مقالة مسروقة.. معايير قصيدة النثر

د. جوانا إحسان أبلحد | شاعرة عراقية  ملبورن – استراليا

(هذه المقالة البحثية الرصينة للدكتورة جوانا.. تمَّ السطو عليها من قِبل الكثيرين أدعياء النقد وقد نشرتها في جريدة الرؤية قبل سنتين وقد ظهرَت للنور أول مرة على صفحة الكاتبة في 30 أغسطس/ آب 2018).. انظر رابط المقالة أدناه بجريدة الرؤية.. (المحرر)

قصيدة النثر، القصيدة المُجَنَّحَة -هكذا أحبُّ أن أُسَمِيها- ولم أقتنع يوماً بجدوى وجمال تسمية (قصيدة النثر) لها. اِعْتنقتُها منذ مجاز ونيف ولم أزل..فانغمستُ أنيقاً/ عميقاً بها على مستوى الإبداع والتجريب وكذلك على مستوى البحث الأكاديمي بمعاييرها ومنهجيات نقدها أبان تكليفي كمُشرِفة أو إداريَّة في بعض المنتديات الأدبية/الشِعرية القديرة، يومَ هيبة وسطوة ذلك النوع مِنْ المنتديات القديرة قبل اجتياح الفيسبوك. أذكر أني كنتُ أتواجد/ أُكلَّفُ بالأكثر في الزمكان الذي يُعنى بقصيدة النثر وفي لجان تحكيم بعض المسابقات لها. معاييرها سأصوغها برؤيا انطباعية شخصية موجزة وبالذي ينأى عَنْ فلسفيات النقد المُعَقَّد لكن طبعاً تنضوي تحت قبة معاييرها الصحيحة/ الصريحة أكاديمياً وَ التي تبلْوَرَتْ على مَرِّ عُمر القصيدة النثرية العربية أي بغض النظر هنا عَنْ التخريجات والمرجعيات الأجنبية لها ، وتلك المعايير رأيتُها / فهِمْتُها كالآتي:

1- آلية الاستعارة، صيغة المُشبَّه والمُشبَّه بهِ ، بالذي ينأى قدر الإمكان عن القوالب اللغوية الجاهزة بالتشبيه والكناية ، مثال: ( كأنَّ،كَــ،مثل ) وأقواها/ أعمقها تلك الصورة الشِعرية التي تقتنص/ تستعير الحالة مِنْ الموجودات حولنا بمفارقة حاذقة وحلوة في آن معاً، غير مطروقة و لامكرورة، وتحت قبة الإدهاش والإمتاع التصويري.

2-آلية الانزياح، وأراهُ / أفهمهُ: انزياح المفردة عَنْ معناها بالذي يتجاوز المعنى المُتعارف عليهِ عملياً (واقعياً) أو معناها المطروق شِعرياً (وجدانياً) وهذهِ الأخيرة بالانزياح الأبعد في عوالم قصيدة النثر.

مثال: انزياح مفردة (القمر) بالذي ينأى عن مصدر للضياء عملياً/واقعياً وكذلك بالأبعد، بالذي ينأى أيضاً عَنْ التشبيه المكرور للقمر بوجه الحبيبة شِعرياً/وجدانياً على مَرِّ الشِعر..

وشخصياً أحبذ/ أتبع الانزياح الذي يميل لمنطقية الرؤى على مستوى الحواس والموجودات.

3-التكثيف التصويري واللغوي في آن واحد، ويعدُّ أخطر معيار في قصيدة النثر وعليهِ تتوَّقف فراهة/ فعالية القصيدة مِنْ عاديتها أو أقل.

4-بناء قصيدة النثر، وهناك نوعان للبناء: بناء مقطعي، أي كل مقطع ينفصل بالصورة والصياغة عن المقطع الذي بعدهُ لكن مجموع المقاطع يصبُّ بمجرى واحد للماهيَّة الشِعرية الأولى مِنْ القصيدة. وهناك البناء المتنامي وفيهِ الصورة الشِعرية الواحدة تتوالد بالصورة التي بعدها، فتتوالى أو تتنامى الصور بمشهدية شِعرية مرنة طيعة تشكِّلُ هيكلية القصيدة كاملةً.

وكُلُّ بناء منهما أراهُ يتسع لتعددية الأديولوجيات والدلالات بعوالم قصيدة النثر وتشابكها بالقصيدة الواحدة مع خلق رؤيا شِعرية تكون بهيئة القاسم المشترك بين فكرة وأخرى وهكذا تتحقَّق وحدة الموضوع في قصيدة النثر. وبرأيي المتواضع وحدة الموضوع (أحياناً) ليستْ وجوباً بعوالم قصيدة النثر لاسيما بتلك القصائد التي تكون بهيئة سكبة وجدانية فوريَّة مشوشة بماهيتها الشِعرية لكنها مفهومة/ مدهشة بصورها الشِعرية.

5-القفلة، وشخصياً أُسميها القفلة المُرتجاة، هي عامل جذب قوي بقصيدة النثر، وجوباً أن تكون متوهجة، صادمة، تعلق بذهن المتلقي، بالذي قد تحثُّهُ لقراءة القصيدة ثانياً.

6-التركيب اللغوي لقصيدة النثر:

بدايةً لغة قصيدة النثر العربية وكغيرها مِنْ الفنون الأدبية /الشِعرية العربية يجب أن تخلو مِنْ الأخطاء الإملائية والنحوية ولاتمت بصلة عن جهالة بعض المروجين لها ، المعنى أهم ..إلخ ، أذكر أني كُنتُ أنوِّه فأرفع كل نص يخلُّ بهمزات القطع والوصل..إلخ الأخطأء الإملائية و النحوية رغم جمالية المعنى وكُنتُ أختلف مع بعض الزملاء على هذه النقطة.

وبالنسبة لنوعية لغة قصيدة النثر، برأيي يجب أن تكون يسيرة وبليغة في آن معاً، فهي ليستْ ضد البلاغة بَلْ تحتاجها وَ تتوهَّج بها شريطة ألا يتم إقحام مفردات عتيقة جداً مثلاً مِنْ زمكان عنترة وتقاطرُ “بيض الهند” مِنْ دمهِ أو مفردات غير شاعريَّة بصورة عامة ولاتنفع إلا بالمقال. أما بشأن المفردات الحداثية/ اللاعربية ، أراها ليستْ وجوباً وشخصياً لا أحبذ إغراق النص بها كسمة للحداثة رغم نصوصي التي لاتخلو منها.

لغة قصيدة النثر تحبذ وتأتلِق بالمفردات المهمشة واليسيرة بالمنطوق والمقروء.

وبالعودة للتركيب اللغوي في قصيدة النثر، وهذه خاصية حسَّاسة وعليها يتم تصنيف النص كقصيدة نثر أم ضرب آخر من ضروب النثر أو الشِعر، لغة قصيدة النثر يجب أن تنأى عَنْ المباشرة التي تتوَكَّأ :

بوحية الخاطرة ،

تقريرية المقالة ،

حكائية القصة ،

سجع المقامة ،

وَ روي الموزون.

7-

الرمز:

الرمز بقصيدة النثر السديدة/ الفعَّالة يجب ألا يعبر منطقة المعميات ويتخبَّط بالغموض اللامبرر/ اللامجدي ، وعليهِ تمَّ الظن الخطأ/ الحكم الخطأ على قصيدة النثر بالغموض وطلسميَّة الرموز، بالتالي هذهِ تتوقَّف على وعي المتلقي وعمق مداركه ، هل فعلاً هذا نصٌ مَعْمِي أم أن محدودية ذائقة المتلقي وَصَمَتْهُ بالغموض ؟

وبالنسبة لانجلاء الرمز مِنْ غموضهِ ، أعتقد أكثر الأسماء البارزة بعوالم قصيدة النثر العربية سابقاً وآنياً والتي تركتْ بصمة طيبة عند المتلقي بنوعيهِ العام والنخبوي ، نراها تتبنى الرمز السلس وبأسلوبية شِعرية مرنة وماتعة في آن واحد.

8-

الإيقاع الداخلي:

وأفهمُهُ/ أحسُّهُ: مفردات النص وحصراً المفردة الأخيرة للعبارة الواحدة يُحَبَذ أن تُبدي ثمة إيقاع يتناغم مع المنطوق أو المقروء لنسيج القصيدة أو اعتماد تقنية التكرار والتوازي. وميزة الإيقاع الداخلي برأيي المتواضع أراها هُلامية ، أراها تأتي جوازاً وليستْ وجوباً بعوالم قصيدة النثر.

ختاماً :

لأن الفنون الشِعرية الأخرى تتبع البوصلة الفراهيدية وعليهِ لا تتيه إبداعياً ولا يكثر اللغط حولها رؤيوياً، بالتالي تلك التفعيلات تمنح شرعية الشِعر لأي نتاج يُحقِّقُها بصورة صحيحة دون زحاف أو كسور عروضيَّة بغض النظر لو كان النتاج مجرد نظم وَ رؤى بائرة ولايحمل مِنْ الشِعر الحق شيئاً ،على عكس قصيدة النثر وبوصلتها اللامرئية هي فعالية / فرادة مخيالها لاغير وماينضوي تحتها مِنْ تلك المعايير بتواجد نسبي.

قصيدة النثر وحصراً المُتفرِّد والقوي مِنها، أراها أصعب أنواع الشِعر وشخصياً أعتبرها النوع الثالث مِنْ أنواع الشِعر بالنسبة لظهورها الزمني وانتشارها فقط ، لكن إبداعياً لم أرَها يوماً بعد العمودي والتفعيلي ولاحتى قبلهما، كُلٌّ منهم لهُ فعاليتهُ الإبداعية في خارطة الشِعر العربي و قاعدته الجماهرية بالإبداع والتلقي سابقاً وحتى ألفيتنا الثالثة.

أحترم وأفرح بالذي يراها شِعراً بالقدر الذي أحترم وأتفهَّم مَنْ لايراها شِعراً، ولم أنشغل يوماً بهذهِ الجدلية أو أتجاذب الآراء بشأنها ، يسمون/ يخاطبون مبدعيها شعراء أو أدباء أو لاشيء، كُلٌّ حرٌّ بمنظورهِ و أرائهِ، والإبداع الحاذق/ الحارق هو الفيصل و الحكم .

شخصياً أحبُّ الموزون جداً وَأتذوَّقهُ بمدارك نيِّرة، أستأنس جداً بالعمودي أو التفعيلي، حصراً الذي يتوهَّج بتراكيب مُتجَدِّدة/ مُتفرِّدة تصويرياً ولغوياً وهذا النوع فقط مِنْ العمودي/التفعيلي قد يحثني يوماً بالعودة لتدارس العروض الذي نسيتُهُ وكانتْ بداية وجداني الإبداعي بهِ، إلى جانب هذهِ المُجَنَّحة آنياً وأبداً..

رؤيا شخصية أخيرة: بكل أنواع الشِعر، الشاعر هو: شاعر ، فقط بقصيدة النثر وحصراً بالقوي / المُتفرِّد منها ، الشاعر هو: فيلسوف ثم شاعر.

……………

رابط المقالة بصفحة الدكتورة جوانا

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2109126692687791&id=100007714422758

رابط المقالة بجريدة الرؤية العُمانية في 2018

https://alroya.om/post/242275/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1?fbclid=IwAR2r9uWxBBIefEsG7axWQe0bkX6GisqbjEQN7904WidU7Sbh2pgM-4B1KC4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى