“الإنسان وصناعة الأزمات” قراءة في تصريح ماكرون عن الإسلام

د. يحيى عبد الله أكاديمي من موريتانيا

اتهم الرئيس الفرنسي الإسلام بأنه يعيش أزمات في كل مكان والذي يمكن أن نقوله في بداية هذا المقال هو أن تلك الاتهامات والتصريحات ستتكرر من زعماء آخرين لدول ذات قوة وانتشار واستعمار سابق وتسعى لترسيخ استعماره عبر سياسة العصر الحالي أخلق لغيرك أزمات واشغله بتهم حتى لا يستيقظ على حركة الحضارية فينافسك فيها صناعيا أو اقتصاديا.

فسيكون في نظري بعد ماكرون زعماء يقولون: العبارات نفسها أو أسوأ إنها بضاعة رابحة أو إن انتشار اليمين المتطرف وقرب استحقاق الانتخاب يستغلون الصراع الديني لكسب جمهور الناخبين، ولفت الانتباه عن إخفاقات النظام العالمي المختنق بالأزمات والحروب والبورقراطية الغربية.

تعلمنا من خلال سياسات الغرب الكيل بمكيالين حينما يتعلق الأمر بالإسلام أو المسلمين؛ فحينما يوصف الإسلام بأنه يعيش أزمات فتلك نكتة تضع أمام أي قارئ العالم تساؤلات وجيهة.

فهل هنالك أصلاً إنسان يعيش بدون أزمات من نوع ما لأن الجواب وببساطة الإنسان يصنع أزماته ويحلها فالحال أنه لا يوجد مجتمع إلا وله أزمات.

والسؤال الثاني: الذي غيبه ماكرون عن نفسه في حديثه عن الإسلام هل ما يعتقده هو والفرنسيون الكاثوليك من مسيحية يقدسونها ويعظمونها لا تعيش أزمات في كل مستوياتها. وإذا كانت المسيحية ولدت من رحم الأزمات أصلا فحري بأصحابها ألا ينعتوا غيرهم بما يعيشونه.

لا ننكر وجود أزمة؛ بل وأزمات لدى السلمين في غالب العالم اليوم وتلك نتيجة خلفها الاستعمار وأتباعه وغذاها التدافع السياسي في مناطق معينة، ولكن الذي لا ننكره ولا يمكن أن نتجاوزه تصريحات ماكرون هو ومعه وما مني به داخل الاتحاد الأوروبي من فشل في تجميع الصفوف للوقوف أمام تركيا المزعجة بالنسبة له حين يراها تتقدم عسكريا واقتصادياً وتنافسه فلا يجد من يقف في صفه.. فهو وحده ومن على شاكلته ارتأى هذا مصطلح (صناعة الأزمات) مناسبا للتملّص من الفشل، وركوب تلك المطية خوفا من تقدم أو تجاوز المسلمين لأزماتهم والنهوض الحضاري.

أما إذا رجعنا إلى العلمانية التي متعت بها فرنسا نفسها لأسباب على رأسها صراعها مع الدين المسيحي وأزماته مع السلطة زمنا طويلا فتلك مشكلة أخرى؛ فالعلمانية تجعل في نظر أصحابها التدين مسألة شخصية وهي التي تقدس الحرية الشخصية، فكيف يحق منع الغير من حريته فيما أراد حسب العلمانية أم إنها ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.

ولا يتجاوز انزعاج ماكرون من الإسلام إلا لما يعرفه عنه من انتشار عالمي رغم التشويه الإعلامي الممنهج فالإسلام اليوم أكثر ديانات العالم انتشاراً بين الإنسان وخاصة الإنسان الغربي المتحضر الذي تخنقه أزمات الليبرالية المادية فتدفعه إلى الإسلام روحيا دفعا.

الإسلام دين متحضر بقيمهن لو حسَّن المتأسلمون سلوكهم وانتظموا فيه لكان خيرا لهم وأحسن سبيلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى