ريَّان الاسم والوقت والذاكرة

د. إيهاب بسيسو | فلسطين

 ها قد صار ريّان الصغير وطناً من مجاز يتسع لكل أحلامنا وهزائمنا وألمنا وأملنا في الخروج من بؤس وقت يعتصر أرواحنا في قاع الصمت العبثي …

لريَّان الصغير تلويحة أصواتنا المدفونة في عمق احتياجاتنا اليومية للحياة …

لريَّان الصغير ملامحنا التي واظبنا على تخزينها بحرص خفي في خزانات الملابس كي نفرج عنها في فرح قادم وقد امتزجت بنا في ابتسامات انتصار مؤجلة …

لريّان الصغير ولجميع أفراد طواقم الإنقاذ الذين اختلطت أنفاسهم بصوت معدات الحفر طوال الأيام الماضية في مزيج انساني لم يستسلم لاحتمالية الكارثة، رغم اضطرابات الوقت، أفئدة من حكايات وذاكرة تتسع لمفردات الدفء …

ستظل مهمة إنقاذ ريان شاهداً في التاريخ الانساني على قوة أمل خفي وإرادة اجتمعا في نصوص وكلمات وصلوات علَّ ريان – الوطن المجازي بكل ما يحمل منا نحن الغرباء في الصخب ينهض من هشاشتنا المضطربة.

في الخامس من شباط ٢٠٢٢، صعد ريَّان من الجسد ليصبح المعنى الذي يمثل أحوالنا على امتداد الأرض،

كان طفلاً يحب الحياة فهوى في بئر الجفاف والعتمة والوحشة وهوى من علو أسئلة وابتسامة من قلق …

كيف سيبدو العالم يا أبتي عندما أكبر؟ …

لم يكن ريَّان يشبه الجندي ريان في فيلم هوليود الشهير “إنقاذ الجندي ريان” الذي أخرجه ستيفن سبيلبرغ عام ١٩٩٨، فريّان الطفل ابن الخامسة لم يعرف الحروب ولم يشارك في حرب ولو سينمائية كي يعود لسنوات نمو مطمئنة بعد الحرب …

ريَّان طفل من بلادنا التي خاضت أوجاعها في صمت يظهر أحياناً كصور مبتورة في نشرات الأخبار أو الأفلام الوثائقية مصحوباً بدمع خفي في الحدقات …

لم تكن قصة إنقاذ ريَّان تشبه قصة إنقاذ ٣٣ عامل من عمال منجم كوبيابو في تشيلي والذين انهار عليهم المنجم في عام ٢٠١٠ واستمرت الجهود لانقاذهم ما يزيد عن شهرين قبل أن يخرجوا من عمق العتمة أحياء.

ريَّان صاحب المشهد الأكثر بلاغة حين خرج من عتمة البئر بعد خمسة أيام من محاولات الإنقاذ مجنحاً كما الملائكة …

ريَّان للاسم دلالة الحياة …

الطفل الصغير الذي دفعنا دون أن يقصد طوال الأيام الماضية لقراءة سورة يوسف من القرآن الكريم، وتأمل دلالة المعنى في قصة النبي الذي صار درساً مقدساً في الصبر والحكمة …

ريان يختصر برمزية مكثفة كل المآسي التي من شأنها أن تنتهك براءة الطفولة، يكفي أن قصة هذا الطفل في قاع البئر دفعت بدون أي قصد الكثيرين إلى تذكر مآسي الطفولة في الحروب وبعد الحروب وبين دقات الوقت البطيء في أزقة النسيان المزدحمة بالمعاناة …

ريَّان يمثلنا جميعاً في كل ما يمكن للرمزية من أن تصنع من حياة مشابهة لهذا كنا ندعو لريان بالنجاة ففي الدعاءِ دعاءٌ لنا أيضاً للخروج من عتمة وقت يحاصرنا فيما يشبه الموت صمتاً …

الموت نسياناً وتفتتاً في قاع حياة تشبه القبر …

رحم الله ريّان الطفل الذي صعد من أفئدتنا نحو ملكوت السموات الرحبة المقدسة …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى