حكايا من القرايا.. ” رمضان… هلّ شهر الخير علينا “

عمر عبد الرحمن نمر | جنين  – فلسطين

 

في أول ليلة رمضانية… كانت البهجة تغمر الوجوه… وتتحول الدار إلى شكل آخر… تظهر نصية حلاوة أبو حربي… كانوا يعتقدون أن الحلاوة ما بتعطش ” الحلاوة بترضع ” وخصوصاً حلاوة أبو حربي… اليوم الناس لا يتجهون إليها ذاك الاتجاه… ولا يعتقدون المعتقد نفسه…

كما كانت تظهر ألواح قمر الدين، ينقعونه من المغرب، حتى إذا جاء السحور (يمرسونه) ويذيبونه في الصحن، ويغمسونه بالخبز… وعندما ينتهي السحور، ويشبع من أرادوا الصوم، أخذوا تالي القمر في الصحن وشربوه… ياه! ما أزكى قمر الدين! لقد مسخوه، عندما وضعوه في الأباريق وشربوه عصيراً كما يشربون الكولا…

في الليلة الرمضانية الأولى… كنا نتسابق من سيكون المسحراتي؟ نؤمن قيزان ماء تالف، وعصاً لها دبسية… ونفر الحارات بصوت: يا صايم وحّد الدايم… رمضان كريم… والسباق على تسحير الناس، كان يجعلنا ندق بيوتهم في الواحدة بعد منتصف الليل، أي قبل موعد السحور بساعتين، وذلك حتى نؤمن وظيفة مسحراتي، ويشهد لنا الصائمون بأننا أيقظناهم… وننهي وجود من سوّلت له نفسه أن يكون مسحراتياً… ويخلو الميدان لحميدان… في آخر ليالي الشهر الفضيل، كنا نتلقى النقود، والهدايا على عملنا… يا محلى العيد… وأنت معك مصاري… ومش كحيان…

كنا نرى أم جميل، ومعها الجارات في نهارات رمضان، وأمام كل واحدة منهن، سدراً نحاسياً، تحته الفحم، وهي تطبع الكلاج على صفيح ساخن… خبز الكلاج الرقيق مثل ورق السيجارة، يحشونه اللوز، ويلفونه ويشوونه في الطابون، ويقطّرونه، أو يفردونه في الصينية طبقات بعضها فوق بعض، وبين كل طبقة وأخرى السكر واللوز… يشوون الطبقات… ثم يقطرونها… ويأكلون شهياً هنيئاً… مريئاً محل ما يسري يمري…

نلتقي أقراننا نسألهم: صائمون، يردون بالإيجاب، فنطلب منهم عمل اختبار بسيط، نسألهم: أخرجوا ألسنتكم، نتفحص اللسان، فإن كان رمادياً فصدقوا، وأن كان وردياً أثبتوا أنهم كاذبون، وكذلك كانوا يختبرون صيامنا… ويتفحصون ألسنتنا…

فطور اليوم الأول، أخضر أم أبيض؟ نعم كانوا يتفاءلون باللونين، وما زالوا، يطبخون اللبن سيد البياض، أو لملوخية سيدة الخضار… ويتفاءلون بالفطور الأول للشهر… وكنت تسمع هدير البوابير تحت طناجر الطبيخ، وتشتم روائح البهارات… وترى من يحشون الكلاج، أو دباسي القطايف ويشوونها… وقبيل الأذان كنا نرى التهادي بالصحون… يحملون الأطفال صحون الطبيخ أو الحلوى، ويوزعون على الجيران… والجيران يرسلون الصحن بألذ مما كان فيه… والصحن بالصحن والبادىء أكرم…

نتجمع في الحارة، ونرى الشيخ يكسدر على ظهر الجامع، يترقب وقت أذان المغرب ليؤذن، ونحن نترقب معه، يخرج ساعة الجيب من مكانها في جبّته، يفتحها ينظر فيها، ثم يغلقها ويعيدها مكانها… لم يحن وقت الأذان بعد… يستمر في الكسدرة… ونحن أطفال نحثه على الأذان، ونترقب معه…ونغني له:

أذّن أذّن يا سيدي… لذبحلك جاجة بيدي… توكلها وتنام… ع رف الحمام… خالتك صبحية… واردة ع المية… وينظر سيدي الشيخ في ساعته، حتى إذا وضع يمناه على أذنه وكبر… الله أكبر… الله أكبر… صحنا صيحة فرح واحدة… وتناول كل منا ما احتفظ به لهذا الوقت المبارك، من حلوى وخلافه… وعدنا مسرعين إلى البيوت… لنلحق بركب الأهالي الذين سبقونا في إفطارهم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى