في جامعة السلطان قابوس: الشاعر عدنان الصائغ يتحدث حول إشكاليات النص الجديد في (نردُ النص)”

مسقط | خاص

ضمن فعاليات الموسم الثقافي لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في الجامعة، أُقيمت جلسة حوارية شعرية افتراضية بالتعاون مع النادي الثقافي بعنوان ” إشكاليات النص الجديد في (نردُ النص)”، باستضافة المؤلف والشاعر الكبير عدنان الصائغ، سلطت الجلسة التي أدارها صديق دربه الشاعر عبد الرزاق الربيعي الضوء على العمل الجديد للشاعر عدنان الصائغ؛ ” نردُ النص”، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ووصف الربيعي هذا العمل قائلًا:” نص مفتوح على مصراعيه لدخول الدهشة، نافذة تطل على الذات، التاريخ الشخصي، التاريخ العام، والفكر، والثقافة العامة، والشعر، والسرد، والبحث، والذاكرة الشعبية، والشفاهية، والمتداول، والغائص ، والغاطس من الاحداث، والهامش، الذي يصبح متنا والمتن الذي يتنازع مع الهامش ضمن إطار سردي قائم على لعبة،تتمثل برمية نرد، بدءا من ” نشيد اوروك” وليس انتهاء ب” التكتك”! معتمدا على الشكل البصري، وتكرار الحروف، والكلمات بقصدية، فيدخل التشكيل عنصرا في رسم مشهدية بصريةمدهشة.
وكل ذلك يأتي ضمن إطار غرائبي مركب قائم على لعبة تتمثل بتقافز النرد، وهناك اطار سردي آخر هو الاطارالمستعار من ” ليلة وليلة” مع شيء من التحريف حسب مقتضى الحال:
وادرك شهرزاد الرقيب
فسكتت عن الكلام المريب”
و أوضح الربيعي أن الصائغ أمضى 25 عاما في كتابة هذا العمل، مفسحا المجال للصائغ الذي قال : ” يعد هذا العمل مختلفاً عن تجربتي الشعرية”؛ مُفسرًا ذلك بسبب فكرة تداخل النصوص. وفي ذات السياق أشار الصائغ إلى عنصر الكتابة موضحًا أن الكتابة في هذا العمل ليست عفوية إلى حد المطلق لكنها عفوية إلى حد تترك لنرد القلم أن يكتب ما يشاء من خلالك أنت”.
وأوضح الصائغ بأن فكرة “نرد النص”؛ هي اختصار لتاريخ الوجع الإنساني بشكل عام، من خلال ترك النرد يتدحرج أينما يشاء. كما أضاف بأن الكتاب دخل لأول مرة معرض الدوحة الدولي للكتاب، وسيأتي إلى مسقط قريبًا في الدورة القادمة لمعرض مسقط الدولي للكتاب.
تطرق الصائغ إلى الحديث عن إشكاليات الكتابة في هذا العمل؛ موضحًا أن هذا العمل اختلفت مسألة الكتابة فيه؛ والنص يرسم شكله، وليس الشاعر هو الذي يتقصد، وأردف قائلًا: “أحيانًا الهامش يكون أكبر من المتن، والفكرة تكون على شكل دائرة، والكلمة أو الحرف ممكن أن تكون في صفحة كاملة “.
استعرض الصائغ نماذج من نصوصه، وقال: “نملأ رئاتنا بالهواء، هواءنا المسروق من أنفاس القتلى، فإن دورة حياتنا مسافةُ ما بين شهيقين، نطيلها بالاختلاسات او بالحسرات “.
تضمنت الجلسة عدة مُداخلات، أبرزها مداخلة الدكتور سعد التميمي؛ الذي أثنى على التلاعب الجميل والمتقن في الصياغة والتنقل في السرد
والمعرفة، و بالتفاصيل اليومية، في هذا النص الجديد يستخدم الشاعر تلاعب جميل في الشعر مثلما يتلاعب النرد فقارئ النص يتدحرج يمينا ويسارا من أجل قراءة النص الشعري، حتى أنه قد ينتقل أثناء القراءة إلى أزمنة مختلفة فتارةً يتحدث عن حدث وقع في الماضي وتارة يحكي عن حدث في الحاضر ويربطها الشاعر ويجعلها مشتركةً مع بعضها ويستخدم دلالات وإيحاءات ملائمة للنص، وهذا النوع من النصوص لا يجعل القارئ يمل لأنه ينقله النص من عالم لآخر.
هذا النوع من النصوص فيه تشعبات لغوية مع أحداث متشعبة و اختراق الزمان من الحاضر إلى الماضي أو العكس، ويعطي حرية للقارئ فيمكن للقارئ أن يقرأ الكتاب من أي صفحة وحيثما يريد أي يمكنه أن يقرأ بدون ترتيب.
وظف الشاعر في نصه الشعري الإيقاع البصري فلم يكن النص الشعري مكتوباً بشكل عمودي أو حر أو نثري، بل كتبه على حسب كل سياق ومعناه الدلالي وصوره شكلا حرفيا في كتابه مثلا بشكل شجرة أو دائرة وغيرها.
مُشيرًا إلى إشكالية النص الجديد والمتمثل في ولادة نص جديد، وتجربة جديدة تتداخل فيها الخطابات التاريخية مع الخطاب الشعري.


وتساءل التميمي: ماذا نسميها؟ ملحمة، لعبة نرد. وانا كل ما أقرأه هذا الديوان أجدني أحتاج إلى نرد حتى أرميه. مع كلِّ نصٍ تحتاج أن ترمي النردَ، لأنَّ هذا التشابك تشابك الأحداث فهو مثلاً يربطُ الأصمعي بحسين مردان بـ أمبرتو إيكو، كذلك السرد بالشعر، النثر بالتفعيلة. وهذا التلاعب الجميل والمتقن. بحر الطويل يأخذ القارئ إلى دلالة. الطول بمعناه المجسم – المقياس. ثم يعودُ به إلى الشعر من خلال دلالة السريع والمسرح وغيرها. وفي الصفحة الاولى تقرأ كتابة مخطوطة فيها حاشية، تارةً تدير رأسك يميناً وتارةً يساراً وتارةً تقلب الكتاب حتى تقرأ النص، هو يعرف بأن قراءه مثل هذا النص تحتاج إلى صبرٍ كبير فلذلك يقول في هذا الخطابات المتشابكه:

“توقَّفْ يا قارئي. توقَّفْ إذا كنتَ عجولا. توقَّفْ إذا كنتَ كسولا. توقَّفْ إذا كنتَ خجولا. توقَّفْ إذا كنتَ مقفولا”،وكلها دلالات يعني فتح اللغة على كل شيء، فتح دلالة الوجود على كل شيء. يعني نتاج 26 سنة أحسستها انه خلاص تجربة عدنان الصائغ: من تجربته الشعرية، ومن تجربته الواقعية. لكن بشكل جديد. حسنا فعل صديقي عبد الرزاق الربيعي عندما قال اشكالية النص الجديد، ليس بمعنى النص الجديد الذي تكلم عنه د. عبد العزيز المقالح والآخرون. أي قصيده النثر. لا إن هذا النص جديدٌ بتشكيلة جديدة، وأقول ولادة. وأنا مسؤول عن رأيي. كنّا نتحدث عن قصيده النثر، الآن عندنا نص جديد قدمه لنا عدنان الصائغ في هذه التجربة، تجربة فريدة بعد تجربة نشيد أوروك أعطانا دفعةً أكبر. لم يتوقف عن عند تلك التجربة. هذه التجربه تتداخل فيها الخطابات: يتداخل الخطاب التاريخي مع الخطاب الشعري مع الخطاب الديني مع الخطاب اليومي. أحياناً تقرأ نصوصاً هي عبارة عن مخطوطة.
في مقطع الحلاج نجد عدنان على يمينه:
“… باتجاهِ جامعِ الحيدرخانة حيثُ رجالٌ ملتحون تتقدَّمُهم عمامةٌ تتنحنحُ كمنطادٍ أبيض وهم منتشون بالتسبيحِ:
الله حي.. الله حي..
طارَ المنطادُ عالياً وظلَّتْ السَكرانةُ واقفةً على الشرفةِ المقابلةِ لا تدري ما تفعلُ بعِلْكِ أغنيتِها المائعِ مشيرةً إلى منتصفِ المنطادِ وهو يسكرُ ويطيرُ
يطيرُ ويسكرُ
و
وعلى منصَّةِ الاعدامِ
يصعدُ
الحلاجُ
و..
عيونُهم
ترشدُ السكينَ إلى
و..
نحري المندلقِ على
وأنا
مُعلَّقٌ
كالذبيحةِ
أرتجفُ….”
وتساءل التميمي : ماذا أريد أن أقول عن هذا الديوان. أنت يا عدنان اذا كنتَ قد اخذت 26 سنة، فكم سنة نحتاج أن نأخذ. نأخذها بالأقساط جزءاً جزءاً. اللغة تحتاج أن نقفَ عندها. اليومي يحتاج أن نقف عنده. الاشتغال على الاِنزياحات بشكل عجيب وجميل جداً.
النصُّ على طوله مغرٍ، يجذبك. أنا أحسسته مثل ما كنا نقرأ كتاب ألف ليلة وليلة. فيه عنصر الإدهاش بشكلٍ كبيرٍ. وما يُغري القارئ أنه ينقله، لا يحس القارئ بالرتابة وهو ينقله عبر التاريخ، عبر الزمن، وعبر المكان. هذه التحولات: زمانيه ومكانيه، وانتقالات أفقية تارةً، وتارةً عمودية، وتارةً مفاجآت لا يجد نفسه الا وهو يغوصُ في حفرةٍ أحياناً. مفاجأة في داخل هذا النص. وأنا أقول إنه عمل أكبر من ملحمي لا مبالغةً ولا مجاملةً. أنا أتكلم عن نص طويل جداً، وفيه تشعبات وأحداث. اذا كنا قد قلنا إن الملحمة من سماتها الأساسية هو هذه الأحداث المتشابكة، والجانب الأسطوري، فهذا موجودٌ في هذا النص. موجود هذا الخرق للأحداث والتداخل ما بين الأزمان، اختراق الزمن من الحاضر إلى الماضي ومن الماضي إلى الحاضر.
وتساءلت د.هناء احمد “بالنسبة لتوظيف الايقاع البصري في النص، هل يجد أو وجد الشاعر نفسه أكثر حرية في توظيفه في النص النثري أكثر منه في التفعيلة؟
ومتى تكون صورة الكلمات البصرية واضحة وجاهرة؟ هل تتزامن مع الفكرة أم لها توقيت معيّن؟
وتساءلت د. كاملة الهنائي: بماذا ينصح الشعراء الجدد من الشباب في تمردهم على الأشكال الشعرية التقليديه. هل هو دائما أمر محمود؟
وقالت د. وجدان صبيح” مساهمة مجال واحد تصبح نتاج مجال آخر فإن فكرنا في العلم فهو يبدل المعلومات إلى معرفة والهندسة تحول المعرفة إلى منفعة ثم يأتي الشعر / شعر كاتبنا الكبير عدنان الصائغ ليحول بالشعر ويشكل نظرتنا إلى العالم؟ نرد النص ديوان موسوعي بامتياز يطلب منا التخلي عن كل ما هو ضروري عدا الشعر…فهل من الممكن أن نرى أجزاء أخرى لنرد النص؟ وردّ عليهم جميعا، وحول التساؤل الأخير قال” ليس في العمر متسع لديوان جديد كهذا، واختتم الربيعي الجلسة بترديد: وانا وانت على الطريق
ليكمل الصائغ: ظلان منكسران في الزمن الصفيقِ
إن جار بي زمني اتكات على صديقي محيلا لقصيدته ” تمرين لكتابةقصيدة”، وكأنه يريد أن يقول ان كل هذه المشاريع الشعرية هي ليست سوى تمرين لكتابة القصيدة التي نخطط لها، ونحلم بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى