سياسة

كرنفال وهران

رشيد مصباح (فوزي) | الجزائر

في فيديو يتداوله نشطاء يظهر والي وهران وهو يتحدّث في قاعة اجتماعات، ويتباهى بحصوله على غلاف مالي قدّر بـمئة وعشرين مليار سنتم، لبناء تمثال الأمير عبد القادر بسيفه وحصانه، فأمّا السيف فهو مزوّد بجهاز لايزر يعرض اتّجاه القبلة، و أمّا الحصان فله خمس قوائم ترمز إلى الأركان الخمسة في الإسلام.

حسب تجربتي المتواضعة في الإدارة والتسيير، فإن القاعدة المجسّدة في البلدية هي من تقترح المشاريع أين تتم دراستها، دراسة تقنية مالية مع الأخذ برأي التقنيين في هذا المجال وحول مدى أهميّة المشروع وانعكاسه على الجانب الأقتصادي والثقافي الإجتماعي، ليتم رفع الملف إلى الإدارة الوصيّة بعد ذلك، أين تتم معالجته ومن ثمّ اعتماده بعد الموافقة عليه.

هذا بالنسبة للمشاريع ككل؛ سواء الخاضعة منها لمخطّط التنميّة للبديات، أو التّابعة للصّندوق المشترك للجماعات المحليّة ـ كما كانت تسمّى سابقا ـ، وحتى المشاريع القطاعية والوطنية فإنّه بتوجّب على السّلطات الوصيّة على البلديات وحتّى المركزيّة الأخذ برأي المنتخبين المحليّين.

لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لمشروع إقامة تمثال بوهران على مايبدو؛ فلا أظنّ أن مثل هذا المشروع قد حظي بموافقة المنتخبين المحليّين في وهران، على الأقل؛ حتى وإن لم يكن هناك ملف تقني مدعّم ببقيّة الآراء. والذي نشر الفيديو قام بإلصاق فيديو آخر يرصد الأمطار الطوفانية بجانب الوالي وهو يلقي كلمته، وهي تبتلع الطرقات من كافّة الجوانب متسبّبة في هلع للسكّان، في الوقت الذي يدافع فيه سيادة الوالي بشيء من الفخر والاعتزاز ويتحدّ ث عن مشروعه العجيب الذي سيدخل وهران وأهلها ليس إلى جنّة عرضها الأرض والسّماوات، ولكن لموسوعة الأرقام القياسية العالمية “غينيس”، وهو يقارن بين تمثال الأمير عبد القادر الذي سيتجاوز بكل المقاسات حجم تمثال المسيح الفادي بريو دي جانيرو بالبرازيل كما قال.

وهران “الباهية” الجزائرية ليست هي “باهيا” البرازيلية مدينة السامبا التي يقطنها أغلب العبيد الأنغوليين يا سيّدي الوالي، حتّى وإن كانت موسيقى السّامبا من جذور إفريقيّة، فإنّ الوهرانيين ليسوا انغلويين ولا تربطهم صلة بالسّود ولا بتجارة العبيد.

في جمهوريات “الموز” تنفق السّلطة أموالا ضخمة على انتخابات شكليّة، محليّة وتشريعيّة، ليتقاضى منتخبون “لا علاقة لهم بالإدارة ولا بالتسيير” في المقابل رواتب بعضها خيالية؛ دون التطرّق إلى الإسراف الذي نجم عنه عجز حاد ومزمن بسبب، من تبديد لدفاتر قسيمات البنزين واجتماعات فارغة وتنقّل عشوائيّ دون وجهة وبلا فائدة… هي عيّنة بسيطة تعكس واقع الإسراف والتبذير للأوقات والأموال على مستوى الإدارات المحليّة وغيرها. لذا فإن السيّد والي وهران ليس بدعا؛ سواء من الولاّة أو هؤلاء المنتخبين، إذ أنّه لم يشذ عن القاعدة، ولا يمكنه ذلك، وليس مطالبا بتقديم شروحات لهاته القاعدة التي ليس من حقّها أن تتدخّل فيما لا يخصّها و لا يعنيها؛ فقد يكون لهذا التمثال شأن كبير حسب رؤية فوقية، والسيد الوالي هو المخوّل الوحيد للتحدّث لوسائل إعلام عن مشروع “عالميّ” كهذا قد يحظى باهتمام المنظّمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة ” اليونسكو” وتقوم بإدراجه في قائمة التراث الثقافي العالمي ولمَ لا؟ فهل يعي هؤلاء “الفقاقير” الغلبة معنى هذا الكلام؟

وليستمر “الكرنفال”؛ كما عشناه مع “سي مخلوف البومباردي” في التسعينيّات؛ على الرّغم من اختلاف الزّمان والمكان وحتّى الأشخاص، لكنّه اختلاف شكليّ لا جوهريّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى