صحيفة (عالم الثقافة) انطلاقة حضاريّة نحو العالميّة

محمد عبد العظيم العجمي | مصر

من المعلوم بدهيا أن: التغيير في العالم منوط بهؤلاء النخبة من: القادة والسياسيين والعلماء والمفكرين، ومعهم الكتاب والشعراء والمثقفون؛ الذين ألهموا من عطاءات العقل والعلم ما يمكنهم أن يكونوا أهلا لذلك؛ غير أن القادة والسياسيين تحكمهم رغما عنهم معطيات السياسة ونزاعاتها واتفاقاتها واختلافاتها؛ أما العلماء والمفكرون فهم يسبحون في واد أرحب، ومجالات أوسع، وعطاءات أقل تحيزا وتحجرا.. وبالتالي فهم الفئة الأقرب لعقول الجماهير وقلوبهم.. إنهم الذين أوكل إليهم صناعة الوعي الجماهيري العام والخاص على المدى البعيد والقريب.

كما أنهم ـ كما رأينا وقرأنا ـ كانوا هم ردء الأمة وخط دفاعها الأول في التصدي لسياسات الاستعمار التي حالت دون تغيير الهوية العربية، وبما حاولت أن تضع من هذه الحواجز الجغرافية السياسية الوهمية، وما تداعى بعدها مما رسخ لهذه الحواجز النفسية التي وقفت حائلا دون تنامي وتبادل الثقافة العربية على مستوى الشعب العربي.

ظل المخلصون من هؤلاء النخبة مستمسكين رابضين قائمين على هذه الصلة العميقة المحافظة على روح الثقافة العربية أن يصيبها الوهن أو الترهل، كما ظلت كتبهم وكتاباتهم وأصواتهم تجوب آفاق الوطن العربي وتطوف شرقه وغربه، حتى استطاعت أن تتجاوز هذا الخط الواهن الذي صنعه الاستعمار من الانفصال الجغرافي والانفصام النفسي.. تجاوزت مفهموم الوطن الضيق، كما تخطت (خصوصية الثقافة)، وانغلاقية الفكر، ولاتزال حتى تزيح الحواجز  الاقتصادية السياسية.

وما يدرينا.. لعله أن نعود فنرى الإنسان العربي ــ كما كان ـ  يطوف بين أقطار بلاده آمنا حفيا لا يخش إلا الله ، وما يخشاه المرء على نفسه. ليست التجربة الثقافية العربية بأقل حظا من التجربة الأوربية التي استطاعت رغم اختلاف العرق والثقافة والدين واللغة، أن تصنع وحدة أوربية قوية مستمرة (عسكرية، ثم سياسية ، ثم جغرافية واقتصادية).

أما التجربة العربية فهل مدعومة بهذا الإرث التاريخي العرقي، الجغرافي، اللغوي، الديني، الذي يحدو مسيرتها ضاربا بجذوره في مراحل التاريخ المختلفة، ولم يبق لنا إلا تفعيل هذا الموروث لإعادة هذه اللحمة العربية .

في بعض رحلات أحد الباحثين لأحد القبائل الإفريقية وجدهم يربطون أحد الأفيال الضخمة بحبل ضغيف يستطيع الفيل بشدة بسيطة أن يقطعه ويفك أسره، لكنه لما سأل هذه القبيلة عن سر استسلام الفيل لهذا الربط الواهي، قالوا له: إن هذا الفيل قد ربط بهذا الحبل منذ صغره  وكان لا يقوى على قطعه، ثم مع مرور الأيام ظن الفيل أنه سيبقى على الحال نفسه من عدم القدرة على الفكاك من أسر الحبل.. هكذا أرادت بعض النظم أن يترسخ في النفوس بقاؤها حتى تتحول مع الوقت إلى خاضعة، غير أن هذا لم يكن ليخدع الجماهير فضلا عن المفكرين والكتاب والعلماء.

ثم أطل العلم علينا بـ(وسائل التواصل)، التي استطاعت أن تتجاوز بنا حدود الجغرافيا والقطرية والسياسة، وتحاول أن تعيد بناء اللحمة العربية الثقافية من جديد، لتجعلها نواة لتواصل عربي عالمي يجوب أنحاء العالم بالثقافة العربية التي علمت من قبل العالم، وحملت بيمينها مشعل الحضارة، ثم توارت خلف قضبان التغييب.

هذه النخبة المنتظرة، يؤمل لها أن تغير كثيرا من النظرة (العربية العربية)، والنظرة (العربية العالمية)، والنظرة (العالمية العربية) لتصنع جسرا من الثقافة الرافدة والوافدة  من العالم إلى العرب، ومن العرب إلى العالم، وتعيد تجديد النظرة من الجماهير العربية إلى واقع أمتها التي باتت في أمس الحاجة إلى صحوة ولحمة (نخبوية جماهيرية).

لا أظن هناك قصورا في ثراء الثقافة العربية (العريقة)، ولكن أوقن أن هناك قصورا في التسويق لهذه الثقافة ونقلها من القطرية إلى العالمية، وترسيخ الإيمان بها في نفوس أصحابها.. ولن يكون هذا أو ذلك إلا على أيدي نخبها المخلصين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى