ما الفرق بين الريح والرياح في اللغة والقرآن؟

ماجد الدجاني | فلسطين

 

نجد في القرآن ريحاً، ورياحاً .. فما هو الفرق بينهما؟

الريح قد تكون رحمةً، كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) [يونس: 22] ، وقد تكون عذاباً، كما في الآية: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات:41] .

أما الرياح فلا تكون إلا خيراً ورحمةً .

ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :«الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» [2] .

أحكام مهمة تتعلق بالريح:

هناك بعض الأحكام المهمة التي تتعلق بالرياح، لابد للمسلم من أن يكون على إلمام بها ..

إذا عصفت الريح سُنّ للمسلم أن يقول ما حدثت به عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ

وعَنْ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّتِ الرِّيحُ قَالَ:«اللَّهُمَّ لَقَحًا لا عَقِيمًا\\

لقحاً: بها ماء ، العقيم: بعكسها .

وإذا تعددت أذكار النبي صلى الله عليه وسلم في الموضع الواحد فليس من السنة في شيء أن يجمع الإنسان بينها في آنٍ واحد، وإنما يقول هذا تارة، وذاك تارة أخرى .

لا يجوز سب الريح؛ لحديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ».

 كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا لاحت الريح في الأفق يُعرف ذلك في وجهه  ..

فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:« إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»[6] .

ولعلّ ذلك قبل أن ينزل الله تعالى قوله: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33] .

وفي رواية [7] عنها : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ [8] أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :«مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ :(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ…)»:

فهل يجوز التخلف عن صلاة الجماعة بسبب الريح الشديدة؟

الجواب : إذا اشتدت وعجَز الإنسان عن إتيان المسجد فلا واجب مع العجز .

قال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] ، وقال: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَ) [البقرة:286] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [9] .

إذا أراد المؤذن أن يرفع النداء وكانت الريح عاصفة فالسنة أن يجعل بدلاً عن الحيعلتين قوله :(صلوا في بيوتكم)؛ فعن ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ :”كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، أَوْ اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ: صَلُّوا فِي رِحَالكم”[10] .

وإذا اجتمع الناس في المسجد فاشتدت الريح فلهم أن يجمعوا بين الصلاتين، المغرب والعشاء، أو الظهر والعصر؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ”. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ : لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ :”كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ”[11]. ففي الحديث دليل على الجمع إذا كان الحرج والعذر.:

ينهى عن التبوُّل عكس الريح، قال ابن قدامة رحمه الله :” وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرِّيحَ ؛ لِئَلَّا تَرُدَّ عَلَيْهِ رَشَاشَ الْبَوْلِ، فَيُنَجِّسَهُ” [12] .

الريح من جند الله ، يعز الله بها أولياءه، ويذل بها أعداءه .. أكرم الله تعالى بها نبيين كرمين ..

أُكرم بها سليمانُ عليه السلام ، ذلك لأن الله سخر له الخيل، فلما شغلته تخلص منها، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فكان العوض من الله : الريح. قال تعالى: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ) [ص: 30-36] ، أي: تطيعه حيث أراد. وقال تعالى:( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) [الأنبياء: 81]، وقال : وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ِ) [سبأ: 12]،

وإن كانت الريح الرخاء مطيعة

سليمان لا تألو تروح وتسـرح

///

فإن الصَّبا  كانت لنصر نبينـا

برعب على شهر به الخصم يُكلح

فنُصر بها نبينا صلى الله عليه وسلم ..

قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) [الأحزاب: 9]، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» [13] .

قال الحافظ في الفتح :” هِيَ الرِّيح الشَّرْقِيَّة ، وَالدَّبُور بِفَتْحِ أَوَّله وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة الْمَضْمُومَة مُقَابِلهَا ، يُشِير صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّة الْأَحْزَاب: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) ، وَرَوَى الشَّافِعِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ اِنْقِطَاع أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « نُصِرْت بِالصَّبَا ، وَكَانَتْ عَذَابًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلنَا». وَقِيلَ إِنَّ الصَّبَا هِيَ الَّتِي حَمَلَتْ رِيح قَمِيص يُوسُف إِلَى يَعْقُوب قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِ” [14] .

والريح عذاب يسلطه الله على من شاء من أعدائه ..

توعد بها الكافرين فقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[15] * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) [الملك: 16-18] . حاصباً”ريحا فيها حصباء تدمغكم” [16] .

وتوعد بها المعرضين الذين يعرفونه في الشدة دون الرَّخاء أن يُسلِّط عليهم الريح فيغرقهم بها، قال تعالى:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) [الإسراء: 67-69] .

قاصفاً: الريح الشديدة تقصف ما تأتي عليه 

وأهلك الله بها عاداً قوم هود عليه السلام .. قال تعالى:( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) [الذاريات: 41]، عقيم لم تأت بخير، قال ابن الجوزي :” وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة ، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً ، وإنما هي للإهلاك” [17] . وقال: ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) [فصلت :15-16] ، والصرصر: الشديدة العاتية،  ويوم نحس: شديد الشقاء . وقال:( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) [القمر:19-20].

وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) [الأحقاف:24-25].

ومن صور عذاب الله بها ما نال أمريكا ، فقد سلط الله عليهم إعصار كاترينا .. الذي لم يستغرق سوى سويعات معدودات .. كلف أمريكا ما أنفقته على حروبها في أفغانستان والعراق .. خلال السنوات الأربع الماضية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى