وقفة مع كتاب “موجز تاريخ الأرداف”

 

عرض: فراس عمر حج محمد

في كتاب طريف في موضوعه، يقترب صاحبه (جان ليك هينيج) من بحث إحدى أكثر مناطق الجسم بروزا وحضورا، وملاحظة، فيبحث في “موجز تاريخ الأرداف”. لم يترك الكتاب شيئا من متعلقات الأرداف إلا وتحدث عنه، من الأرداف ذاتها، إلى أجزائها، والأوصاف التي تطلق عليها، واستحضر بطبيعة الحال قاموسا لغويا خاصا مرتبطا بهذه المنطقة “السعيدة” أحيانا والمجني عليها حينا آخر، فقد فرق، كما فرقت اللغة العربية، كما هو واضح في القاموس العربي، بين الردفين والعجيزة والمؤخرة، والدبر والإست، وتحدث عن أشكال الردفين وعلاقة الشكل بالمرأة أو بالرجل، وأشار إلى وجود حقبة تاريخية في حياة الغرب كانت النساء تلبس ملابس خاصة لتبدو العجيزة كبيرة، كما تحدث عن اللواط، بين الذكور ووطء المرأة في الدبر، كما تحدث عن تلك المتعة الكامنة في ذلك الجزء من الجسم. وتعرّض كذلك لما وجد عند المركيز دو ساد من نزعة تعذيب الضحايا، وخاصة التعذيب المرتبط بالعجيزة ولم يخل من اللذة، كما تحدث عن استعمال الخازوق في التعذيب، واستخدام الجرذان المجوّعة التي توضع على هيأة معينة فتؤدي إلى إلتهام الجرذ لحم العجيزة وينخرها بالكامل ليدخل إلى دخل الجسم من خلالها، حتى يموت ذلك الجرذ وتموت الضحية. وعليه لم يكن تاريخ الأرداف خاصا بالمتعة، بل إن له جانبا سلبيا غاية في البشاعة والاشمئزاز.

الكتاب قد يصنف على أنه غير جادّ، ولكن من يقرأه سيشعر بالرصانة اللغوية والطرح المنضبط الذي يناقش بجدية مطلقة هذه المنطقة من الجسم، وحضورها في الأدب والسينما وعروض الأزياء واللوحات الفنية والصور والمنحوتات، وفي الاحتجاج السياسي في بعض البلدان، إذ يعني الكشف عن المؤخرة كأنه إهمال تام للسلطة المعترض عليها، فيدخل في ذلك الأسلوب الساخر مع احتقار السلطة وصفعها بصورة تلك المؤخرة العارية. مع أن “المؤخرة” بوصفها عضوا حيويا ليست محتقرة بحد ذاتها في أي شيء، ولكن السلوك الاحتجاجي يمنحها هذا البعد. كأنها تأخذ بعد رمزيا كما هو مثلا باستخدام إصبع اليد الأوسط في وضعية ما ليومئ به المرء إلى موقف غير مكترث ممن يوجه إليه. فالإصبع ليس محتقرا ولكنه يشير بوضعيته تلك إلى احتقار الطرف المعنيّ.

لا يوجد في المكتبة العربية كتابا شبيها بهذا الكتاب، ليجمع مؤلفٌ ما شتات ما كُتب عن العجيزة والأرداف في كتاب، ليحلل الصورة التي جاءت عليها العجيزة في شعر الغزل أو في شعر الهجاء أو في الطُرَف المنتشرة في كتب الأدب. ويدرس بعمق ما جاء في السينما العربية وأفعال الإغراء التي توظف فيه العجيزة بشكل كانت تلفت الكاميرا إليه المشاهد بوضوح. ولعل أقرب كتاب في صنعته من كتاب جان ليك هينيج هو كتاب “دولة النساء”، وقد جمع فيه مؤلفه عبد الرحمن البرقوقي كل ما يتعلق بالنساء وقصصهن ومعاشرتهن وأعضائهنّ، وجاء في كتاب ضخم، ظهر فيه الجهد الموسوعي فيما يتصل بموضوعه، وسبقه ابن طيفور في كتابه “أخبار النساء، وقد أخذ عنه البرقوقي الكثير وزاد عليه، ولكن لا يوجد كتاب في المكتبة العربية حسب علمي يتتبع الأرداف أو النهدين أو الفرج أو القضيب أو أي عضو في جسم الإنسان ليبين للقارئ العربي بمؤلف واحد “موجز تاريخ تلك الأعضاء”. أو أحدها على الأقل.

لقد لفتت العجيزة والأرداف الشاعر العربي القديم، وليس فقط جان ليك هينيج، وأذكّر ببعض الأبيات الشعرية التي اهتمت بوصف العجيزة من ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته:

وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا// وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا

فالمأكمة هي الكفَل أو العحيزة، وهو هنا يشير إلى ضخامة أرداف تلك المرأة وهي ناحية جمالية كانت مطلوبة لدى المرأة، كما أشار إلى ذلك أيضا صاحب كتاب “موجز تاريخ الأرداف”. وأكد هذا المعنى شاعر آخر فقال:

إذا تمشي تأوّد جانباها// وكاد الخصر ينخزل انخزالا

تنوء بها روادفها إذا ما// وشاحها على المتنين جالا

وغير ذلك كثير جدا في مدونة العرب الثقافية والشعرية. وتحتاج باحثا صبورا وجادا وجريئا للكشف عنه، وإعادة توليفه في مؤلف ممتع يسد ثغرة في المكتبة العربية. فتراثنا العربي غنيّ ولكنه مهمل مع الأسف، أو ينظر إلى الباحث فيه بعين الريبة، ولذلك يرى الناس أن يقرؤه مبعثرا في الكتب أما إن اشتغل عليه باحث وجمعه بموجز تاريخ جديد، فستنصب له المحاكمات وتسرد على مسامعه معلقات الأخلاق والالتزام، وهذا ما تحاشاه الناشر والمترجم العربيان في الطبعة العربية، غيرا الغلاف الأصلي للكتاب، حيث كانت تزينه صورة عحيزة تبدو رائعة وشفافة كأنها قطعة من الماس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى