بهدوء … بين الإتحاد السوفياتي وأميركا

توفيق شومان | مفكر وخبير سياسي لبناني

ثمة إشكاليتان في قراءة الحدث الأميركي، الأولى تتصل بإندفاع المشابهة مع انهيار الإتحاد السوفياتي، والثانية ترتبط بالإنفعال في قراءة الحدث ودفعه إلى استنتاج يستعجل القول بإقتراب انهيار الولايات المتحدة.
كلا الإشكاليتين تنم عن خطأ الإستعجال ، فلا الذي يحدث في الولايات المتحدة يشبه ما حدث في الاتحاد السوفياتي منذ بروز ” البيروسترويكا “والغلاسنوست” في عهد الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين ، ولا الإنفعال يمكن أن يؤدي إلى قراءة حكيمة للوقائع الأميركية الجارية .
ـ أولا : في خطأ تشبيه الحدث السوفياتي بالحدث الأميركي:
من بداهة القول إن انهيار الإتحاد السوفياتي سبقته مجموعة من الأزمات البنيوية، وفي طليعتها عدم القدرة على إدارة التنوع، فالحزب الشيوعي الذي حكم دولة قارية وشبه إمبراطورية لسبعة عقود، صادر الحياة العامة والخاصة لحوالي ثلاثمائة مليون نسمة، وأدى ذلك إلى اصطدامه بمختلف الآرء المعارضة، السياسية والإقتصادية والدينية والفكرية والأدبية والفنية، وهذا ما جعله عمليا في مواجهة مع مجتمع متربص ، فقد كان الحزب الحاكم في مكان والمجتمع في مكان آخر.
المجتمع السوفياتي (إذا جاز استخدام هذا التوصيف) كان ينتظر فرصة الخروج من سيطرة الحزب ، إذ لا يمكن تنميط الناس وقولبتهم في قالب واحد، فيما السُنة البشرية قائمة على التعدد والإختلاف، وتلك كانت النقطة القاتلة في النظرية الشيوعية برمتها ، وعلى الأرجح لو قرأ الشيوعيون السوفييت بتأني وهدوء كتاب “السياسيات” لأرسطو ورده على شيوعية أفلاطون في كتابه ” الجمهورية ” ، ربما كانوا ذهبوا إلى غير مذهب .
ذاك التربص المجتمعي بالحزب الحاكم ، اعتمل تراكما فوق تراكم ، وترافق مع عوامل تراكمية أخرى ، من بينها تطرف النظام الأمني وتطرف الرقابة على الأشخاص ، والمعروف في هذا الشأن ، أنه كلما جرى التطرف في فرض الأمن فقد الأمن معناه وتحول إلى رعب ، والرعب ينتج الإنفجار ، وهذا ما حدث عندما انتفض الناس على نظام يخافون منه ويخشونه.
وإلى عامل الخوف المتراكم ، كان ثمة دور تدريجي متراكم للإنسحاب من الإيدولوجيا الثقيلة ، فتلك الإيديولوجيا تصلح في ممارسة السياسات المعارضة أو في خوض الحروب ، ولكن إدارة الدولة والمجتمع تحتاج إلى سماحة ومرونة ، ولم يكن ذلك متوافرا في الإتحاد السوفياتي ، فالثقل الإيديولوجي جعل ” الرفيق الشيوعي ” هو ” المواطن الصالح ” ، وما كان للناس ان يتقبلوا ذلك ، فالشيوعية ليست بالضرورة مثالا للصالحين ، ولذلك ثاروا عليها .
من حسنات النظام الشيوعي الذي ساد في الإتحاد السوفياتي ، أنه دفع الأفراد إلى مستويات تعليم عالية ، وكادت الأمية تنقرض في عهده ، كما أن النظام نفسه فتح المجال لأن يتبوأ رأس هرمه أو ما يقاربه ، أشخاص ليسوا من القومية الروسية ، مثلما هي حال جوزيف ستالين وإدوارد شيفردنادزه، وكلاهما من جورجيا ، وكذلك اندريه غروميكو وهو من روسيا البيضاء ، لكن تلك الحسنات ، قابلتها سيئات لا تقبل الغفران ، على رأسها انعدام فرص الترقي في الحياة العامة ، اجتماعيا واقتصاديا ، فإغلاق أبواب الحوافز ، وهي من المكونات النفسية للذات البشرية ، أوجد يأسا لدى أجيال بكاملها ، جراء افتقادها لأحلام الإرتقاء ، فباتت بلا أمل ، ومع تراكم عوامل اليأس ووصول أجيال بحالها إلى العنق المسدود ، كان من الطبيعي أن تنفجر معتبرة أن الخلاص من اليأس هو الخلاص من النظام الشيوعي ، والخلاص من النظام الشيوعي يعيد إليها الأمل المفقود .
حين انهار الإتحاد السوفياتي ، لم يكن الناس جوعى ، و ما كان يحتاجه الناس من غذاء كان موجودا ورخيص الأسعار ، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، فنمط الحياة السوفياتية كان مخالفا للطبيعة ولما ينشده البشر ، وكان يغتال الطموح ، فحين لم يكن بإستطاعة ” المواطن السوفياتي ” أن يهاجر إلا هروبا ، أو أن يوسع داره أو يقتني سيارة إلا بعد علم وخبر قد يمتد لسنوات ، فذلك أشعره أنه في سجن كبير ينبغي تحطيم جدرانه ، حتى يرى ولو على سبيل الفضول ما وراء تلك الجدران.
أيضا من أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي ، جمود النظرية الشيوعية وتجلدها ، ومنذ ما قبل الإنهيار الرسمي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ، باتت نصوصها وتفسيراتها مغلقة ومقتصرة إلا على نصوص وتفسيرات لينين واجتهادات وممارسات ستالين ، أي أنها غطت ما يقارب القرن أو ثلاثة أرباعه ، ومن دون تجديد أو تأويل جديد ، وهذا ما جعلها في غربة فكرية عن غالبية الفئات العمرية التي نشأت بعد رحيل ستالين عام 1953، وعنى ذلك أن فئة الشباب كانت في واد ، والشيوعية العجوز كانت في واد آخر .
أي عامل من هذه العوامل ينطبق على الحدث الأميركي ؟ في الواقع لا يوجد أي عامل ، وهذا لايجعل قراءة أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي الراحل ومصير الولايات المتحدة خاضعة لأدوات التحليل نفسها ولا لبنى العوامل التي قد تدفع تحويل الولايات المتحدة من دولة مأزومة إلى دولة منهارة .
ـ ثانيا : في خطأ انفعال القراءة والتحليل :
من حقائق القول أولا ، وكما ورد قبل قليل إن الولايات المتحدة تعصف فيها أزمة غير مسبوقة ، ربما منذ حرب الشمال والجنوب في ستينيات القرن التاسع عشر، والملاحظ منذ لحظة دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، ومجموعة لا بأس بها من الباحثين والمحللين الأميركيين وكتاب الأعمدة في الصحف الكبرى ، وبالتحديد ” واشنطن بوست ” و نيويورك تايمز” ، دأبوا على التحذير من اعتماد الشعبوية واليمينية في الخطاب السياسي لدونالد ترامب ، ومخاطر أن يؤدي ذلك إلى انزلاق الولايات المتحدة نحو شروخات وانقسامات مجتمعية لا عهد بها منذ مائة وخمسين عاما ، بل إن عشرات المثقفين والأطباء النفسانيين دعوا إلى إخضاع ترامب لفحوصات الإختبار العقلية والنفسية .
مثل هذه الأمور ، ما كانت لتحدث أو لتجري في الإتحاد السوفياتي ، ويدل ذلك إلى أن في داخل النظام الأميركي من يقرع أجراس المخاطر ويحذر من أهوال صعود التيارات العنصرية السياسية والدينية والأوليغارشية البيضاء .
بلا ريب ، فإن التيارات المذكورة تشكل خطرا محدقا بالولايات المتحدة ، وتضعها تحت سقف امتحان ” إدارة التنوع ” ، وهو امتحان فشل النظام السوفياتي في خوضه فأسقطه ، ولكن في هذه النقطة بالأخص ، من الأهمية القصوى ، ولأجل قراة دقيقة للوقائع الأميركية الساخنة ، الوقوف جليا ومليا أمام ” انتفاضة ” نخبة لا بأس بها من داخل الحزب الجمهوري على الرئيس دونالد ترامب ، وإدانة أفعاله من مثل نائب الرئيس مايك بنس وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل والصقر ليندسي غراهام ، وغيرهم من عشرات الجمهوريين ، كما أنه يجب التأمل بإمعان في أبعاد إسقاط المحكمة الفيدرالية العليا وحكام الولايات الجمهوريين للدعاوى القضائية التي رفعها الرئيس ترامب اعتراضا على ” تزوير ” الإنتخابات ، وذهاب نخبة جمهورية إلى رفع الصوت والقول بأن دونالد ترامب يسعى إلى إحداث انشقاق في الحزب الجمهوري ، وكل هذا جعل ترامب معزولا سياسيا حتى ولو لم يذهب الجمهوريون إلى تبني إجرءات العزل الدستوري كما يطمح الحزب الديمقراطي .
وهنا بالضبط ، أي في الجانب المرتبط بالحزب الجمهوري ، تتبدى أزمة هذا الحزب الذي ذهب إلى تبني ترشيح دونالد ترامب إلى الإنتخابات الرئاسية في عام 2016 ، وهو من خارج الحزب ومن خارج ” المؤسسة السياسية ” الأميركية ، فعمل على الإنقلاب على الحزب وعلى المؤسسة ، فتلقى الحزب درسا قاسيا ، ومن المرجح أن يشكل هذا الدرس عظة مريرة للحزب الجمهوري وتعيده إلى الخطوط التقليدية لإختيارات مرشحيه في المنعطفات الإنتخابية المقبلة .
وعلى هذا النحو ، يمكن القول إن أزمة الولايات المتحدة الحالية ، هي أزمة الحزب الجمهوري وحصيلة اختياره لدونالد ترامب ، ومع ذلك ، لا يبدو هذا الحزب ساعيا إلى تغطية خطاب الرئيس ترامب ، ولا متجها نحو وضع الغطاء على سلوكيات المتظاهرين الذين تم وصفهم ب ” الغوغاء والفوضويين ” من قبل مؤسسة الحزب الجمهوري ذاتها ، مما يستبعد التوقع بإمتداد سلوكيات المتظاهرين إلى دائرة صناعة القرار وتفعيلها وتحويلها إلى برنامج سياسي عام ينتج عنه انقسام فعلي داخل الولايات المتحدة ، فمثل هذا التوقع لامعطيات له ولا حقاقق ولا قوائم تقف على الأرض ، على الأقل حتى الآن .
أزمة الحزب الجمهوري التي أنتجت الأزمة الأميركية الراهنة ، والإندفاع في الإستنتاجات الناجمة عنها ، تستدعي العودة إلى استنتاجات اندفاعية وانفعالية مماثلة ارتبطت بأكثر من مفصل شهدته الولايات المتحدة على مر السنوات والعقود السابقة ، وأكثر تلك المفاصل العالقة في الأذهان حتى هذه اللحظة ، عملية القتل المشينة للمواطن الأميركي من أصول افريقية جورج فلويد في شهر أيار / مايو 2020 ، فبعد وقوع الجريمة مباشرة وما رافقها من احتجاجت وأعمال عنف في مدن وأنحاد أميركية عدة ، اندفعت الإنفعالات إلى الإستنتاج بأن الولايات المتحدة باتت على قيد مسافة صغرى من التفكك والإنهيار ، وغابت هذه الإستنتاجات عن وقائع مماثلة لواقعة جورج فلويد تشهدها الولايات المتحدة تقليديا، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2019 قُتلت أتاتيانا جيفرسون ، وفي أيلول/ سبتمبر 2018 قتلت الشرطة الأميركية بوثام جان ، وفي تموز/ يوليو2016 قتل أحد رجال الشرطة فيلاندو كاستيل ، وفي تموز / يوليو 2015 قٌتل والتر سكوت وفريدي غراي و ساندرا بلاند ، وفي آب / أغسطس 2014 قُتل مايكل براون ، وفي شباط / فبراير 2012 قُتل ترايفون مارتن ، وكذلك اغتيل رودني كينغ في مدينة لوس أنجليس عام 1992، ووقعت اضطرابات عنيفة في كل من ولاية فلوريدا عام 1996 ، و مدينة بالتيمور الواقعة في ولاية ميريلاند عام 2015 ، وفي مدينة ميلووكي إحدى مدن ولاية ويسكنسون عام 2016.
وبالرجوع إلى تداعيات تلك المفاصل والمحطات ، سيجد المراقب كثافة في سجلات جرائم الشرطة الأميركية بحق الأميركيين من أصول أفريقية ، وبعد كل واقعة قتل ، وفي حال تمت العودة إلى التسعينيات والثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، سيُلاحظ ردود أفعال وتداعيات عنيفة ناجمة عن عمليات القتل ومترافقة مع خروج عشرات ومئات آلاف المحتجين على جنوح نظام العدالة الأميركية لصالح البيض ، ومع ذلك ، لم يحدث الإنهيار ولم يقع التفكك ، وأسباب ذلك تعود بصورة رئيسية إلى أن عمليات الإحتجاج لم تتحول إلى إطار سياسي ، ولا يبدو أنها في الطريق إلى ذلك ، ومع إشارة في غاية الأهمية في هذا الصدد ، وهي أن حركة “حياة السود مهمة ” (Black Lives Matter)‏ التي نشأت في عام 2013، للدفاع عن حقوق المواطنين الأميركيين ذوي الأصل الأفريقي ، لا تندرج في سياق التأطير السياسي ، وإنما هي إطار حقوقي ـ إجتماعي يهدف إلى الإندماج في النظام الأميركي العام على قاعدة المساواة واللاعنصرية ، وليس على قاعدة الصراع مع النظام المذكور .
الشأن الآخر ، والمتعلق بحقوق الأفارقة الأميركيين ، كان شهد ذروة حراكه في ستينيات القرن العشرين مع ‏ مارتن لوثر كينغ والحقوق المدنية التي نادى بها ، ومن بينها التطبيق العملي لقانون حق الإنتخاب النظري المشرع في دستور العام 1870، إذ كانت ولايات أميركية عدة تعرقل تطبيق هذا القانون بذرائع مختلفة ، وأفضى حراك مارتن لوثر كينغ إلى نيل حوالي خمسة ملايين من أصحاب البشرة السمراء حقهم الإنتخابي في عام 1965، وحين جرى اغتيال مارتن لوثر كينغ عام 1968، بدت الولايات المتحدة على سفح الصدام والإشتعال بين البيض والملونين كما قيل في تلك الفترة ، أي في ذروة الحرب الباردة بين المحورين الشيوعي والغربي ، خصوصا بعد انتشار حوالي 70 ألف عنصر من الحرس الوطني واندلاع أكثر من 700 حريق في عموم الولايات المتحدة ، لكن هذا الصدام لم يحدث ولم يقع.
وبالتزامن مع هذا المفصل في ستينيات القرن الماضي ، جرت وقائع المعارضة الشعبية الواسعة لتدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام بعدما قرر الرئيس ليندون جونسون توسيع المشاركة في غمار الحرب وإرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى الميادين الفيتنامية ، وعمليا ، شكلت ضخامة الإعتراض الشعبي على الإنخراط في حرب فيتنام أوسع إئتلاف سياسي ـ اجتماعي معارض عرفته الولايات المتحدة ، غيرأنه بقي في إطار شبه محصور برفض الحرب وبالإعتراض على أحد جوانب السياسات الخارجية للدولة ، ولم يذهب إلى التعارض والصدام مع النظام العام أو المؤسسة التقليدية الحاكمة بهدف تغييرها .
ـ ثالثا : هل هي ضربة على الدماغ ؟ :
بالعودة إلى الأ زمة الراهنة ، ومع الإقرار بخطورة ما جرى ، وما يمكن أن تخلفه من ندوب وجروح في المشهد الأميركي في ظل الحضورالفاعل لليمين العنصري ، وما يقابله من يسار شبه عنيف مثل حركة ” أنتيفا “(Antifa) ، وما بين الإثنين من نظائر ومتشابهات متطرفة وعصبوية ، مما يؤشر إلى أحد أشكال الإستقطاب ، لكن هذا الإستقطاب يفتقد مبررات القول المنفعل و الإستنتاج بأن هذه الجماعات الأهلية ، يمكن أن تخرج عن سيطرة الدولة أو تتفوق قوتها على قوة الدولة ، فهذا الأمر غير ظاهر ولا يستند إلى أحكام موضوعية يمكن الركون إليها حتى يقال إنها تشكل أخطارا فعلية على الولايات المتحدة.
كان يمكن الحديث عن أخطار محدقة وحقيقية ، لو أن الحزب الجمهوري أو تيارا فاعلا منه ، وقف إلى جانب الرئيس ترامب ليكرس مشهد الإنقسام العام ومشهد الإختلاف على نتائج الإنتخابات ، وبهذه الصورة تصبح الولايات المتحدة منقسمة على نفسها ، فإما يتنازل أحد الطرفين إلى الآخر ، وإما يدخل الطرفان في لجة العراك ، ومع العراك تخطو الولايات المتحدة نحو متاهة الأزمة البنيوية التي قد تفكك مؤسساتها وتعصف بها ، ولكن هذا العراك لم يقع ، ولم تنقسم المؤسسة التقليدية ، وبمعنى آخر لم تختلف طبقة الحكام ولم تتصارع ، لا بل إنها نبذت الرجل المحارب والمصارع .
يقول الفيلسوف أرسطو إن أهم أسباب انهيار الدول وانحلالها يأتي عن طريق الخلافات التي يمكن ان تقع بين طبقات الحكم ، وتلك الخلافات هي الأخطر على الإطلاق .
دعونا نقرأ أرسطو مرة جديدة
ودعونا نتفق على أن الولايات المتحدة تعاني من جرح بليغ ، إلا أن هذا الجرح لم يصل إلى الدماغ ، مثلما كانت حالة الإتحاد السوفياتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى