مريد البرغوثي.. بعد طولِ الشَتات.. وداعا

استطلاع: صبري الموجي – نائب رئيس مجلس إدارة جريدة عالم الثقافة

 

شوقية عروق : رحل الكاتب وبقيت كلماته الصادقة تحلق في فضاء الأدب

 ‏د. جهينة الخطيب: عاش يؤكد أن للمقهورين أجنحة

الباحثة نسرين عطا : ‏شعر البرغوثي ينبض بالحيوية والحركة والصوت

في أرض الكنانة تعرف شاعرُ ” البدون الكوني” المُقيم في الأوقات لا الأماكن علي الروائية والقاصة رضوي عاشور، التي تميز مشروعها الأدبي بـ”تيمات” التحرر الوطني والإنساني، فتزوجها، وأثمرت تلك الزيجة الشاعر الفذّ تميم البرغوثي.

كانتْ سنة تخرُجه في جامعة القاهرة 1967 م هي نفسَ السنة التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية، ومنعت الفلسطينيين من العودة إليها، فعبَّر عن ذلك في كتابه الشهير (رأيت رام الله) بقوله : ” نجحتُ في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أُعلِّق عليه شهادتي” .. هو شاعر فلسطين المُحلق وضميرها الحي مُريد البرغوثي، الذي وُلد بقرية دير غسانة  قرب “رام الله” سنة 1944م، وتلقي تعليمه الأولي بمدارسها، ثم انتقل إلي مصر، حيث التحق بجامعة القاهرة 1963م ليدرس الأدب الإنجليزي.

اتسم مُريد البرغوثي الذي غيَّبه الموت مساء الأحد الماضي عن 77 عاما بغزارة إنتاجه الشعري، حيث صدَر له 12 ديوانا، وكتابان نثريان هما ” رأيت رام الله”، و” وُلِدْتُ هناك.. وُلِدْت هنا”.

في كلمتها عن الشاعر الراحل، صدَّرت الأديبة الفلسطينية شوقية عروق منصور حديثها بقوله مُطمئنا أصحابه الذين حاولوا الاطمئنان عليه بعد وفاة زوجته الكاتبة والناقدة رضوي عاشور : ” اطمئنوا أيها الأصدقاء، أنا لن أتعبَ كلما اقتضى الأمر أن أتعب، لن أمرض بين فترة وأخرى، أنا سأموتُ دفعة واحدة “.

وأضافت الكاتبة شوقية عروق أنه بين تعبِ الترحال الفلسطيني، ومرارة رحيل الزوجة  كان الموتُ على موعد مع البرغوثي، فقد دقّ بابه يوم ” عيد الحب” ليُنهي رحلة عمر وسنوات حملت بين أيامها الشقاء والوجع والخوف والمُلاحقة والأمنيات التي لم تتحقق .

وأشارت عروق إلي أن مريد البرغوثي عاش الهمّ الفلسطيني في المنافي متنقلاً بين الدول ، مُؤكدة أن زواجه من الكاتبة المعروفة ” رضوى عاشور  منح حياته الأدبية ذلك التوهج الإبداعي، فقد رافقته رضوي في كل خطواته، والتحمت مع قضيته الفلسطينية فأنتجت أدباً مُميزاً، كانت رواية ” الطنطورية ” أبرز مظاهره .

وقالت شوقية: ونظرا لجهود البرغوثي في مجال الأدب شعرا ونثرا فقد حصل على جائزة فلسطين في الشعر عام 2000 ، وحاز كتابه النثري ” رأيت رام الله” الذي صدر عن دار الهلال 1997 م على جائزة نجيب محفوظ للآداب وترجم إلى عدة لغات عالمية .

وختمت شوقية:  ” أنت جميلة كوطن مُحرر، وأنا مُتعبٌ كوطن مُحتل ” هذه العبارة كتبها الشاعر “مريد البرغوتي” للحبيبة الزوجة ” رضوى عاشور” بعد قصة حب صمدت وواجهت رياح التقلبات السياسية و دامت 45 عاماً، مشيرة إلي أن  الشاعر رحل،  كما رحلت الكاتبة، وبقيت  الكلمة  الصادقة المغموسة بالإنسانية تدوي في فضاء الأدب .. المجد للكلمة الباقية.

وفي كلمتها عن أيقونة الحب الفارس الإنسان مريد البرغوثي، استشهدت د.جهينة عمر الخطيب الأكاديمية والناقدة الفلسطينية بعبارة زوجته رضوي عاشور:  “

غريبٌ أن أبقى مُحتفظة بنفس النظرة إلى شخص ما طوال ثلاثين عاما، أن يمضي الزّمن وتمرّ السنوات وتتبدّل المشاهد، وتبقى صورته كما قرّت في نفسي في لقاءاتنا الأولى”.

ودلّلت الخطيب أنه استحق وصف أيقونة الحب بعبارته : “وفي ظهيرة اليوم الثاني والعشرين من شهر تموز يوليو عام 1970م أصبحنا عائلة، ضحكتها صارت بيتي”. مشيرة إلي أنه اختار أن يرحل في شهر ويوم الحب، بعدما لم يقوَ قلبُه الكبير على فراق رضوى زمنًا طويلًا. مُؤكدة أن إبداع البرغوثي أثبت أن لكل المقهورين أجنحة، وأن قوة الخيال تفعل السحر، فقد عاش مُحلقًا  بجناحيه حرًا رغم الحصار، مُضيفة أن عائلته هرعت للكلمة بعد أن فرقتهم الجغرافيا.

وختمت الخطيب: وفي رثائه لا نقول وداعا يا مريد بل نقول نم مطمئنًا..

“توجّع قليلًا

توجّع كثيرًا

سنصعد هذا الجبل”

إلى لقاء.

وعن خصائص شعر مريد البرغوثي الأسلوبية، ذكرت دراسة صادرة عن جامعة الخليل الفلسطينية للباحثة نسرين عطا سالم أن شعره جاء نابضاً بالحيويّة والحركة والصّوت، فكانت قصيدته صورة مُكتملة الملامح واضحة المعالم، تحملُ في ثناياها المشهد الفلسطينيّ الكامل، مُبرزةً الزّمن والحدث اللّذين ساعدا في تشكّل سرديّته النّثريّة الأقرب إلى القصّ، الذي برز فيه المكان كموطن للحدث.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقالة رائعة.. رحم الله مريد البرغوثي ولنا في ولده تميم العزاء ويومًا ما سنجد الحائط الذي نعلق عليه شهادة رجولتنا.. يوما ما سنعود يا رام الله. يوما نا سنعود يا قدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى