العراق في التاريخ والأدب.. رمز للعراقة والإبداع

إبراهيم جوهر  | القدس العربية المحتلة

ارتبط اسم (العراق) بالعراقة والإبداع والخصب والجمال والحياة والأحلام المطلة على آفاق المستقبل، فلا عجب والحالة هذه أن تشهد أرضه حركة إبداع معبّرة عن جمال واقع ومستقبل وهي تنطلق من خصوبة الأرض وشغف ناسها بالقراءة وسعيهم للمعرفة، حتى قيل : القاهرة تؤلّف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، في الدلالة على انتشار سوق القراءة في العراق وعشق أهله لها.

ومعروف تاريخيا كون أرض (العراق)شهدت عصر ازدهار الأدب العربي وحركة الترجمة والتأليف والإبداع. منها انتشرت روح الإبداع المحلقة في آفاق المعرفة والجمال والسحر والخيال، وفيها ترعرعت الأقلام والألسن في انسجام لافت للنظر يدعو للتوقف عند أسبابه ومخرجاته.

وفي العصر الحديث ارتبط اسم (العراق) بحركة التجديد العربي في مسيرة الإبداع الشعري على يدي (نازك الملائكة) و(بدر شاكرالسياب) و(عبد الوهاب البياتي ) في الوقت الذي واصل فيه شاعر العرب الأكبر (محمد مهدي الجواهري) مسيرة عطائه الإبداعية غير معترف بهذه الحركة التي بدأت عند نافذته القريبة وهي تشق طريقها بإصرار سيحصد متابعين ومنتجين مؤيدين في وقت لاحق، لأنه لم يرد التنكّر لتراث عربي بدأ منذ عصور بعيدة قبل (امرئ القيس) الذي عاش قبل الإسلام بمائة وخمسين عاما.

ظل (الجواهري) وفيا لتقاليد القصيدة العربية الكلاسيكية وبحور الشعر العربي كما استخلصها (الخليل بن أحمد الفراهيدي) ووثّقها، فكان أن أبدع وهو في منفاه كما في وطنه.

واللافت لعين الدارس المتابع للشأن الثقافي في العراق هذه التجربة التي عاشها شعراؤه في المنفى . فما من شاعر إلا وجرب المنفى فحنّ للوطن وتغنى به وبمائه ومعناه وجماله, ولعل هذه من فوائد الضرر الذي قيل فيه (ربّ ضارة نافعة) إذ يفجّر المنفى حنين الكاتب ويستفز مشاعره فينطلق لسانه وقلمه ليعمرا صوره الفنية ويغذّيا روحه بالمزيد من عشق الوطن واللغة والأصالة والتحدي، فالمشهور المتفق عليه كون الإنسان العراقي صاحب قدرة وإصرار وتحد وعشق لوطنه بناسه وتاريخه وأرضه وسمائه وأحلامه، وقد وثّق شعراء العراق تجربة المنفى الذي عانوا من غربته واضطهاده وقسوته وألمه توثيقا أصيلا يدل على نبل انتمائهم وصدقه وعلى قوة بيانهم وسحره.

في المنفى وفي الوطن واصل مبدعو العراق الاطلاع على الآداب الغربية فاستفادوا من الإيجابي فيها وطوّعوه لخدمة غرض التعبير عن الآمال الجديدة التي تعيش في وجدانهم وهم يمثلون روح الشعب العربي فكانت الدعوة لكسر قوالب التعبير القديمة لأنها تحدّ من انطلاق الشاعر وتقيّد لغته وأفكاره فبدأت (نازك الملائكة) شكلا جديدا في قصيدة (الكوليرا) التي بثّت فيها غضبها على المرض الذي حصد أرواح عدد من أبناء مصر وبناته. لقد فتحت الشاعرة (الملائكة) فتحا جديدا في شكل التعبير وأسلوبه، لكنها واصلت عاطفة المشاركة الوجدانية مع مآسي شعبها العربي، لتنتقل بعدها إلى قضايا الوطن العربي ووطنها الصغير هي ومن سار على درب التجديد، فتلقف (السياب) الفكرة وواصل الترويج لها كاتبا ومنظّرا، وكذا فعل (البياتي) كما فعل شعراء كثر في الوطن العربي؛ في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان.

وقصيدة (السياب) (أنشودة المطر) من بين أكثر القصائد شهرة وتحليلا واهتماما لدى الدارسين لما تضمنته من أفكار ولغة وصور وإيحاءات أقنعت المترددين في التأييد والاستقبال لهذا الفن الجديد بأهميته وقدرته على التعبير ووفائه للتقاليد القديمة.

استعان شعراء العراق بالأسطورة الغربية والشرقية لتعميق النص وضمان حياته وتأثيره بفعل التواصل مع الثقافة الغربية أولا، وبسبب من سحر الشرق وتقاليده المعجبة بالأسطورة وثقافته التي تجد الخرافة لها مكانا في بنيتها.

بشكل عام قامت القصيدة العراقية على :

حب الوطن، ومحاربة المستعمر، والتوق للحرية الإنسانية. كما نقلت أحاسيس الإنسان الإنسانية الشخصية من حزن ولوم وفرح واكتئاب وشكوى ومرض وغربة واغتراب ، ووقفت عند بوابة الفضاء البعيدة وهي تنظر إلى خلاص عام وخاص لبني القوم والشعب.

المدرسة العراقية في الأدب على العموم مدرسة غنية بالخبرة واللغة والجمال والوضوح والصدق والأصالة لا يستطيع دارس لحركة الأدب الحديث غير التوقف عندها وقفات طويلة ليستخلص أسرارها ويقف عند غاياتها النبيلة وقدرتها على التأسيس والتأثير والتغيير.

ولعل الدارسين يقعون في ظاهرة ظلم المبدعين عادة حين يتوقفون عند نماذج بعينها على حساب قدرات الآخرين وإسهاماتهم، لكن هذا يكون بفعل انتقاء عينة ينطبق عليها ما ينطبق على (ظلم) العيّنة لسواد المشاركين في حالة النهوض والتواصل.

والأمر ذاته ينطبق على تناول لون واحد من ألوان الإبداع والتعبير على حساب بقية الأجناس الأدبية. ففي العراق تاريخ للمسرح والفن التشكيلي والشعر والقصة والرواية والصورة والحكاية والفولكلور والموسيقى والغناء لأنه أرض الحضارات الإنسانية، وهي تنتظر من يشير إليها ليعرّف الجيل الجديد أنه يستند على إرث حضاري غني، وهذا ما يفتقد إليه كثيرون في هذا العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى