نصوص

عبد الغني المخلافي | اليمن

اللوحة للفنان الهنغاري آرثر فون فيراريس

1- المغمور

أنا اليمنيُّ المغمورُ
حروفي لا تعرفُ الابتسامَ
لا أجيدُ الطربَ ولا الفكاهةَ
ولدتُ من طينةِ التعبِ
عرفتُ نفسي حزينًا
منذُ فجرُ حياتي
أدمنتُ البكاءَ
لم أظفرْ بحلمٍ مفرحٍ
لا منزلٌ أو وطنٌ يحتويني
عدا التشردُ والضياعُ
أستيقظُ وأنامُ على الفزعِ
أبحثُ عن سقفٍ يظللني
عن حيطانَ تحميني
عن سماءٍ ترحمني .

2- عقار

أعودُ بالأوجاعِ المعتقةِ
إلى الورقِ
أطردُ الوحشةَ
وشراسةَ الضجرِ
أصنعُ المسراتِ الكثيرةَ
يلزمني من الأعباءِ
والساعاتِ الماضيةِ التجردَ
القصيدةُ سهلةٌ أحيانًا
أجعلُ دوائيَ الناجِعَ منها
أمامَ بوابةِ الكتابةِ
عليّ عدمُ الارتباكِ والخشيةِ
من الفشلِ
الشارعُ بالعادةِ غير ُ ملهمٍ
المكانُ كارثيٌ للغايةِ
منْ أينَ تنفتحُ الأبوابَ
وأطالُ النجماتِ
أسيرُ نحوَ الأقاصي
أطفو كقشةٍ فوقَ الماءِ
أسبحُ كسمكةٍ في الأعماقِ
وأحلقُ كطائرةٍ نفاثة.

3- أنا هنا

أكتبُ لأتسلقَ الضياعَ
وأستعيدُ رئتيّ وأحلقُ بعيدًا
أغتسلُ من الغبارِ المترامي
أبلغُ منتهى فرحي
أستولدُ الأخَ المفقودَ
والصديقَ المنعدمَ
والحبيبَ الأمثلَ
أجعلُ جيبي عامرًا
أرتدي ملابسي القشيبةَ
أفتحُ الأبوابَ المُسْتَغْلقَةَ
أنتصرُ على الوحشةِ
وأهزمُ الفراغَ
أقولُ أنا هنا
أدحرُ شيخوختي
وعفنَ الزمنِ القاسي
أكنسُ القمامةَ في طريقي
أمضي بكاملِ نظافتي
أذهبُ إلى أقاصي الأرضِ
دونَ أن أغادرَ مقعدي
أوجدُ وطنًا وأهلًا وبيتًا
أعيدُ أبي من قبرهِ
وأكذبُ الخمسينَ التي انقضتْ
من عمري
أغرسُ الأشجارَ العامرةَ
بالعصافيرِ والثمارِ الحلوةِ
أصيرُ ثملًا
أجعلُ غرفتي الضيقةَ
فيحاءَ واسعةً وبستانًا عَبِقًا
بأصنافِ الوردِ
أكونُ حيًا بكاملِ شبابي
وعواطفي
أخلقُ من حولي زوجةً
وأبناءَ بارين
وأحبابًا لا ينكرونَ
وأصدقاءَ لا يغدرونَ
أُخَلِّدُ اسمي وأبقى
عندما أندثر.

4- زوابع

بأثقالِ وطنٍ
وأعباءِ غربةٍ أعودُ
أجرَُ صوبَ مأوايَ حِمْلِي
ينتظرني الكثيرُ من الزوابعِ
والأفكارِ المتباينةِ
تقيمُ معاركها الطاحنةَ
ورؤى تتزاحمُ
أسقطُ فريسةَ ظنونٍ
ووساوسٍ لا أستطيعُ دحرها
في مداري
يضطرمُ بحرًا من الأوهامِ
والتخيلاتِ
أسفحُ المشاهدَ والصورَ
أمضي في حيطانٍ متصلبةٍ
وثيابٍ متدليةٍ
على المشاجبَ
أستحضرُ حبيبةً أو قصيدةً
أسدُّ غيابي بها.

5- أروقة

هذه الشوارعُ لا تغريني بالمشي
واستهلاكِ الوقتِ
لا تفتحُ عيني على المصابيحَ والمطرِ
لا تدفعني إلى الأرصفةِ
والمقاعدَ الجانبيةِ
وإطلاقِ الأغاني
والضحكاتِ والتسكعِ بجنونٍ
تعبتُ من هذه الدائرةِ الراكدةِ
وهذا الغبارُ فوقَ أروقتي
من هذه الأحاديثِ
والوجوهُ والهمومُ والمخاوفُ والقصائدُ والأماكنُ
والأسرّةُ والأفرشةُ
والأطعمةُ المكررةُ..
كيف أعودُ إلى أنثاي
إلى صخبي إلى رحابي ؟
كيف أحدثُ تغييرًا
ولو على شكلِ حريقٍ أو زلزالٍ
أو عاصفة.

6- بحيرة

إذا أردتَ قتلَ كاتبٍ
فقط أفقدهُ قدرةَ البوحِ
يا الله من نعمةِ الأحرفِ
لا تحرمني
دونَ الكتابةِ أفقدُ بهائي
تصيرُ روحي كسيرةً
ولا يمكنني أن أطيرَ
يصاحبني الجفافُ
كثيرًا ما أكسرهُ
أصفعُ المستحيلَ
أغوصُ في الأعماقِ
أنبشُ في تربةِ قلبي
من ركامِ الهدمِ أنبعثُ
أنمو من جديدٍ ..
هكذا عرفت حرفي
في جوفي بحيرةٌ
من الكلمات

7- ضوء

حتى لا ألدغ من الأصدقاء
لا أقتربُ منهم كثيرًا..
كيف يمكنُ لكتابٍ
أن يكونَ أهلي
ووطني ؟!
ألجُ مسكني متأخرًا
أعدُّ من الشعرِ غذائي
لا مانعٍ
من التخمةِ لديّ
في التهامِ المزيدِ
من الكتبِ !
أجتاز غرفتي البائسةِ
أطوي المدنَ والأصقاعَ
وأسبحُ في الضوء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى