أدب

المرأة هي الجمال

بقلم: مولانا العاشق

في تعليق ليعن سؤال أحد الأصدقاء عن المرأة: ما أجمل ما في المرأة؟ فأجبت بقولي: “المرأة هي الجمال”.. فاعترضتني إحدى الصديقات التي استلهمت من أبجدياتها الأنثوية إجابتي، بل أظنها كانت ملهمتي في ما أحطت به علما من ثقافتي عن المرأة، ولولا ما أتحفتني به من خصال تمثلت بها الأنثى الأولى التي قصدتها، لما انحدرت من قلمي ولا لغتي تلك الأبجديات التي أراها رائقة لي، بل رائقة لكل من يقرأ شيئا منها، وما هذا إلا لأن ترجمة الفرائد الأنثوية التي حظيت بها قد جسدت ومثلت في طيها ونشرها ملهمات الأنثى كما شاءت لها الفطرة أن تكون.

والمرأة التي أقصدها هنا ليس لها وجه من اعتراض الصديقة التي تقول: أن ليس كل امرأة جميلة جسديا، وأما معنويا فالجمال نسبي.. وقد أبعدت هي عما قصدت إليه أنا.. ولو تأملت هنيهة فيما ألهمت به، وما أفيض به عليها، لاتهمتني بالتقصير في الوصف قائلة: إن الجمال هو المرأة وفقط.

وليت شعري .. إنني ما قصدت تصنيف المرأة ، ولكن المرأة التي قصدتها كما يسمونها في اللغة (اسم جنس) أي المرأة الأولى الفطرية كما خلقت على طبيعتها الصافية الرائقة، حين وجدها آدم بجواره فسأل عنها فعلم انها مؤنسته في كونه، وحين سأل عن اسمها فأجيب أنها (حواء) صيغة مبالغة من الحياة؛ أي أنها صانعة الحياة، أو الحياة مستمرة بها.

فكانت أول ما استأنس به الرجل في الكون، وأول من ذاق به طعم الحياة والمؤانسة، وأول رفيق له في درب الحياة التي علم أنه من حياته تلك في (كبد)، ولابد لهذا الكبد من رطبة فكانت هذه الرطبة حواء (المراة)، ولم تكن إلا بضعا منه (من نفسه)، فكانت أقرب شيء في الكون إليه، وهل يطمئن الرجل لأقرب من نفسه في الحياة ويأنس بها.

ثم إن المرأة قد يغلب عليها ما يغلب الطبع الإنساني من القلق والنزق والطيش والجحود والشر والحسد وغيره، مما ألهمت النفس الإنسانية (فألهمها فجورها وتقواها) فهل نرد ذلك إلى المرأة بخاصتها، أم نرده إلى الطبع الإنساني الذي قد يغلب أمام ما أودع فيه وما ألهمه، وقد يستعلى على الشرور، ويستملي من التقوى.

إن انحراف النفس الإنسانية (ذكرها وأنثاها) عن النفطرة السوية الأولى لا ينقص من جمال الأصل، ولا يشين به، ولا ينسب إليه شيء مما ران على بعضه، بل نرد الأمور إلى أولياتها وفطرها لننظر كيف كانت وكيف حظيت ، وكيف من الله علينا بها، فلا نجد المراة إلا في أجمل صورة منها ، وأبهى حلة.. بل تبز الطبيعة بكل ما أتحفت من جمال، مختالة عليها : إن جمالك هو بضعة من جمالي ، وما استلهمت الأنوثة إلا مما سميت به، وما رنت إليك النواظر إلا بما أشبهتني أو أشبهت به بعضي من الجمال.

وقد يعجب سائل: فأين ما وصف الشعراء والأدباء والكتاب والفلاسفة، أين ما عانوا من أهوال، وما احتملوا من أوجاع، وما طاف بهم من كدر وضجر وتعب وسأم وعنت وكبت ، وما استفز نفوس البشر مما أرهقها وأقض مضجعها من جناية المرأة؟

والجواب: أن كل ما كتب الشعراء والأدباء والفلاسفة عن المرأة لم يكن ذما لها بقدر ما كان مدحا فيما يشبه الذم، قد عرفنا ذلك جليا فيما عهدت به اللغة حين تكيل الذم في صورة المديح، والعكس حين تسرف المدح بما يشبه الذم.. فهل كل ذكر للشعراء من خلف الوعود، وقتل الجفون، وفتك اللحوظ، وأسر القوام ، وفري الغرام، لم يكن ذلك إلا تغزلا في الأنثى التي ألقت به في عذاب لا يريد الخلاص منه، ومفازة لا يريد منها مفازا، وسهاد لا يريد منه فكاكا.

ألم يتمنى أحدهم حين بلغ به العنت، واشتد به الوجد أن يزداد مما هو فيه وألا يفارقه، بل تمنى أكثر من ذلك أن يكون موعده في ذلك الحشر؛ حتى يلقى من يحب:

فيا حبها زدني جوى كل ليلة

ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

بل إن صاحب الرسالة الملهم صلى الله عليه وسلم خير من علم الفطرة، وأطلع على كثير من جماليات الكون، يعلمنا مما تعلم إذ يقول عن المرأة: إنها خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه.. لو ذهبت تقيمه كسرته، فاستمتع بها على عوجها”، وهل ثمة بلاغة أرقى وأسمى من ذلك؟! إنه ليكاد يعد عوج المرأة نوعا من المتعة والجمال، ولولا هذا العوج ما استشعرت ما بها من جمال.

وهل طاب للشعراء وأقرانهم من المرأة حين استوقفهم الجمال، واستفزتهم نفحات الأنوثة، واجتذبت أفئدتهم رقة الطبع ورهافة الخلق، وطباعة الحسن إلا لما مزجت به تلك الأنوثة من (الخلف والتبديل والصد والهجر والتمنع والتدلل و….):

أنعم بها من خلة لو أنها صدقت

موعودها أو أن النصح مقبول

لكنها خلة سيط من دمها

ولع وهجر وإخلاف وتبديل

كأن مواعيد عرقوب لها مثلا

وما مواعيدها إلا الأباطيل

فلا يغرنك ما منت وما وعدت

إن الأماني والأحلام تضليل

وهل طاب طعام لامرئ مهما كانت لذاذته ومذاقته إلا لما حف به من الحار والحارق والتوابل والبهار؟!

ولكل من رام سخطا على المرأة: لينظر كيف كان الكون بدون هذه الأنثى، وما جمال الطبيعة حين تتجرد من أصل الجمال بها، وما الأنس والمودة والرحمة في الكون حين يغيب ذلك الكائن الذي حف به كل هذا، وصار لزاما له، فلا يتحقق إلا به، ولا يطيب إلا معه.

إن الكون بأسره ليحتاج إعادة قراءة الأنثى، بل إعادة قراءة الجمال في الكون ليعلم أنه فقط (هو المرأة)، وأن الطبيعة بدونها قاحلة، والأرض بدونها ميتة مقفرة، والشمس لا نور لها ولا شعاع، والقمر خاو من المديح والتغزل ومؤانسة العشاق، والطير تصدح فلا تجد من يجيب صداها حين يجف نبض القلوب في الكون، والطبيعة ترهف فلا معنى لها إذ خلت من أنوثتها وكلت نواظر المنعمين بها، حين غاب عن جمالها العشق والعشاق.

المرأة سحر الطبيعة ، ولغة الكون الناطقة بغير لسان، ومداد الجمال الذي لا ينضب ، ورئة الكون التي يختنق حين تغيب عنه أنفاسها.. فليقر إذن المفعمون بالجمال في النفس والكون، وليسخط إذن من هم على خلاف مع الفطرة والطبيعة والجمال، فلن يغيروا من عزمات الحياة وجمالها شيئا..وتبقى المرأة هي الجمال!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى