إضاءات في الفن والأدب

الدكتور خضر محجز | فلسطين

1: المرأة والفن:

كل أشكال الجمال في الفنون، أصلها ومعيارها المرأة.

2: أنا وكتاب غزة:

كان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لا يمنح لحنه إلا للمغني الموهوب. فكانت ألحانه للمغنين شهادات وأوسمة، يفتخر بها من نال واحداً منها.

في النقد الأدبي يحدث هنا في غزة شيء شبيه بهذا، مع تغيير طفيف. التغيير الطفيف في أنني لا أتناول بالنقد منهم، إلا من كان شديد الجمال، أو شديد القبح؛ مبيناً علل أحكامي هذه. فلا شك أن غزة ليست مثل باقي المدن: ففي المدن بعض من الكتاب، أما غزة فالكتاب فيها.

3: أحمد زكي:

لقد مرت سنوات طويلة حتى ظهر أحمد زكي. وسوف تمر سنوات طويلة اخرى، قبل أن يظهر ممثل بمستوى أحمد زكي. في كل أدواره كان فنانا رائعا، يتقمص دوره باقتدار، حتى شعر الكثيرون من زملائه بالغيرة منه، وحاولوا أن يصفوا تمثيله بالتشخيص!!! وكأن التمثيل شيء آخر غير التشخيص. كلما تأملت في أداء هذا الفنان، أيقنت أنه الأفضل على الإطلاق:

في ناصر 56 كان ناصر بشحمه ولحمه.

في أيام السادات كان السادات بعجرفته وتأتأته وبلطجته

حتى في بداياته في مدرسة المشاغبين، وسط العمالقة، كان حضوره لافتاً.

الطريف في أحمد زكي، أن قدراته الفنية تحول كل من حوله في الفيلم إلى كومبارس، حتى لو كانوا من كبار الفنانين.

متعدد الأدوار والتشخيصات. وفي كل كان متقناً. 

يحاول بعضهم أن يشبهه بأل بتشينو، لكنه بروبرت دي نيرو أشبه؛ فكلاهما مشخصاتي من الطراز الممتاز. رحم الله أحمد زكي.

4: ألف ليلة وليلة:

من بداية العصر العباسي وطواله، وصولا إلى العصر المملوكي ــ في تواكب غريب ومنسجم ــ نشأ كتاب (ألف ليلة وليلة) وتطور، من حكايات صغيرة قليلة تجري في بغداد، إلى مجموعة قصص وحكايا غرائبية تدور حول العالم، ولا تنتهي بالقاهرة، رغم أنها إحدى محطاتها الكبرى.

يمثل (ألف ليلة وليلة) الروح الشعبية لكل بلد تحدث عنه، في زمنه، فمؤلفه هو الذاكرة الشعبية المقهورة، التي لا يحدها مكان ولا زمان ولا اسم.

مزج الكتاب أحداث التاريخ بالأسطورة: حيث العشق، والكره، والتحايل، والرحلة، والمغامرات، والحظوظ السعيدة، والحظوظ التعسة…

كما جمع بين دفتيه العديد من شخصيات الملوك، والفقهاء، والعيّارين، والشُطّار، واللصوص، والجواري، والجن، والمردة، والنساء الجميلات، والنساء القبيحات، والأبطال، والصعاليك، والقوادين، والشرفاء، والخونة… إلخ.

هذا وقد غلب على ظن بعض الباحثين أن (ألف ليلة وليلة) مأخوذ من أصل فارسي، ثم زيدت عليه حكايات، في كل عصر، حتى وصل إلى ما هو عليه، في العصر المملوكي. ولكن هذا الظن خاطئ، ومتأثر بما زعمه ابن المقفع عن كتابه (كليلة ودمنة).

ورغم أن (ألف ليلة وليلة) ظل يحظى طوال العصور بانتشار واسع، خصوصاً بين الطبقات المسحوقة؛ إلا أنه لم يلق عناية النقاد والدارسين العرب. ولم يتغير هذا الحال إلا بعد أن اكتشفه المستشرقون، وترجموه إلى لغات عديدة، ففتن القراء في الغرب كما فتن القراء في الشرق.

بعدئذ فقط تنبه الباحثون العرب لأهمية الكتاب ــ كعادتهم ــ وبدأوا يتناولونه بالدرس والبحث والأطروحات الجامعية.

إنه مرآة الحضارة العربية الإسلامية في مراكزها الكبرى لما يزيد على ستة قرون.

5: عمارة يعقوبيان:

في رواية علاء الأسواني، زكي بك الدسوقي الشخصية الأولى في الرواية، واضح من اسمه أنه ابن طبقة الباشوات التي جردتها ثورة يوليو 1952 من امتيازاتها، واستغلالها الفادح لمقدرات الشعب المصري.

لكنه يظهر في رواية علاء الأسواني ممثلا لكل جميل، فهو محبوب عطوف متواضع، يتنازل لأخته عن ميراثه، دفعاً للفضائح، ويقع في حب فتاة بسيطة من الطبقة المسحوقة، فيغفر لها فقرها وسقوطها ويتزوجها بعد سنوات من المتعة الحرام.

الفتاة البسيطة ضحية عصر الانفتاح الساداتي، الذي يحاول المؤلف إلقاء كل تبعات قبحه على عهد ما بعد الثورة الناصرية، مغفلا أي حديث عن أي جمال محتمل لثورة ناصر.

الرواية تعرض لانسحاق الطبقة المتوسطة، وطبقة الباشوات، لصالح رجال الحكم والأعمال المتحالفين، في عهد مبارك.

كل الأغنياء في الرواية محدثو نعمة، وكل الفقراء مسحوقون أو متطرفون دينيون.

وحدهم الباشوات السابقون ــ بناة مصر ــ هم الجميلون.

الرواية واقعية قاسية، تستخدم تقنيات العرض التقليدي، الذي لا أعترض عليه. وتنتقد نظام مبارك بقوة، ولكن ليس لصالح تثوير الواقع، بل كبكائية على أطلال أسرة محمد علي، في إنكار لافت لكل منتجات الثورة المصرية، وفي إلقاء كل تبعات قبح السادات ومبارك على ناصر.

أليس غريبا أن تتعرض رواية قاهرية للقاهرة بنقد مبارك والسادات، ومديح فاروق وفؤاد، مع إغفال ناصر كلياً؟

مادة ممتعة، ومحتوى فيه كثير من القبح.

إنها صورة واضحة من صور الانكفاء حول الماضي الذي لا يعود.

6: المتشائل:

لقد سعى إميل حبيبي، في المتشائل، إلى إعادة تحديث الأشكال السردية، بغية إحداث نتيجتين، أحداهما مرتبطة بالأخرى: استعادة الذاكرة الثقافية؛ وإعادة إدراج الجماعة في صلة مع قص مشترك، يعيد بناء الحاضر وفق صياغة أيديولوجية، تتكئ على الماضي.

فكانت النتيجة إعادة استنساخ القهر العام بذريعة الأصالة، وإلحاق الهوية الوطنية بالآخر بذريعة الممكن.

لقد سعت رواية المتشائل، طوال مفاصلها السردية إلى تبرير عمالة العميل، ودعت للنظر إليه باعتباره إنساناً.

المتشائل سعيد أبو النحس، عميل للاحتلال الصهيوني، ينبثق وعي السرد من داخله، فيعرض لإنسانيته وضعفه، مبررا أسباب العمالة.

وإذا أخذنا بمفهوم دي سوسير ــ حول كون اللغة نسقاً من الاختلافات ــ فسنرى أن وعي المتلقي يقوم، فور حضور هذه اللفظة (المتشائل) غير المعهودة لديه، بتحليل علاقات الاختلاف، التي تحيل إليها، فيستحضر، بطريقة أوتوماتيكية، لفظتين مختلفتين ومعهودتين لديه ــ المتفائل والمتشائم ــ اللتين نُحتت منهما هذه اللفظة الجديدة.

ولسوف تقوده هذه المقارنة إلى اكتشاف أن الشخص المتشائل، مثلاً، هو غير المتشائم؛ كما أنه غير المتفائل: فهو لا يحمل المعنى السلبي للأول، بنفس القدر الذي لا يحمل فيه المعنى الإيجابي للثاني. ومن ثم يخرج هذا المتلقي بنتيجة مفادها: أن المتشائل رغم أنه لا يستحق المديح والتبرئة تماماً، إلا أنه ــ وبنفس القدر ــ لا يستحق الهجاء والإدانة. والنتيجة المنطقية تأجيل الحكم، أو اللجوء إلى الحوار مع هذا المفهوم الجديد.

إن تأجيل الحكم الذي تدعو إليه الرواية، لا يعني إلا إتاحة الفرصة لظهور عملاء آخرين، يعلمون مسبقاً أن الحوار هو الذي في انتظارهم؛ لا النار، ولا الإدانة، ولا لعنة التاريخ.

7: السيدة من تل أبيب:

عنوان ماكر يغرر به ربعي المدهون بالقارئ والناقد معاً. اعترف أنني كنت ممتنعاً عن قراءتها، بسبب تكهناتي الخاصة، حول ما ستقوله رواية فلسطينية تصل إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر. فللعرب شكوك كثيرة حول هذه الجوائز، ليست كلها خاطئة.

ولأنني تعودت على مكافحة نفسي أن تحكم على شيء قبل أن تستمع إلى حجته، فقد قررت أن أقرأ الرواية، و(أعصر على نفسي بصلة) كما نقول نحن فلاحي فلسطين.

كنت أتوقع أن تتحدث الرواية عن علاقة حب بين فلسطيني وإسرائيلية، تنتهي بالزواج الذي يقدم مثالا على أفضل طريقة لحل الصراعات السياسية على طريقة (شوشولينا) عضو البرلمان الإيطالية في سنوات الانتفاضة الأولى. لكنني تفاجأت برواية فلسطينية حتى النخاع. فلسطينية لم تقفز فوق إنسانيتها، حين عرضت لعلاقات حب إنسانية، بين فنانة إسرائيلية وعربي، كما لم تتجاوز واقعيتها، حين عرضت للإذلال الإسرائيلي، لكل ما هو فلسطيني، على كل منفذ ومعبر ومدخل حدودي.

ليست تقنيات القص هي ما يذهلني ــ برغم كل ما يخرف به النقد الحديث وما بعد الحديث الذي أنا متخصص فيه بالمناسبة ــ ولكنها الحكاية في قالب مدهش. هذا هو جوهر السرد في كل رواية يا أصدقائي. مع أن رواية ربعي ملتزمة، بما يقال عنه قوانين السرد الحديثة.

ربعي المدهون كتب رواية فلسطينية رائعة، لكنها لم تكن رواية شوفينية كما يتمنى قادة الفصائل. ولا رواية عدمية تنساب في وعي الآخر، ناسية تفاصيل وعيها الوطني، كما يتمنى إميل حبيبي. لقد كانت رواية الفلسطيني البسيط عن واقع المأساة.

ربعي المدهون، من هاجم روايتك كانت عينه على إسرائيل.. أعرف ذلك من متابعتي للأمور.

8: السقا مات:

رواية مكتوب على غلافها أن مؤلفها هو يوسف السباعي.

والحق أن هذه النسبة يعتورها شك كبير، نظراً لأن أسلوبها وعالمها مختلفان تماماً عن أسلوب وعوالم يوسف السباعي، فهي أشبه بأن تكون رواية لنجيب محفوظ:

رواية واقعية من قلب الحارة المصرية، فيما روايات يوسف السباعي رومانسية ليست كالرومانسية، بل هي أشبه بالرومانسية الرثة، التي تعالج مواضيع لا واقعية، بأساليب مكررة منصوص عليها مملة.

أعتقد أن يوسف السباعي لطشها من أحد الكتاب المغمورين، أو ابتاعها من فقير مقابل (قرشين).

تنطلق الحكاية بأسلوب ساحر من وعي غلام، هو ابن سقاء يحمل قربة الماء على ظهره، للبيوت ويسقي شجرة تم حنة عزيزة على قلبه، نتبين فيما بعد أنها كانت رابطا مشتركا بينه وبين محبوبته الخادمة التي كانت تعمل في البيت وتزوجها وأنجب منها الغلام، قبل أن تتوفى وتتركه يعيش على ذكراها.

تعيش مع الغلام وأبيه جدته أم المعشوقة المتوفاة، فتكون لهم بمثابة واسطة العقد للبيت الصغير، وتحاول إقناع الرجل بأن يتزوج دون نجاح، إلى أن يتحول فجأة إلى فتوة الحارة، فيحكمها بالعدل، بعد أن يقهر الفتوة السابق. لكنه يواصل حياة الفقر والعتالة والسقاية.

له صديق يتعيش من السير في الجنازات، كمظهر من مظاهر فخامة لا فخامة فيها، لأسر تهمها المظاهر. لكنه يموت ويوصي صديقه (والد الغلام) بأن يكمل مهمته. فيفعل، ويتطير الغلام من هذه المهنة المشؤومة، ونكتشف أن له حقا في أن يتطير بالفعل، لأنه سرعان ما يموت. ويصبح نداء الغلمان وراء ابنه (أبوك السقا مات) حقيقيا لا مجرد لعبة.

الرواية شديدة الجمال ومتميزة، وواقعية حزينة من واقعيات الرواية المصرية، التي ازدهرت في الستينيات.

9: أحلام مستغانمي:

الزعبرة النقدية تفشل دائما في تجميل غير الجميل.

عناوين براقة، ومحتوى ضعيف، لكنها تنال تقريظا من القطط.

هكذا كان يحدث، مع شاعرة توفيت إلى رحمة الله، فتم نسيانها.

نفس ما قيل في هذه، قيل في تلك.

أحلام تكتب كتابة ذكورية بضمير الأنثى.

مفعمة بالرغبة في البوح، منذ العنوان، لكن القيود تكبلها، والجرأة تنقصها.

ليس قدم الموضوع هو السبب في رداءة العرض، فمهما قَدُم موضوع فساد الثوريين حين يمتلكون السلطة، إلا أن طرائق العرض، وزوايا النظر، بإمكانها أن تتجدد دوماً، خصوصاً من خلال بوح الأنثى. وهو أمر فشلت فيه أحلام.

أنا هنا بالطبع لا أوافق ولا أناقش الشائعات الثقافية حول كتابات أحلام، لأن ما يهمني هو ما تنشره أحلام من أدب باسمها.

أما على المستوى الشخصي، فأحلام سيدة جميلة الخَلق والخُلُق، تدعم الفلسطينيين، وعروبية الهوى.

10: خالتي صفية والدير:

أسلوب بهاء طاهر في هذه الرواية من السهل الممتنع: يسهل فهمه، ويمتنع عليك أن تأتي بمثله.

الحكاية في الرواية تدور في قرية مصرية، كأي قرية مصرية، تتم روايتها من وعي طفل مصري، وشخصيتها الأساسية (صفية) الجميلة التي تعشق الفتى (حربي).

لم يكن حربي يشعر بحب صفية، فيما هي كانت تنتظر منه أن يبادلها حبا بحب، لكنه عوضا عن ذلك يخطبها لوليه وسيده الباشا الذي يعمل لديه.

من هنا قضت صفية حياتها في الانتقام ممن أهان حبها بطريقة وحشية، فتبدأ بإهانته مستخدمة نفوذها باعتبارها الهانم زوجة الباشا ولي نعمة حربي.

وهي التي تدفع الباشا لمحض حربي اعتداء واحتقارا يوميين، حتى يقع حادث يودي بحياة الباشا، على يد حربي، الذي وجد نفسه يدافع عن نفسه، ذات اعتداء.

تواصل صفية ملاحقة حربي بانتقامها بعد قضاء مدة الحكم.

في الدير يموت حربي مهينا مهيضا طريدا، في نهاية الرواية، ونكتشف كم كانت صفية تعشقه. وإن من العشق ما قتل!.

إن هذه الرواية تسلط الضوء على قوة تحكم العاطفة في العقل لدى المرأة. إلى الدير ليحتمي به

حين يموت حربي مريضا مهينا في الدير في نهاية الرواية.

يمكن اعتبار هذه الرواية درة من درر السرد العربي، لأن تقنيات العرض فيها لم تخل بمقول القول، كما تعودنا أن نرى لدى روائيين شبانا يقولون كل شيء ثم لا يقولون شيئا.

أسلوبها أسلوب نجيب محفوظ، مع بصمة خاصة للكاتب لا تغيب عن بال المتأمل.

11: ليلة القدر:

كتبها الطاهر بن جلون باللغة الفرنسية، ولها ترجمتان عربيتان: واحدة للمصرية زهيرة البيلي. وهي ترجمة شديدة الرداءة، تافهة، غيرت كل شيء إلى الأسوأ. وأخرى لمحمد الشركي وهي الترجمة التي يقال إن المؤلف اعتمدها. وهي الأروع والأكثر صدقا في التعبير عن روح النص الأصلي.

الرواية شديدة الجمال: إن في أسلوب العرض، أو في متن الحكاية. وتتناول قصة فتاة يريدها أبوها فتى ذكرا، ويربيها وفق ذلك. لكنها بعد مدة تكتشف أنوثتها المتفجرة..

في الرواية فضح لتاريخ القهر الذكوري للمرأة، وتسليط للضوء على التجارة بالدين والخزعبلات.

رواية قل نظيرها.

 

12: الزيني بركات:

هذه الرواية الرائعة لجمال الغيطاني، تتناول تاريخ الطغيان في مصر، عن طريق تسليط الضوء على شخصية رئيس العسس (مدير المخابرات) في الدولة العثمانية بالقاهرة.

استخدم فيها جمال الغيطاني تقنيات عرض متعددة، وأسلوبا تاريخيا يناسب زمان الحكي التاريخي، كلما عرض لكلام الشخصيات.

أبدع جمال الغيطاني في هذه الرواية. لكنها كانت بيضة الديك.

كتب بعدها كثيرا، لكنه لم يرق إلى مستوى ما كان.

13: أمين معلوف:

كاتب عربي لبناني يكتب باللغة الفرنسية. لا نستطيع الحكم الموضوعي على نصوصه، لأنها لم تصلنا بلغتها الأصلية.

يمكن القول بأن أفضل نصوصه، هي التي وصلتنا بترجمة الدكتور المرحوم عفيف دمشقية. ثم لا نعرف بعد إن كان مستواه هبط، أم أن الترجمة أضرت به.

تألق في (ليون الأفريقي). ثم تألق مرة أخرى ــ وإن بصورة أقل ــ في (صخرة طانيوس). ثم رأينا نصوصه أقل قيمة فيما بعد. لكن كتاب (الحروب الصليبية) لا يزال واقفا على قدميه.

باختصار: من الصعب العثور على رواية تاريخية عربية بجمال (ليون الأفريقي)، مع أن (صخرة طانيوس) هي التي نالت جائزة جونكور.

14: عيون القلب:

غناء نجاة، وكلمات الأبنودي، لحن محمد الموجي.

كانت نجاة رائعة كالعادة. وكان الأبنودي مبدعا كالعادة. أما الموجي فكان فوق العادة.

الأبنودي كان الأبنودي الذي نعرفه. ونجاة كانت نجاة التي نعرفها؛ أما الموجي فكان شيئا آخر، شيئا جديدا، كأننا نعرفه لأول مرة!.

لقد تجاوز نفسه، ولم يقل حرفا مما مضى.

15: خداع:

حين أُدعىٰ إلى أمسية شعرية، لأستمع إلى شاعر صديق، أعلم أني ذاهب إلى سماع الشعر، فأغتسل وأحلق ذقني، وأركب المواصلات، وأجلس للاستماع بأدب، وأتجاوز عن المهاترات والضجيج في الصفوف الخلفية، وأجتهد في التنبه والتفرغ للاستماع، رغم المجموعات الردئية التي تحاصرني.

حين يحدث كل هذا، وأضحي بكل هذا، لكي أستمع إلى الشعر، فمن العيب أن يحول منظمو الأمسية، الأمر إلى مهرجان للرداءة، فيعرضوا علينا كل من يرى نفسه شاعرا، مع أن مكانه في العيادات النفسية ومراكز التأهيل!.

16: تكلف:

قلما يخلو فن من التكلف. لكن الفنان العظيم وحده، هو من يستطيع إخفاء هذا التكلف. 

17: ليهْ يا بنفسجْ بتبهجْ وانتَ زهرِ حزينْ:

أجيال بكاملها ناحت مع صالح عبد الحي وتساءلت بمزيد من اللوعة: لم يتسبب زهر البنفسج ــ الأزرق الحزين ــ بالبهجة؟

لكن لهذه المقولة من الأغنية وجهاً آخر: لم يتسبب المزيد من السعادة بالمزيد من الحزن؟

لقد كان لحن الأغنية، وأداء صالح عبد الحي، شديد الشجن والحزن، مع أنه يتساءل عن سبب البهجة في الحزن!..

لم يكن قديس الموسيقى رياض السنباطي خاطئاً، حين أبدع هذا المستوى الخالد من اللوعة، بل كان يستجيب لما وقر في فطرة العربي المقهور، من الحزن الكامن في قلب الفرح.

كثيراً ما تساءلت مثل هذا السؤال، واحترت في البحث عن إجابة له. ذات مرة قلت: بأن شعور الإنسان بأن كل جمال مصيره الفناء، هو ما يقف وراء هذا الحزن الغامض.

يبدو أن عبد الله الرويشد كان مبدعاً حقاً، إذ أعاد تقديم هذه الأغنية بتوزيع مختلف، حين جعل الكورال يرافق غناءه مردداً معه آهات اللوعة.

لقد بدت أغنية ليه يا بنفسج، بأداء الرويشد، شديدة الحزن، كأنها وداع يشبه وداع أم كلثوم للحياة في أغنيتها الأخيرة (حكم علينا الهوى) التي كنا قد عرضنا تحليلا لها قبل أكثر من عام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى