دراسة نقدية عن نص الفلسطيني خالد عرار ( ينظف المارة الارصفة بلعاب العبارات)

سي مختار حمري / المغرب

 

1–تقديم:
نص جميل عميق المعاني عالي الرمزية يحتاج لمجهود كبير ودراية بتاريخ وشم ذاكرة الأحلام باحباط مروع وانتحار رؤية شنقا في صمت رهيب في جلبة ضوضاء المارة
نص أودعه الكاتب عصارة فكره بتوظيفه لرموز بشكل شعري يستحضر واقعا تتراقص فيه التناقضات على موسيقى عازف الجيتار الذي جعلت منه الغريزية بهيمة في زريبة البهائم..نص يثير فينا هذا الحنين الى زمن دفن في ذاكره النسيان وصار نوعا من الحكي الخرافي أو الأسطوري ..حيت يوما ما كانت الذات العربية حبلى بالثورة والفكر الوحدوي ووحدة المصير ”بالمفهوم الماركسي” واجهضت الثورة وحركات التحرر وتحول الرفاق الى سماسرة الفكر السياسي المنبطح وتحول أصحاب العمائم من رجال الدين إلى عباد الشهوة..بينما الشقراء تعبث بشعرها فقط والذي قد لا نمثل منه الا خصلة ويأتيها العشاق العرب من كل فج عميق على بطونهم يسعون رضاها ليتحولوا الى مجرد مشط يرقص عشقا لتتزين الشقراء ..وفي أحسن الاحوال يمتهنون حرفة ناذل في الدكاكين والمقاهي السياسية يشتغلون عند أسياد الفكر والمصير من عرب وغرب لتقديم مشروباتهم الفكرية المسكرة وللتصفيق للسكارى الذين يعتنقون الشتائم والمذلة رؤية سياسية ليشبعون شعوبهم بكلامهم الساقط التافه . او لفقهاء الرذيلة من مال وفحشاء الذين يفتون قولا وفعلا لسيدتهم الشقراء قد لا تكون نفس الشقراء قد يكون لون شعرها مختلف قليلا لكنها شقراء من ضمن الشقراوات ..
نص يجعل المستحاثات(الاحفورات) السياسية والفكرية من امثالي الذين عايشوا فترة 60 من الزمن العربي . يقولون اللعنة على الرفاق الذين تسلقوا على اكتافنا وعلى رقاب الشهداء ليصبحوا مجرد سماسرة في بورصة السياسة والكراسي الشاغرة نقول دوما لنخفف بعض الالام المتحجرة فينا منذ عهد الدناصير “اللعنةعلى غورباتشوف” الذي اسقطنابالضربةالقاضية في نزال كنا نخوضه باللحم العاري “اللعنةعلى رفاق باعونا بابخس الاثمان” اللعنة على زمان اضعنا فيه فرصة عمر القضية كنا قاب قوسين أو أدنى وحدث الحدث فصرنا على بعد سنوات ضوئية من الهدف.. سقطت كل اوراق التوت في خريف اوربيع من الزمن العربي صرنا مشردين في ذاكرة زمنية يعزعليها ان تستيقظ من حلم كان جميلا
الأمل على هولاء المشردين الجدد البدون هوية سياسية ولا يخضعون لفكر مركزي سياسي معين .. قد ينتفضون ويرقصون على نغمة جديدة ما كانت لنا اذان لتلتقط موجتها فاخلفنا الموعد ..وكم هي العهود والمواعيد التي اختفت في الزمن العربي الضائع

2–تأويل النص:
سأتطرق بفهمي المتواضع لكل ماورد في النص شطرا بشطر وبالتتابع علني أكشف عن بعض خبايا النص الثري والموغل في الرمزية ..الممتع القراءة في لغة فنية توظف الصور الشعرية الرائعة بشكل جميل

ينظف المارة الأرصفة بلعاب عباراتهم

يعني ”يبصقون”كلاما ينظف .. هنا تم توظيف المتناقضات نحن نبصق على شيء نكرهه فكيف ننظف به وهو اصلا يعبر عن قذارة .. هنا البصق بعبارات …مثلا قد نشتم المحتل بعبارات تجعله يتضايق فيخلي الساحة البصق//تنظيف .. اي تنظيف الفضاء من وسخ المحتل باستعمال عبارات نابية مذلة مهينة …

الإطارات المشتعلةلوثت نص شقراء كانت تمسد شعرها المتمرد

الإطارات المشتعلة قد تعني الإنتفاضة ..الحركات الإحتجاجية عامة
الشقراء قد تعني المحتل أو الغرب بصفة عامة أمام الإحتجاجات يصم الاذان غير مبالي مشغول فقط بترتيب شعره اي بزينته ..وان اشعال الاطارات لم يلوث غير شعره ..وقد نذهب الى ابعد حد في التفسير الى انها ربما لوثت فكره بحكم وجود الشعر في الراس قرب الدماغ مركو التفكير….

والنادل يروج لسكره مستعينا بإيمان المارة

النادل عامة يكون في المقهى أو الحانة حيت يشرب الخمر المسكر..
النادل قد يعني السلطة الأحزاب السياسية التي لها دكاكين تروج لإيدبولوجيتها أي لخطها السياسي وقد تكون المقهى أو الحانة رمزا للأجنبي الذي يشتغلون عنده.. المارة المؤمنون قد يعني الأفراد الذين لهم استعداد ليتم استقطابهم من طرف النادل الممثل او المشتغل في الدكاكين السياسية

تعاود الإطارات عزف موسيقى الظل على مشرد يقطن
الشارع

قد تعني ”الانتفاضة الثانية” وربما انتفاضات قادمة في الزمن المنظور ..هناك انسان فلسطيني غير منتمي لأي فكر سياسي أي يعيش في الظل بعيدا عن الأضواء يمثله الشاعر بالمشرد الهوية السياسية غير مؤطر بفكر سياسي معين هو من يتمرد ويشعل الإطارات. وبالتلي الإنتفاضات…

منذ تنازل آخر المروجين عن شغفه بخمرة الحب

منذ ان اختفى اخر من يروج لحب الوطن وتنازل عن حبه وعن الثوابت الوطنية وقد يعني الشاعر هنا شخصيات وطنية وفكرا ثوريا الى زوال أو تنازل

منذ استسلم لنسيم يعتق فصول الشاعر بحمرة الشفتين

أي الإستسلام للغواية الممثلة بأحمر الشفاه التي تتجلى في حب الشهوات المال او لمافتن المرأة المستغلة كبضاعة تباع وتشترى بها الولاءات ان سرا او جهرا … والانصياع للغرب المحتل تحت التاثيرات….

صهيل الشعر المستعار يذيب المؤمنين بالبروليتاريا

اي منذ أن كان هناك من يؤمن بالفكر الثوري ..المؤمن بثورة الكادحين (البروليتاريا) وهو فكر ماركسي مستعار قبل تفكيك الإتحاد السوفياتي سنة 1989 في عهد غورباتشوف الذي جاء بفكرة ”الغلاسنوست ”و ”البروسترويكا” التي كانت وبالا على الإتحاد السوفياتي وعلى مجموعة من الدول التابعة ومن ضمنها العرب الثورييون المؤمنون بثورة الكادحين ضد الظلم والاستعباد والتهميش….
حيث كان الفكر الماركسي منتشرا في العالم العربي وهو فكر مستورد من الخارج ويؤمن بأن من يجب أن يحكم هم الكادحون لانهم يشكلون العدد الأكبر بقيادة المثقفين الثورييون… هذا الفكر لم يمت كليا في العالم فهناك منظرون عالمييون لا زالو يقولون بانه لا زال يطرق الأبواب….

المؤمنون اعتادوا ايجاد البدائل
عند عجز الأم عن ارضاع حروفهم بالنقائض

البذائل مصطلح مستعار من القاموس اللغوي السياسي
المؤمنون هنا هم المسيسون الذين لهم فكر سياسي اوعقيدة ايديولوجية سواء في السلطة أو الاحزاب سواء كانوا ثوريون(ماركسيون) او عندهم عقيدة سياسية معينة..يجدون البدائل أي الحلول للمشاكل والتناقضات حتى في حالة عجز الأم (قد تعني الوطن) أو” التفكير المحلي”عن تمكينهم من حروف لتجاوز التناقضات وايجاد الحلول البديلة الصالحة للوطن لا الحلول المستوردة التي قد لا تكون في صالح الوطن….

لن يطول الأمركثيرا
فسماسرة الطريقة ادركوا الهنات العروضية في النص المتواري خلف قميص لم تمزقه الذئاب

يعني ان الأجهزة الأمنية سارت تدرك أو ستدرك قريبا الهنات العروضية اي مايمكن ان نطلق عليه الاخطاء في الوزن او اللغة في القصيدة الشعرية والتي لا يدركها الا المتمكنين من قراءة الفكر اي أبسط الأشياء الباقية المتخفية عنهم للتحكم في كل مفردات الواقع
وهنا يتم استدعاء الدين في قميص يوسف حين كذب أخوته على ابيهم بقولهم قد افترسته الذئاب وهذا قميصه الملوث بدمائه
وهنا يقول الكاتب ان هناك حقيقة لازلت مخفية لن يطول ادراكها … يشير ضمنيا الى (براءةالذئاب من دم قميص يوسف) اي هناك شريحة تدرك الحقيقة وان لم تمر الى الفعل عاجلا فسيكتشف امرها….

تطوف البنادق حول خنادق الوارثين اسنة الفكر الأكثر لمعان

هناك حصار وقمع بالبنادق بالقوة للفكر اللامع الموجود في خنادق او المحصن بخنادق عند زمرة من الوارثين له قد يكونوا رفاقا من العهد القديم نقلوا شحنتهم الفكرية الى الأبناء والأحفاد …. واليهم يؤول مصير الامة انقاد الامة

الشمس تبكي على ذرا العمائم الملطخة بحليب ممزوج بالشهوة
هنا يتم اللجوء إلى المعجم الديني فاصحاب العمائم قد يمثلون رجال الدين والشمس قدتعني الفكر النير الواضح المضيء يبكي على رجال الدين ومن يدور بفلكهم او يستثير وراءهم الذين ماعادوا يفعلون ما يقولون فقد شربوا حليبا ممزوج بالشهوة اي اللذة هم الآخرون انخرطوا في الملذات ونسوا ما امر به الله

حاصرت الشهوة عازف الجيتار
فاردته عاشقا
هنا عازف الجيتار قد يكون من يملك زمام أمر الشعب و يعزف نشيد الوطن على طريقته الخاصة بعد أن حاصرته الشهوة بربقتها وتملكه حب الكرسي و السلطة. فجعلته عاشقا مستسلما منبطحا …فارداه العشق قتيلا اوعاشفا

أمة اعتادت غيابه ففقأت عين السهم المنطلق للخلف
والمارة لا زالوا في غيهم
يعني الأمة اعتادت غياب عازف الجيتار قد يكون الحاكم ولم تعد تنظر في أمر تغييره ففقأت عين السهم الموجه اليه
والمارة من عامة الشعب غير مبالين .غياب الشعوب عند الحكام.. وغياب الحكام عند الشعوب مشهد درامتيكي سوريالي عبثي مثير للضحك والسخرية الحزينين

أعلنت الشقراء عن حاجتها لمشط يركض كالعاشق
الشقراء اي المحتل او الأجنبي الغربي امريكا ومن دار في فلكها تريد مشط يركض كالعاشق الولهان أي خانعين يمشون على بطونهم كالعشاق ..لم يعد يكفيها مايقدمونه تريد اذلالهم زمعهم اذلال الشعوب..وكل مايهمها هو زينتها اي مشط شعرها

أعلن الناذل أن حانته لا تستقبل غير المهنئين بصحوة سكير
يعري عباراته الملقاة على الأرصفة
أعلن النادل وهو خادم عند اسياده سواء أحزاب أو سلطة أو غيرها أن محل السكر أي ترويض العقول وحشوها بالأفكار السياسة الإنبطاحية الهاضمة لكل التناقضات حتى السوريالية منها .. لم يعد يقبل أي كان بل فقط من ياتون لتهنئة سكير كان يقول كلاما فاحشا على المارة اي (عامة الشعب )نوع من العبثية. أي ”الإنبطاح للمنبطح ”

أدرك الكاتب أن الزيادة تلتحف أوراقه فغط في يقظة حلم
ادرك الكاتب أو المبدع ان المزيد يلتحف اوراقه فغط في حلم يقظة اي أنه صاح وهو يحلم وهو ربما يعني أن التغييرالمنشود والتحررمجرد حلم يقظة صار بعيد المدى… لكن يبقى الأمل المعقودا من خارج المتأمل في الفكر الهامشي الذي ورث الفكر اللامع المتخندق في خنادق محصنة تتوارثها الاجيال وراء ستار لا تصل إليه أعين أو أيدي الأجهزة ولايخضع لمركزية معينة سياسية كانت أو دينية أو فكرية والذي يمكن أن نعبر عنه بالشعب العميق .. العميق جدا .. جدا .. في وجدان ومورثات ”جينات ” الشعب ….
3- خلاصة :
قراءة ممتعة تعرفت من خلالها ولاول مرة على فكر انسان عربي فلسطيني جعلني اراقص ذكرياتي على موسيقى بوب مارلي وخطابات كاسترو الطويلة وشعر بابلو نيروادا الثوري وشيئا من محمود وآخرون قد تكون مجرد جعة شقراء من فرط ادمانها اطلقت شعري الكث الاسود في تمرد لاراقص اجساما في شواطء مدينة الصويرة المغربية على لحن رواية الثعلب الذي يظهر ويختفي لمحمد زفزار اتغذى على الخبز الحافي لمحمود اخر مغربي . حفرت استاذي عميقا في ذاكرة تأبى النسيان …

نص الاستاذ : خالد عرار

يُنظّفُ المارةُ الأرصفةَ بلعابِ عباراتهم ..
الإطاراتُ المشتعلةُ لوّثتْ نصَّ شقراءَ كانت تُمسِّدُ شعرها المتمرّد .
والنادلُ يُروّجُ لسُكره ، مُستعيناً بإيمان المارة ..
تعاودُ الإطاراتُ عزفَ موسيقى الظلِّ على مشرّدٍ يقطنُ الشّارعَ
منذُ تنازلَ آخرُ المُروّجينَ عن شَغفهِ بخمرة الحبِّ ..
منذُ استسلمَ لنسيمٍ يعتّقُ فضولَ الشاعر بحُمرة الشّفتين ..
صهيلُ الشَّعرِ المُستَعارِ ، يُذيبُ المؤمنينَ بالبروليتاريا ..
المؤمنونَ اعتادوا إيجادَ البدائل ،
عندَ عجزِ الأمِّ عن إرضاع حروفهم بالنقائض ..!
لن يطولَ الأمرُ كثيراً ،
فسماسرةُ الطريقة أدركوا الهنّاتِ العروضية في النصّ المتواري خلف قميصٍ لم تمزّقهُ الذّئاب ..
تطوفُ البنادقُ حول خنادقِ الوارثينَ أسنَّةِ الفكرة الأكثر لمعاناً ..
والشمسُ تبكي على ذرا العمائمِ الملطّخةِ بحليبٍ ممزوجٍ بالشّهوة ..!
حاصرتِ الشّهوةُ عازفَ الجيتارِ
فأردتْهُ عاشقاً ..
أمُّهُ اعتادت غيابَهُ ، ففقأتْ عينَ السّهم المنطلق للخلف ..
والمارةُ ما زالوا في غيّهم ..
أعلنتِ الشَّقراءُ عن حاجتها لمشطٍ يركضُ كالعاشقين ..
أعلنَ النّادلُ أنّ حانته لا تستقبلُ غيرَ المُهنّئينَ بصحوة سكّيرٍ يُعرّي عباراته الملقاة على الأرصفة ..
أدركَ الكاتبُ أنّ الزيادةَ تلتحفُ أوراقهُ ، فغطَّ في يقظة الحلم
….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى