كيف نستطيع تخطّي أزمة كورونا والعودة إلى الحياة الطبيعية سريعا؟

ترجمة: ناصر أبو عون

الجارديان البريطانية – البروفيسور ديفي سريدهار رئيس قسم الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة

الوصفة الناجعة: فرض قيود على السفر عبر المنافذ البرية والدولية والتوزيع المتكافيء للقاحات حول العالم

في مقالة له بصحيفة الجارديان البريطانية أكد البروفيسور ديفي سريدهار رئيس قسم الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة أنه في ظل التغير المتسارع لسلالات فايروس كوفيد 19 تتضارب التوقعات، وتختلف التكهنات حول الموعد المنتظر الذي تستطيع فيه بلدان العالم كافة تخطي هذه الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية، والغالبية العظمى يأملون في انكسار الموجة الكاسحة للفيروس وتراجعها وعودة الهدوء بحلول الصيف القادم، ومع دخول بدايات الخريف المقبل، وهناك أمل كبير بعودة الحياة في المملكة المتحدة إلى طبيعتها بشكل أو بآخر.

والسؤال الآن: هل هم واثقون من هذا التفاؤل؟ وما الذي يمكننا فعله لتجنب الانزلاق مرة أخرى في دورة مستجدة من الإغلاق؟ وباختصار: ما هي الوصفة الناجعة لإنهاء هذا الوباء، وبشكل أسرع؟

على الصعيد العالمي، تتمتع المملكة المتحدة بمكانة قوية وتمتلك خمسة لقاحات فعالة وآمنة على الأقل، ولكن هناك تحديات مستقبلية تقف حجر عثرة للوصول نحو هذا الهدف. على الرغم من متابعة سائر المتغيرات والطفرات الجينية المتسارعة، مثل تلك التي ظهرت في “كينت والبرازيل وجنوب إفريقيا”، والتي ثبت أن عدوى السلالات الجديدة فيها أسرع انتشارا وقابلة للانتقال بسرعة أكبر بين السكان، ويحتمل أن تكون لها آثار انتكاسية وتأثيرات سلبية على الوضع الصحي للمصابين قد يكون أكثر خطورة مقارنةً مع السلالات البريطانية.

الأسوأ من ذلك، أن الطفرة الجديدة من سلالات كوفيد 19 سريعة التطور والتحوّر، على نحو ما حدث في البرازيل وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى توقّع حدوث طفرات ومتغيرات مستقبلية في طبيعة الفيروس، ومن المرجح ألا يستجيب للقاحات وضعف الاستجابات المناعية الطبيعية. وهذا يعني ببساطة أن تكون اللقاحات المنتجة حاليا ستكون أقل فاعلية مع إمكانية عودة الإصابة مرة أخرى للذين تم تحصينهم.

وللقضاء على الوباء وإنهائه عالميا لابد من إقرار بعض الإجراءات المتشددة واتباع استراتيجية متعددة المسارات والبرامج من أهم محاورها: فرض قيود إغلاق قصيرة المدى ووضع قوانين صارمة تفرض التباعد الاجتماعيّ ومنع التجمعات البشرية والحد من الاختلاط المباشر، والأهم من ذلك مراقبة الحدود الجغرافية والحد من حركة السفر لمنع انتشار السلالات الجديدة والمتطورة من فيروس كوفيد 19 خاصة في البلدان الأكثر ثراء مثل نيوزيلندا وأستراليا وكندا واليابان والمملكة المتحدة وتلك الموجودة في أوروبا لنتمكن من تحقيق مكافحة أفضل وإنهاء هذه الجائحة العالمية.

وإذا كانت البلدان الأكثر ثراء قادرة على تصنيع وتوزيع لقاحات وبسرعة عالية على غالبية سكانها (بما في ذلك الأطفال، نظرًا للحاجة إلى تحصين جزء كبير من السكان لتحقيق مناعة “القطيع”)، ومنع دخول أو مرور السلالات والطفرات الجديدة من حول العالم عبر حدودها ومطاراتها، فقد تكون قادرةً على رفع القيود الصارمة والعودة إلى الحياة الطبيعية إلى خلال الأشهر الستة أو الثمانية القادمة. وهذا يعني إعادة فتح المدارس والمطاعم والحانات والصالات الرياضية وعودة المهرجانات الموسيقية الحية والأحداث الرياضية. والبقاء على أهبة الاستعداد لمكافحة الفيروس في حالة عودة تفشي المرض مرة أخرى، في بؤر محلية ولفترة محدودة.

ولتحقيق حياة طبيعية كاملة فلا مفر من تقييد حرية السفر عبر الحدود في أضيق الحدود وإغلاق المطارات في وجه الرحلات الدولية على نحو ما قامت به إسرائيل حيث تواصل وبسرعة تعميم برنامج التطعيم باللقاحات بالتوازي مع فرض إجراءات احترازية تمثلت في إغلاق المطارات في وجه جميع الرحلات الدولية من وإلى البلاد. وكذلك شاهدنا كندا تفرض على القادمين عبر المطارات الأربعة المفتوحة الدخول في عزلة قسرية وإلزامية في أحد الفنادق والخضوع للمسحات المخبرية. وهذا هو أسرع طريق إلى الحياة الطبيعية المحلية، وهذا الدرس تعلمناه من معايشة هذا الوباء خلال العام الماضي.

إذن ماذا يعني هذا لبريطانيا؟ إن خمسة عشر مليون لقاح هي بداية رائعة، ولكن من الضروري نشرها على نطاق أوسع للحد من انتقال الفيروس. سيحتاج غالبية السكان إلى التطعيم. سنحتاج إلى تقوية نظام الاختبار والتتبع والعزل لدينا من خلال زيادة الاختبارات والدعم الكافي لأولئك الذين يعزلون أنفسهم، وزيادة الدعم المالي لمن يُطلب منهم البقاء في العزل المنزلي. في الوقت نفسه ، سيتعين علينا أن نتعايش مع القيود المفروضة على الحركة الدولية طوال الصيف.

في الواقع فإن المملكة المتحدة تسير قدما في هذا الاتجاه؛ لكن يبدو أنها مترددة في تمديد العزلة الإجبارية على الوافدين من جميع البلدان، أو مراقبة بدلاً أولئك الذين لديهم شبه إصابة ومتغيرات صحية مؤكدة. وتكمن المشكلة في أن المتغيرات والطفرات المتحولة للفيروس ستظهر وتنتشر قبل أن يتم اكتشافها، نظرًا لنقص قدرة العديد من البلدان على متابعة التسلسل الجيني للفيروس. لذلك، فإن بريطانية في حاجة ملحة إلى فرض قيود الحجر الصحي الصارمة وبشكل استباقي ووضع الوافدين إلى البلاد تحت المراقبة، وخاصة في حالة ظهور التأكد من تحقق الإصابة، بالسلالات الجديدة للفيروس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التزم الوزير الأول في اسكتلندا ، نيكولا ستورجون، التزم بهذه الخطة وطبق هذا النهج بصرامة وننتظر بوريس جونسون ليعلن الأمر نفسه بالنسبة لإنجلترا.

وعندما تنجح البلدان الأكثر ثراءً مثل المملكة المتحدة في القضاء على الفيروس، يجب عليها دعم البلدان الأقل ثراءً في جهودها لتطعيم سكانها؛ فأغلبيتها، تفتقر إلى الموارد والسيولة المالية للتفاوض مع شركات الأدوية، للحصول على اللقاحات لتطعيم غالبية سكانها، في الوقت الذي اشترت بعض الدول الغنية تسع جرعات لكل شخص من مواطنيها. ومن الضروري دعم مبادرة منظمة الصحة العالمية (كوفاكس Covax) لمساعدة البلدان الأكثر فقرا والتبرع بجرعات من اللقاحات وقد لبت النرويج نداء المنظمة الدولية، كما صرحت بريطانيا أنها خصصت مبلغا ماليا لـمبادرة Covax ، لكنها لم تعلن صراحة كيفية توفير الجرعات.

إن حماية الأرواح حول العالم واجب أخلاقي؛ لكن هناك عد عدالة وأنانية واحتكار في توزيع اللقاحات، وهم لا يدركون أن الفيروس ينتشر في أماكن أخرى ومن المؤكد سيطالهم، إذا استمر في التكاثر والتحول والتغيير إلى أشكال أكثر خطورة قد تصيب حتى أولئك الذين تم تطعيمهم وتجعلهم دائما عرضة للعدوى. ولن تكون نهاية قريبة لهذا الوباء إلا عندما يتم توزيع لقاحات قليلة التكلفة ومتاحة وفعالة في جميع أنحاء العالم – وهو شيء لا يزال للأسف هدفًا بعيد المنال.

فمن غير المرجح أن ينتهي الوباء فجأة، ولكن سينتهي ببطء، ومن بلد إلى آخر، مع إحكام كل بلد سيطرته على Covid-19 ، بمستويات عالية من الإجراءات والمحاصرة، وستحقق الدول الغنية ذلك من خلال فرض الاختبار وتعاطي اللقاحات (بما في ذلك إعادة تطويرها وإعادة توزيعها باستمرار) وتقديم وصفات علاجاية أفضل. وفي الوقت ذاته ستكافح البلدان الفقيرة للحاق بالركب وستواجه موجات متكررة ومتفجرة من الفيروس حتى تحصل على الدعم المطلوب والمساعدة الدولية للسيطرة الجيدة. وللأسف، فإن كثيرا من الأمراض المعدية مثل الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والسل وشلل الأطفال، لا تزال مشاكل رئيسة ومستمرة في البلدان الفقيرة في الوقت الذي تمّ التغلب عليها بل أصبحت من التاريخ ولا وجود لها في البلدان الغنية من هذا العالم.

………

رابط المقالة:

https://www.theguardian.com/commentisfree/2021/feb/15/covid-pandemic-end-global-travel-restrictions-vaccine-access

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى