التناص القرآني في ” قرابين على مذبح العشق ” للمصرية سكينة جوهر

طارق عبد الفضيل | شاعر وناقد مصري

يقدم د/ عبد القادر بقشي تلخيصا لمفهوم التناص عند جوليا كريستيفا فيقول ” ويندرج هذا المفهوم عند الباحثة ضمن الإنتاجية النصية ؛ بمعنى أنه مرتبط عندها بالنص المولد الذي يهتم بالكيفية التي يتم بها توالد النصوص وخلقها وفق عمل منبن على بناء سابق أو مسبق . ولهذا ، فإن النص الشعري بالنسبة إليها إنما ينتج ضمن حركة معقدة ومركبة من إثبات النصوص الأخرى ونفيها في آن ؛ بل إنه فوق ذلك عبارة عن إنتاجية ومبادلة بين النصوص ؛ إذ أنه داخل فضاء النص الواحد نجد عددا من الملفوظات إنما أخذت من نصوص أخرى فتقاطعت معه وتفاعلت . ولعل هذا ما يجعل من التناص المفهوم الوحيد الذي يؤشر على الطريقة التي بواسطتها يقرأ نص التاريخ ويندرج فيه . وبهذا التصور للتناص استطاعت كريستيفا أن تقترح رؤية نقدية جديدة ، تؤكد انفتاحية النص الأدبي على عناصر لغوية وغير لغوية ( إشارية ورمزية ) متجاوزة بذلك التصور البنيوي الذي يلح على مفهوم البنية ، والرؤية الاجتماعية التي تركز على الوثيقة ، ومشيدة في الآن نفسه لشعرية جديدة تنظر إلى النص كملفوظ لغوي واجتماعي في آن . ” ( ص19 التناص في الخطاب النقدي والبلاغي ـ د/ عبد القادر بقشي ـ أفريقيا الشرق الدار البيضاء 2007 )وترى جوليا كريستيفا أن النص ” خاضع لتوجه مزدوج نحو النسق الدال الذي ينتج ضمنه (لسان ولغة مرحلة ومجتمع محددين ) ونحو السيرورة الاجتماعية التي يساهم فيها كخطاب . فهذان السجلان ذوا الاشتغال المستقل قابلان للانفصال في إطار ممارسات قاصرة وغير ناضجة ، حيث لا يمس تعديل النسق الدال التمثيل الأيدولوجي ؛ وقد يكونان في المقابل قابلين للاتصال في النصوص التي تسم بميسمها الكتل التاريخية . ” ( ص 9ـ10 علم النص ـ جوليا كريستيفا ـ ترجمة فريد الزاهي ـ دار توبقال للنشر الدار البيضاء 1997 ” .

” فالكلمة عندما تأتي من جهة ما وتدخل السياق تحفظ كإشارة محايدة ، إنما تحمل معها رصيدها السابق فضلا عن مكتسباتها اللاحقة في السياق الجديد ، ولعل هذا هو ما عبر عنه ” ماريو ” بقوله :” إن العمل الفني لا يتخلق ابتداء من رؤية الفنان ، وإنما من أعمال أخرى ، تسمح بإدراك أفضل لظاهرة التناص التي تعتمد في الواقع على وجود نظم إشارية مستقلة ، لكنها تحمل في طياتها عمليات إعادة بناء نماذج متضمنة بشكل أو بآخر ، مهما كانت التحولات التي تجري عليها ” فالإشارات في النص دائما تشير إلى إشارات أخرى جعلها الفنان عن طريق الذاكرة الخاصة التي تكونت لديه من نصوص الآخرين الذين احتكوا بموضوع التجربة احتكاكا مباشرا ، وبذا يكون ” التناص ” كما هو عند كرستيفا .” هو ذلك التقاطع اخل التعبير مأخوذ من نصوص أخرى ” وكل نص ـ طبقا لهذا التصور ـ سيكون ذاتا موحدة مستقلة ، لكنه قائم على سلسلة من العلاقات بالنصوص الأخرى سواء تم ذلك بالحوار ، أو بالتعدد ، أو بالتداخل أو الامتصاص . “( ص77ـ 78 التناص الشعري قراءة أخرى لقضية السرقات ـ د/ مصطفى السعدني ـ منشأة المعارف بالإسكندرية 1991 ) .

التناص القرآني في ديوان ” قرابين على مذبح العشق” : ـ
1-( في جناته الألفاف ) ص8 مأخوذ من قوله تعالى في الآية 16 من سورة النبأ ( و جنات ألفافا)
2-( ختمت بها الآيات في الأحقاف ) ص9 و آخر آيات سورة الأحقاف هي الآية 35 ” فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل و لا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ”
3-( فاصبر فلا أنت المسيح ولا أنا العذراء يا وطني ولذ ب “الكاف” / وب ” هيعص ” قد ركب العلا وأمط عن الأحداث ظل سجاف / وب ” كهيعص ” سجل عشقنا فوق الثريا واكشفن للخافي ) ص10 تعيدنا إلى مطلع سورة مريم ” كهيعص ”
4-( كريح حملت لجج السحاب ) ص14 نجدها في قوله تعالى في الآية 48 من سورة الروم ” الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء و يجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ” و في الآية 9 من سورة فاطر ” و الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ”
5-(فإما غيثها يهمي سيولا – و يسكبه الإله على ترابي ص14) نقرأها في قوله تعالى في الآية 48 من سورة الفرقان ” و هو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته و أنزلنا من السماء ماء طهورا ” و الآية 57 من سورة الأعراف ” و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ” و في الآية 22 من سورة الحجر ” و أرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه و ما أنتم له بخازنين ”
6-( فينمو فيه زرع غير زرعي ) نجدها في قوله تعالى في الآية 63 من سورة الحج ” أ لم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير”
7-( فذا فصل الخطاب ) ص14من سورة ص الآية20″ و شددنا ملكه و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب ”
8-( أين الأحبة ؟ راحوا والصبا ..زمرا ) ص15 تستدعي سورة الزمر سواء اسم السورة أو الآية 71 من السورة ” و سيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا … الآية” و الآية 73 من نفس السورة ” و سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا … الآية ”
9-( عمرا تحمل هما ـ لو تحمله ـ “رضوى” لدك.. أو ” الجودي “لانفلقا ) ص 18
و رضوى جبل في محافظة ينبع بمنطقة المدينة المنورة غرب المملكة العربية السعودية . و الجودي هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح و ورد ذكره في الآية 44 من سورة هود ” و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي و قيل بعدا للقوم الظالمين ”
10-( فمن سواك لقلب دك مأمله وخر” موساه” من طود المنى صعقا ؟؟) ص18مأخوذ من قوله تعالى في الآية 143 من سورة الأعراف ” ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ”
11-( وجحدي الغيث من مزن لهم هطلت ص20 ) مأخوذ من قوله تعالى ” أأنتم أنزلتموه من المزن أمن نحن المنزلون ” الواقعة 69
12-( وتلك عاد وأمثال لها جحدوا ص21 ) مأخوذ من قوله تعالى ” وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد ” هود 59
13-( أن الإله لها ـ بالحفظ ـ قد كتبا ص29) مأخوذ من قوله تعالى “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون “الحجر 9
14-( ومقال كل المرجفين ص31 ) مأخوذ من قوه تعالى ” لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ” الأحزاب 60
15-( دوما يذوبني بملح أجاجه ص41 ) (يا ليتني معكم أعطر منطقي ـ بحروفها وأذيب ملح أجاجي ص56 ) مأخوذ من قوله تعالى ” وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ” الفرقان 53 ومن قوله تعالى ” وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ” فاطر 12
16-(أنسيت مر الكأس إذ جرعتني ـ بيديه أقسى من حميم آن ؟؟ ص42) مأخوذ من قوله تعالى ” يطوفون بينها وبين حميم آن ” الرحمن 44
17-( فإذا أنا في لجة قد حطمت ـ سفني بها وقد اعتلت شطآني ص43 ) مأخوذ من قوله تعالى ” قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ” النمل 44
18-( وب(يؤثرون ) مخلدون على المدى ـ بالأرض أو في جنة الرضوان ص46 ) إحالة إلى قوله تعالى ” والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” الحشر 9
19-( وترسموا هدي الإله بقوله ـ ( أما اليتيم) مخاطبا لكرام / (أما اليتيم فلا ) ولا تقهر وخذ ـ من سيرة الهادي أغر كلامي ص47 ) مأخوذ من قوله تعالى ” فأما اليتيم فلا تقهر ” الضحى 9
20-( والحجر والحجر الكريم وزمزم ـ فاضت بكوثر مائها الثجاج ص57 ) مأخوذ من قوله تعالى ” وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا ” النبأ 14 والكوثر من قوله تعالى ” إنا أعطيناك الكوثر ” الكوثر 1
21-( وإذا أفضتم ذاكرين الله في ـ حب وإجلال وصفو تناج ص58 ) مأخوذ من قوله تعالى ” ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ” البقرة 198 وقد ذكر اللفظ في الآية 14 من سورة النور في قوله تعالى ” ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ”
22-( يا رب هذا موطني وعروبتي ـ يغشاهما ليل الهوان الداجي ص 59 ) مأخوذ من قوله تعالى ” والليل إذا يغشاها ” الشمس 4 وقوله تعالى ” والليل إذا يغشى ” الليل 1 وقد ورد لفظ يغشى في الآية من سورة آل عمران 154والآية 11 من سورة الدخان والآية 16 من سورة النجم
23-( والحاجة الكبرى شفاعتكم إذا ـ عنت الوجوه وتلك أعظم حاجي ص 61 ) مأخوذ من قوله تعالى ” وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ” طه 111
24-( (بل كذبوا بالحق لما جاءهم )ـ يا ويلهم .. إذ عطلوا الأنظارا ص 82 ) مأخوذ من قوله تعالى ” بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ” ق 518
25-( ( ولقد خلقنا ) هم .. ( ونعلم ما توسوس ) ـ نفس من يطغى ومن يتمارى ص 82)مأخوذ من قوله تعالى ” ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ” ق 16
26-( يا ويلنا لما تقول جهنم : ـ ( هل من مزيد )؟من يقينا النارا ؟؟ص83 ) مأخوذة من قوله تعالى ” يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ” ق 30
27-( ( اقرأ كتابك ) أيها المسئول /وانتظر الحساب ص97 ) مأخوذ من قوله تعالى ” اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ” الإسراء 14
28-( ولهذه الدنيا أتينا كيد ( شيطان ) ترى / أم ذنب ( آدم ) حين أنسي ؟؟ص110 ) تستحضر قصة سيدنا آدم مع إبليس ومنها قوله تعالى في الآية 115 من سورة طه ” ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ” وكيد الشيطان ورد في قوله تعالى ” إن كيد الشيطان كان ضعيفا ” النساء 76
29-( إنا إليك ومنك كنا / في الحياة وفي الممات ص114 ) وهذا المعنى موجود في آيات كثيرة مثل قوله تعالى في الآية 83 من سورة آل عمران ” أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ”
وقوله تعالى في الآية 40 من سورة مريم ” إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإليها يرجعون ” وقوله تعالى في الآية 64 من سورة النور ” ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبؤهم بما عملوا والله بكل شئ عليم ”
30-( كنا ولا زلنا نريدك دائما لتفيض من أسمائك الحسنى / علينا بالعطايا والهبات ص15 ) والأسماء الحسنى وردت في عدة مواضع فنجدها في قوله تعالى في الآية 180 من سورة الأعراف ” ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ” وفي الآية 110 من سورة الإسراء ” قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ” وفي الآية 8 من سورة طه ” الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ” والآية 24 من سورة الحشر ” هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ”
31-( نحن التراب .. حقيقة / لكن بنا منك الكثير ..ولا نراه / نحن التراب ومنك روح تحتويه / وليس يدري ما الذي من هذه الروح اعتراه ص115 ) سنجد هذا المعنى وهو خلق الإنسان من تراب في آيات عديدة فنجد ذلك في الآية 59 من سورة آل عمران ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ” والآية 37 من سورة الكهف ” قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ” والآية 5 من سورة الحج ” يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب …..الآية ” والآية 20 من سورة الروم ” ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ” والآية 11 من سورة فاطر ” والله خلقكم من تراب …..الآية ” والآية 67 من سورة غافر ” هو الذي خلقكم من تراب …الآية ” وقد ورد لفظ التراب في مواضع أخرى منها في الآية 264 من سورة البقرة والآية 5 من سورة الرعد والآية 59 من سورة النحل والآية 35 من سورة المؤمنون والآية 82 من نفس السورة والآية 67 من سورة النمل والآية 16 من سورة الصافات والآية 53 من نفس السورة والآية 3 من سورة ق والآية 47 من سورة الواقعة والآية 40 من سورة النبأ وكلها أو معظمها يأتي في سياق إنكار البعث.

إن اللجوء إلى التناص يساعد الشاعر في التعبير عن معان كثيرة بألفاظ قليلة. ذلك لأن استدعاء آية قرآنية في سياقها يستدعي معها كل ما يتعلق بها من معان معجمية و شرعية و تفسير و أحكام . وذلك من شأنه توسيع الحقل الدلالي للجملة الشعرية . وقد نجحت الشاعرة الكبيرة سكينة جوهر في تحقيق مبتغاها ، ساعدتها في ذلك تربيتها و ثقافتها العربية الإسلامية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى