نحو خطة عمل تنموية شاملة للقضاء على الفقر الريفي

د. محمـد عرابـي | كلية الزراعة – جامعة سوهاج – مصر

مقـدمة

تسعى جميع المنظمات الدولية على اختلافاتها، ومنذ عقود للعمل على توحيد الجهود الدولية على صعيد تخفيف حدة الفقر الريفي من جهة، وعلى القضاء على الجوع من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل هذين الهدفين هما أهداف راسخة لجميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، مما دعي كل من المفوضية الأوروبية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، في بروكسل 13 سبتمبر /أيلول 2004 للتوقيع معاً على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بهدف تعزيز جهودهما المشتركة للتخفيف من حدة الفقر وتعزيز التنمية الزراعية ومحاربة الجوع في البلدان النامية. وبموجب الاتفاقية، ستعمل المفوضية الأوروبية ومنظمة الأغذية والزراعة على تعزيز الحوار بشأن السياسات على صعيد المقر الرئيسي، فضلاً عن تعزيز التعاون وبخاصةً على المستوى القطري. ومن شأن ذلك التقريب بصورة أكثر تناغماً ما بين إستراتيجيات المفوضية للدعم القطري، والمساعدات الفنية للمنظمة، بما يحقق تعاوناًأكبر ويُحسن من كفاءة المساعدات المقدمة للبلدان النامية.

وعلى الصعيد الأفريقي، تلعب منظمة الاتحاد الإفريقي دوراً هاماً بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة على التعاون في برامج تنموية متكاملة نحو التعامل مع قضايا الفقر الريفي والجوع المدقع، ففي6 أغسطس/ آب 2019، كيغالي- في “حوار القادة حول الأمن الغذائي في إفريقيا” الذي استضافته حكومة رواندا دعا المشاركون على ضرورة تعزيز القدرة على الصمود في إفريقيا استجابة لتغير المناخ. وعقدت هذه الفعالية رفيعة المستوى في مدينة كيغالي يومي 5و6 أغسطس/ آب، بالشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، والبنك الأفريقي للتنمية، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية والبنك الدولي.

          وقد سعت وتسعى الدولة المصرية جاهدة على التخفيف من حدة الفقر خصوصاً في المناطق الريفية والمهمشة، الأمر الذي دعا إلى انطلاق برامج تنموية لتخفيف الفقر وتقديم يد العون للمجتمع الريفي كبرنامج ” حياة كريمة” الذي انطلق بهدف تخفيف حدة الفقر والتهميش عن طريق مراعاة الاحتياجات الواقعية للسكان في هذه المناطق.

          ففي مستهل العام 2019 قد بدأت مؤسسات وأجهزة الدولة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني لتوحيد الجهود بينهما والتنسيق المُشترك لإطلاق مبادرة وطنية على مستوى الدولة لتوفير حياة كريمة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً.فور إطلاقالدولة لمبادرة حياة كريمة تحركت كل أجهزتها في اتجاه تنفيذ تلك المبادرة لتحقيق اهدافها والوقوف بجانب الفئات الاكثر احتياجا في كل المجالات كالصحة والتعليم والسكن.وخصصت الحكومة 103 مليار جنيه لمبادرة ‘حياة كريمة’ لغير القادرين وتطوير القرى الأكثر احتياجا وتوفير كافة المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والأنشطة الرياضية والثقافية.

أهداف خطة العمل المقترحة

تبنى الفكرة الأساسية لخطة العمل التنموية الشاملة المقترحة لتحسين الحياة الريفية على هدف رئيسي هو: تحسين فرص الحياة الجيدة للريفيين وأسرهم بما يمكنهم من العيش في مستوى مستقر وآمن صحياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً. ويمكن تحقيق ذلك من خلال أهداف فرعية هي كالتالي:

  • العمل على تحديد الفرص والتهديدات الواقعية لحياة الريفيين.
  • اقتراح أولويات الإنفاق المؤسسي لمؤسسات الدولة بما يصب مباشرة في تحقيق الفائدة القصوى للريفيين.
  • بناء حزمة من البرامج التنموية للقضاء على الفقر الريفي وتحسين الدخول.
  • التعرف على أوجه الاستفادة من المنظمات الدولية العاملة في قطاع التنمية الريفية بما يحقق فرصاً أوسع للتنمية الريفية.

الإطار العام للخطة

          إن التنمية الريفية في إطارها العام هي التغيير الارتقائي المخطط للنهوض بمستويات حياة السكان، على كافة الأصعدة، اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وصحياً….. إلخ. الأمر الذي يجعل التخطيط للتنمية هو المرحلة الأصعب في مراحل العملية التنموية خصوصاً التنمية الموجهة للقضاء على الفقر وتحديداً في المناطق المهمشة لسنوات كالريف في مصر، ولهذا فإن العمل على هكذا برامج يشترط الدعم المؤسسي وعلى كافة الأصعدة من مؤسسات الدولة، يداً بيد مع منظمات المجتمع المحلي المدني، وكذلك المنظمات الدولية الداعمة والعاملة في التنمية الريفية.

          ولكل خطة إطار زمني يحدد بدئها وينتهي بتحقيق مقاصدها، لهذا فإن الإطار الزمني المقترح لخطة التنمية الريفية الشاملة هو عامان منذ إطلاقها وحتى تحقيق البناء التنموي المقترح للتخلص من الفقر الريفي، وخلال هذين العامين لابد من سمة عامة وهي التضافر الكامل لجهود الدولة والقطاع المدني مع المنظمات الدولية العاملة في التنمية الاجتماعية طوال هذه الأربعة وعشرين شهراً حتى نتمكن من توجيه الإنفاق نحو المجتمعات المهمشة التي تبنى الخطة على تحسين أوضاعها في جميع نواحي الحياة لرفع كفاءتهم ليصبحوا أعضاء نافعين ومساهمين في التنمية المجتمعية الشاملة.

 

أولاً: مرحلة التخطيط للتنمية

          يقع عبء التخطيط التنموي في البلدان النامية دوماً على صانع القرار، بينما ينبغي أن يقع بالأساس على العلماء والمتخصصين في العمل التنموي، بحيث يكون نابعاً من دراسات علمية مستفيضة للاحتياجات التنموية الفعلية، الأمر الذي من شأنه أن يقوم العلماء والباحثين في قطاع التنمية مقام التدعيم الفني والمتخصص لصانع القرار وذلك بتوفير حزم من التوصيات الفنية المبنية على الدراسات العلمية الميدانية مصحوباً ببرامج ومخططات واضحة المعالم.

          ومن هنا يٌقترح أن يتم حصر شامل لجميع الدراسات والبحوث التي تمت في قطاع التنمية الريفية والمجتمعية بشكل عام من مؤسسات البحوث والجامعات الوطنية والدولية، ووضع التوصيات التي جاءت بها موضع الاعتبار حتى تتحقق الاستفادة القصوى من هذه البحوث والدراسات بالشكل الذي يجعل الخطة التنموية قائمة بأساس على أصل علمي ومنهج احترافي يرقى لقبول منظومة العمل التنموي محلياً ودولياً.

وبهذا يمكن الاعتماد على مخرجات هذه البحوث والدراسات في وضع مخطط تنموي واضح المعالم وقابل للتحقيق ومزمن بإطار زمني واقعي، وبناء عليه يمكن ترتيب الأولويات التنموية وبالتالي بناء حزم التفعيل الواقعية للخطة، حتى يتمكن صانع القرار من الوقوف مباشرة وبشكل واضح على أسباب ملموسة ونتائج مضمونة للخطة المزمع تطبيقها.

وفي مرحلة التخطيط، يلعب توفر الخبراء والمختصين دوراً بالغ الأثر في الالتزام بمضامين التنمية الاجتماعية بما يتوفر فيه المواصفات الأساسية التي لا غنى لأي قائم بتنفيذ العملية التنموية عنه، لهذا فإن التعامل مع الجامعات ومراكز البحث كبيوت خبرة وسلال للمعرفة هو أمر أصلي وأساسي في أي تخطيط يسبق التنمية.

ثانيا: مرحلة التنفيذ

يراعى في تنفيذ أية خطط تنموية عدة اشتراطات تضمن نجاحها يمكن حصرها فيما يلي:

  • إتباع المنهج العلمي الدقيق في التنفيذ، بحيث يمكن تنفيذ الحزم والتوصيات التنموية المستقاة من الدراسات العلمية الواقعية التي تم الاعتماد عليها في مرحلة التخطيط.
  • إسناد التنفيذ لذوي الخبرة والتخصص الذين يمكنهم فهم مراحل كل مهمة محددة سلفاً في التخطيط.
  • عدم قبول الحيود عن المخطط المعد مسبقاً حتى لا تنحرف العملية التنموية الشاملة عن المسار الذي يقود لتحقيق الهدف المرجو منها.
  • اعتبار إدارة عملية التنفيذ جزءاً لا يتجزأ من العملية الكلية، وبالتالي فإنه ينبغي أن ينضبط بالضوابط الكلية المشمولة في الخطة التنموية بحيث لا تطغي شخصية المنفذ على البرنامج التنموي دون التزام بمضامين العملية التنموية المخطط لها.
  • التنفيذ التكاملي بحيث تتضافر جهود جميع القائمين على تنفيذ الخطة التنموية الشاملة بما يتناسق وطبيعة عمل كل منها على حدة، وظروف العمل التي تلائم الشريك الآخر في المهمة، ولعل هذا هو الذي يجعل العملية التنموية شاملة وقائمة على الشراكة والتنسيق التام بين الأطراف المشاركة.

ثالثاً: مرحلة المتابعة والتقييم

          وهي مرحلة غاية في الخطورة والحساسية، إذ غالباً ما تفشل الجهود المبذولة- مهما بلغت عظمتها ودقتها- دون المتابعة والتقييم، لما لهما من بالغ الأثر في متابعة الجهود ومدى تحقق الغايات التي من أجلها بدأت العملية التنموية، ولما كانت التنمية عملية تكاملية في طبيعتها، فإن غض الطرف عن المتابعة يسلبها تلك الصفة (صفة العملياتية) ويجعلها مجرد تحرك أو حركة غير محسوبة العواقب.

          ولعل المتابعة في طبيعتها هي خطوة موازية للتنفيذ بينما يقع التقييم في نهاية العملية التنموية إذ أنه عبارة عن المقياس الذي يحدد مدى الالتزام الذي يؤديه القائمين على التنفيذ بالأهداف والمخططات الموضوعة سلفاً في مرحلة التخطيط، وهو الأمر الذي يجعل العملية التنموية محسوبة العواقب ومتراكبة الخطوات، حيث أن المنفذ إذا ما كان متيقناً من وجود من يقيم عمله ويقيس مدى التزامه، فإنه وبلا شك يعتبر نفسه في موضع المحاسبية والمراقبة، وهو ما يضمن بلا شك تحقق الأهداف المنشودة للعملية التنموية.

رابعاً: مرحلة إعادة التخطيط

          في هذه المرحلة يتم حصر المشكلات والعقبات ونقاط الضعف والقوة، بالإضافة لحصر الفرص المتاحة والتهديدات الممكنة للعملية التي تمت للتو، فيما يمكن تلافي المشكلات في العملية التنموية القادمة، فإنه يمكن بالتالي تقوية الفرص المتاحة والاستفادة القصوى من الفرص المتاحة أمام هذا المجتمع محل التنفيذ وكذلك الاستفادة من نقاط القوة فيه وما يشمله من حصر للموارد الذاتية المتاحة. والمتابع للتنمية المجتمعية وتطوراتها في القرن الحادي والشرين يجد بلا مواربة أن هذه المرحلة هي التي تضمن سلامة واستدامة العملية التنموية، وتمثل عملية إعادة التخطيط تتويجاً للجهود المبذولة مسبقاً، إذ أن التنمية عملية تكاملية في طبيعتها، فما تم بذله من مجهود في دورة تنموية يخدم بشكل كبير وأساسي ما يليه من دورات تنموية تالية. إن وضوح مفهوم إعادة التخطيط في أذهان العاملين في التنمية هو الركن الركين الذي يبنى عليه كل جهد ويوفر لما يليه وقتاً ومجهوداً كبيرين وبالتالي يختصر العملية ويجعلها أكثر جدوى وقابلية للاستدامة.

دور الجامعة في المقترح

          تلعب الجامعات دوراً هاماً للغاية في المقترح التنموي، إذ أنها تتبوأ مكانة علمية ومجتمعية لدى السكان والريفيين خصوصاً لما لها من ثقل علمي وأدبي واجتماعي، ولما كان قطاع تنمية المجتمع أحد الركائز الثلاثة الأساسية لأي كلية بالجامعة، فإن ثمة دوراً محورياً ينبغي على الجامعة أن تقوم به وهو دور بيت الخبرة، فالجامعة ملئي بالأساتذة والخبراء والعلماء في كافة التخصصات، وفي جميع القطاعات، الزراعة والصناعة والحرف والمهن والصحة والتعليم……. إلخ.

          ولما كان الريف هو محور الخطة التنموية المقترحة، فإن كلية الزراعة هي الأقرب تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة إذ أن الدور المنوط بها عظيم لقربها من مجال التنمية المقترحة (التنمية الريفية)، فضلاً أنها – وبكل قطاعاتها وأقسامها- تمثل بيت الخبرة الأقرب والأنفع للسكان في الريف، ويُقترح أن يقوم المختصون بالتنمية الريفية من أعضاء هيئة التدريس بكلية الزراعة بالدور الأول وهو المسوح التنموية القائمة على رفع احتياجات السكان بشكل ميداني ومباشر، ومن ثم يمكن الوقوف على تلك الاحتياجات بشكل علمي وفعَال، ففي بعض القرى يحتاج السكان الزراعة قبل الصحة، وفي بعضها الآخر، يحتاج السكان العليم أولاً، وهكذا.

وبالتالي يقترح أن يكون دور الكلية والجامعة كما يلي:

  • الدفع بقدر كبير من الخبراء والعلماء المختصون في مجال التنمية الاجتماعية والريفية ليعملوا كخط أمامي Front line وتمثل في حصر الاحتياجات ونقاط الضعف الحالية لدى السكان في القرى الموضوعة ضمن الخطة التنموية.
  • حصر المجالات التي ينبغي البدء بها وبناء أولويات التنمية الريفية للسكان.
  • تقديم الاستشارات الفنية والاجتماعية للسكان ولمنظمات المجتمع المحلي العاملة في قطاع التنمية الاجتماعية بالريف.
  • تفعيل نقاط التواصل المجتمعي بين السكان في المجتمع المحلي والجامعة متمثلة في قطاع تنمية البيئة وخدمة المجتمع في كل كلية.
  • عمل تحليل الاحتياجات Needs Analysis بما يفي بترتيب أولويات التنمية لتقديمه لصانع القرار، بحيث تكون الخطة التنموية متكاملة وفعالة.
  • المعاونة في تنفيذ الخطة التنموية بعد اكتمالها من خلال الأقسام الجامعية المعنية.
  • المتابعة والتقييم لكل جهد تنموي أولاً بأول، بحيث يمكن تعديل الخطة في حينه متى استلزم الأمر ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى