قراءة نقدية عن نص (طفولة بلا عنوان) لخديجة باكني

سي مختار حمري | المغرب

اكتسحها الغبار
ظلت في النسيان
مزقها الانتظار …
على حافة الطريق
على الأرصفة .. والضيق
على صراخ الإغتصاب
والتمرد …
والتحرش …
في ساحة التذمر
في كوكبة الضياع
والتسلط …
بات هنا وهناك
طفلا يتوجع
وبريئة تئن …
والجوع يلسع
هنا بريق الأمل
كاد يمسح
على خاصرة الطريق
ووسط دروب التشرد
هنا وهناك …
ذئاب تعوي
تمزق
تنهش اللحم
وتتلذذ …
هنا الضحية والولد
هنا الجروح والجراح
هنا طلقة المكيدة والرياح
هنا دمعة بائسة …
دون حياء
هنا اغتصاب الطفولة والبراءة
صحبة الظﻻم …
والدموع …
والرضوخ …
والذل والألم …
والصمت المطبق
وكل القطوف
هنا الطفولة الحزينة
تلتحف سماء الكوارث
وتبتسم للحريق
ونار التسلط …
توقظ طفولة مفحمة
كرماد …
و صليب
ٲيتها الطفولة
ٲين وطنك … ؟!
بل ٲين الوالد … ؟!
بل ٲين ٲنت من هؤلاء .. ؟!
بصمت الأيام …
ٲﻻ يكون هناك طليق
وٲنتم ٲصحاب المسافات
وكل الطريق …
غدا يوم عيد
ولنا لقاء
بقلم خديجة باكني

الدراسة

…….
القصيدة من اول ملامسة لها تتبدى للنظر والتبصر لوحة تشكيلية تعكس واقعا مغلفا بحزن عميق ضارب بجدوره في تربة ملوثة قد لا تنبت زرعا ولا يمتلأ منها ضرع ولا يسُد منها جوع بطن .. رصدت الشاعرة من طيات المجتمع بعناية فائقة وبعفوية صورها الشعريةالمؤلمة المفجعة الحاطة من القيم الانسانية ، نتطرقت لها اجمالا في دراستنا هاته.
بريشة الحروف تنثرالشاعرة الألوان من طيف واسع في ضيقه حد الإختناق، عميق السطحية وصولا الى شغل كل المساحات أفقيا ..جل الموجات اللونية المستعملة تتماهى والرما دي البني وصولا الى الاسود الدامس. . بالحروف ترسم لوحة فنية بخلطة سحرية تحول الكائنات من اشكال جامدة في رقعة بيضاء إلى ثقب أسود يلتهم كل ماحوله. يعدم الزمان والمكان ويمسح الذاكرة ..
العنوان :طفولة بلا عنوان جملة اسمية تقوم فيها لا النافية مقام ”دون الظرفية ”لدخول حرف الجر عليها وبالتالي يمكن ان نقول ”دون عنوان ”أي مشردة ، في العرف القانوني وكلمة طفولة نكرة غير معلومة فيمكن ان تكون فقط جزءا من الطفولة ، ومكان تواجدها غير معلوم فقد تنتمي لقطر دون الاخر ،او للأمة العربية باكملهاهذا في المعنى اللفظي للعنوان اذن نحن
امام طفولة مشردة دون مسكن او عنوان او وطن و في زمن غير محدد … – قد يتسع مفهوم التشرد ليشمل كافة المجالات ولن يبقى حكرا على” طفولة بلا عنوان”- //في تنقل و ترحال وتسكع وطرد ومطاردة الى خارج الزمان والمكان والخضوع لاعتداءات رهيبة مستدامة//تربّت على الهامش في حاضنة الاذلال والمهانة والمعانات لتصبح بؤرة لكل الامراض الاجتماعية والنفسية نتيجة الاحباط و التفكيك الذاتي للشخصية حوّلها الى مجرد احياء في قبور متنقلة قد لا تغادرالا من أجل النهب والسلب و التدمير والعودة المظفرة الى مساكنها التي اعد لها بعناية فائقة من الأحياء الكهفيين او مصاصي الدماء وهي على استعداد دائم لما لا يمكن توقعه ، لعبة في مهب رياح الجهات الأربع //فجأة تقفز هاته الكائنات من اللوحة التشكيلية لتترك وراءها بقعة ناصعة البياض لتكتسح كل الفضاءات ولتشعل النيران معلنة مقدم الثقب الاسود… النص يحفز الذاكرة والخيال لتنفتح اكثر على الواقع مشاهدة واسترجاعا…..
طفل ينبض بالحياة. يلبس اسمالا ممزقة، حافي القدمين ،الوجه متسخ ،قطعة قضت من اوساخ،اوعامل منجم تحت الأرض،يحمل على كتفه أغراضه الملحة و مسكنه المتنقل.يجوب الأرصفة الهامشية، “دروب الشرود والنسيان والصمت” يتغذى من مكبات النفايات وبما تجود به الايادي الرحيمة، لاحنان أم، ولا حماية أب، لارفيق لا صديق ثابت “خواء في خواء”,ضياع في ضياع”. عندما يسدل الليل ستار ظلمته، يجد في البحث مستجديا زاوية يدرك بحدسه وسابق تجربة انها قد تقيه شر العابثين وقساوة حر أو قر الليالي والفصول المتعاقبة، ملتحفا ”سماء الكوارث ”يدخل ببنيته الضعيفة في عمر الزهور علبته الورقية “الكارتونية” في تربص وترصد لكل حركة وسكنة كالحيوان الجريح أو المستفز.

لا مجال للنوم الثقيل والأحلام من أي نوع أو فصيل،الحذر كل الحذر واليقظة قبل فوات الأوان. تهب العواصف الليلية ذئابا وضباعا تترنح بما شربت وأكلت تزهو بما عليه أقدمت،تتقن فن الصيد ونصب الشباك والشراك لفرائس تعلمت فن التمويه والتخفي والتماهي تنشب المعارك الليلية الحامية الوطيس.”تسمع صرخات تمزق سكون وصمت الليل” في غياب رحمة ضوء شمس النهار الساطع الفاضح والحامي لهذه الاجساد الضعيفة الملقى بها في فراغ رهيب.

كل الاصوات القادمة من اعماق الكهوف الليلية ،تلتقطها الاذان غير مبالية تعتبرها مجرد نواح ،بكاء، اغتاصبات، اعتداءات، دخلت في صلب عادات الأمس،اليوم، وغدا، مالم تقتحم حرمة بيوتهم ، لا مجال للإهتمام أو الإنهمام بها، كل الإنشغال باحلام الليالي في دفيء الأسرة والأسرّة والنعمة الوافرة والحراسة الشديدة اللصيقة…”في سكون الليل تنبعث روائح اللحم والدم والعظام المكسورة.

“تُزكم الأنوف ولا من يبالي فالروائح الفاخرة والورد والأضواء الحمراء تجرد من كل احساس وتعاط مع الواقع المعاش..” انياب الذئاب والضباع الجائعة المفترسة تعمق الجروح ،تزيد الضياع تجدرا وفتكا تكرس البؤس والتشظي والتشردم واتساع كوكبة الضياع لتملأ كل الفراغات ولتحتل كل الساحات..
أمام هذا المشهد الدرامي التراجيدي ينتفض الطفل المشرد وينفض “غبار النسيان”والاهمال والاذلال وانتظار الفراغ الأجوف .. يقفز من اللوحة لتعود لبياضها الناصع يصبح واقعا مزعجا مدمرا عنوانه ” الإبتسامة للحريق” كما تقول الشاعرة. يتحول إلى تساؤلات ..اين وطنك؟…اين الوالد..؟ اين انت؟ والتي قد نفهم منها اين كنا عندما كانت الامور تتطور نحو التدمير لتشمل الوطن والامة التي صارت هويتها من المعلبات السوقية أو من الكهوف المظلمة ،لا فكر مؤطر، لا مستقبل في الأفق..الساكنة تمتهن الهجرة في عزم واصرار قد يصل حد الإنتحار غرقابفعل وابل من القصف صارت ساحة تمشي فيها كل الأحذية الملمعة بالتكبر والاستكبار حالة من الشرود الفكري والتشرد الهوياتي ،الشامل قد تختلف الدرجات من قطر لآخر لكن الكل سيدفع الحساب..هناك من سيغادر مع اللقالق على عجل ليستر عورته بخفقان اجنحتها ، لكن الصخور لا تغادر ولا تنحني..سنبتسم ونفرح ونمرح ونحن نشاهد كل شيء امامنا يحترق ويدمر صارت الطفولة بلا عنوان ثقبا اسودا لا كما اراد مخرجوها ضباعا وضياعا
السؤال المطروح كيف الخروج من الثقب الاسود ؟
فيزيائيا الأمر مستحيلا لكن اجتماعيا هناك دائما أمل “ما ا أضيق العيش لولا فسحه الأمل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى