طواف.. قصة قصيرة

 فرحات جنيدى | كاتب وأديب مصري

في كل صباح أعتمرُ مرة وفي المساء أعتمرُ ألف مرة , من بيت إلى بيت , ومن جُحر إلى جُحر ، ومن حَجر إلى حَجر ، وحججتُ إثنى وعشرين مرة ، وطُفتُ كل الميادين ، ورجمت كل شياطين الخراب والدمار والدم والخيانة والقتل والجوع والذل والمهانة والصمت والخوف والهم والحزن ، لكني لم أنتصر فالفيلة البيضاء الغاضبة تملأ الطرقات وتدهس كل ما يقف في طريقها ، هرولتُ إلى القصور والحدائق الغنّاء وبحثتُ عن الملوك والفرسان والأمراء فلم أجد غير الرقص والغناء والرجال المتشبهين بالنساء والحرير والذهب يزيّن الفتيات الحسناء ، صرختُ أشتكي عجزي فلم أجد غير تكميم الأفواه ، قالوا اذهب فهذه جنتنا وجنتكم في السماء ، واصلتُ وسعيتُ بكل قوتي بين الصفا والمروة وتحملت من قذائف الطير ألف ألف سهم وسهم ، واعتليتُ عرفة وبِتُ وحلقتُ ونحـرتُ سبع ” أبى وأمى وولديّ وصاحبيّ وبنتٌ لجار أرادت الموت حرة , وتزينتُ بشارة اللقاء البيضاء , وصلّيتُ فى حِجر المطاف ووقفتُ أوزع نحرى “عينى وكبدى و قلبى وفـؤادي” وأذنت فى المارة هذا نحري هذا هديي لا إبل ولا شاه , ضحكوا وسخروا ولم يلبوا النداء , كررت النداء مرة تلو المرة حتى تصبب عرقى وتحجر حلقي , فإرتشفتُ من زمزم شربة ماء فكان الماء مرًا , تمنيتُ أن يكون هذا كابوسًا أو طيفًا من جنون أو أي شيء غير الحقيقة لكنها كانت الحقيقة المرة ، توشحتُ بالأسود وانتظرتُ الفجر كي يكفن تلك الليلة السوداء أو مطر يغسل الأرض وملايين العيون التي نامت تحتضن البكاء أو تحملني الأقدار للحظة حظ ويلحقني الموت بالحرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى