستحواذ على اتحاد كرة القدم واللجنة الأولمبية الفلسطينية منذ 1948 وحتى 1994 ، عندما انصف الروس الرياضة الفلسطينية وأعادوا اعترافهم بالأولمبية الفلسطينية وبالتالي اتحاد كرة القدم الفلسطيني .

ان هذه المداخلة التاريخية يقصد منها توضيح  كيف كان للرياضة في فلسطين تداخل مصيري في الصراع الفلسطيني الصهيوني ، وهو حق الحياة والوجود ، لأرض بشعب وليست لشعب بلا ارض ، تمارس فيها الانشطة الإنسانية الرياضية كلغة تتقنها جميع الشعوب ، وما تحويه مصادر الأرشيف في الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الاولمبية الدولية من اثباتات حول تأسيس الحركة الرياضة في فلسطين من بدايات العشرينيات، هو تفنيد للتشكيك بالرواية بان فلسطين هي ارض عربية تحتضن في تاريخها وحاضرها الديانات السماوية جميعها كما هي القدس حاضنة الصلوات ،وان اختلفت أصوات الكنائس والمساجد والكنس المجتمعة داخل الاسوار العتيقة ، تتجه نحو السماء من مدينة اختصها الله  بأنها البوابة الوحيدة للسماء ،يعرج منها الصادق الأمين مع كل يوم يعتلي منها شهيدا، ويرقد في رحاب حرمها الابراهيمي اول مسلم على الأرض .

من هنا لابد من التأكيد على مغزى هذه المقالة انه ليس مجرد نادي، بل هو معركة متواصلة من حق الوجود العربي المسلم على أرض فلسطين التاريخية، لا تقتصر لقاءات كرة القدم فيه حول شغف متابعة الكرة وإنهاء تسعين دقيقة من الهرولة، بل هي منصة يهاجم بها الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام ويسب استفزازا للمدرجات، وهي عربدة يمارس الاحتفال بالفوز أو الخسارة في شوارع القدس عبر الاعتداءات على العرب كلما افرغت المدرجات والقي بالعنصريين لشوارع اغتصبت واستبيح حتى الفرح الذي تصنعه كرة القدم .

انه ليس فقط نادي، يحمل قرار شراءه شهادات قبيحة للرواية الاسرائيلية، واستعلاء وتشويه للرواية الفلسطينية، بل هو شهادة حية على حق فلسطين الوجودي في الأرض والحياة. وهو أمر سيادي لنا الفلسطينيين، لأنه تدخل في المحرمات وتشريع لرواية الهيكل المزعوم والعاصمة الوهمية، التي قد تتشكل فيها السفارات والخيانات، ولكنها تبقى عاجزة عن اغلاق عيون الشهداء يتقدمهم شهيد الأمس القريب الطفل علي أبو عليا ليقول:- فلسطين إيمان ومعتقد، والأرض جبلت وإرتوت بدم لا يمسه سوى المطهرين .

انه ليس نادٍ فقط، يحمل الملايين المدفوعة للتقبل والإصلاح لما مضى، بل هو أصول وامتداد لجدار الفصل العنصري، لاستباحة الحق عبر اهازيج العنصرية  . 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى