مدينة بلا ملامح

سمير الجندي | فلسطين

لم يبق من المشهد الأخير سوى رقة النظرة في عيني حفيدتي وقبلات حنونة تركتها على وجنتيها قبل سفري الأخير… لا يمكن للمرء أن يدير ظهره للمكان أو الزمان في هذا العصر بالغ الشفافية.

ولا يمكن أن نستخدم استعارات شديدة التأويل. فالأحاديث والذاكرة ليست غريبة… في زمن الكورونا يبدو الناس كأنهم نسخا كاريكاتورية… ينسجم تفكيرهم إلى حد ما. يتناوبون على شحذ الحقيقة. فالأخبار كاذبة بكل ألوانها وأضوائها.

المجتمعات تحاول جاهدة تقليد بعضها البعض؛ في المرض والاعتدال والملامح الحادة والعقار والاتشاح بالسواد… البلاد الحريصة على صحة ابنائها يطورون علاجا وعقارا. وفي بلادنا يتفننون في صنع الكمامات… أما أنا فقد اكتفيت من الحلم.

فلم أعد أحلم ابدا… سكبت في ذاتي مقدارا كبيرا من الحزن حين فقد طبيبا لا اعرف عنه الا انه يعالج مرضى الوباء فمات به دون رحمة. في “ساو باولو” في احد الشوارع التي اعتادت على زحمة الحياة هذا اليوم تراها خاوية وكأنها مدينة اشباح.

جفت الحانات من روادها وزجاجات النبيذ مصفوفة بطريقة عشوائية على ارفف المكان… كانت “السامبا” موسيقا العشاق والشعراء والحالمين.

واليوم أنات المعذبين تتناهى لأفئدتنا من ازقة الحارات المظلمة… لن نزور الحقيقة. وليست أي قيمة للتاريخ. رغم تعودنا على صخب المدينة.. فالسنون لن تغير الذاكرة… والفطرة بالنسبة لي ليست مبتذلة… وانا اكتب للزمن ولا مكان للنسيان في أفكاري.. ثمة مدينة أو أكثر لا أجد لها حرفا واحدا في ذاكرتي.

إذ أنني لا أود الكتابة عنها. مدينة بلا ملامح. يميل الناس فيها الى الجهل وعدم السؤال والتردد… والتلويح بالغباء كما يلوح الملهمون بأعلامهم الوطنية.. هشاشة النظرة الأولى والأخيرة نحوهم تجد فيهم وقائع ملقاة على كومة من النفايات في صلب المدينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى