أي خطأ قلناه

نداء يونس | فلسطين

 

وبعض العشق لا يقرأ إلا كطقس؛

وأما التمارين فإنها استحضار للغيب وتغييب لأشكال الحضور،

وأما الحديث عن الطهارة فإنه لا يكون إلا بالصمتـ،

وأما العرش فإنه “الصوفا” في زاوية تحرك منها العالم.

وأما الرموز فإنها تطبيع للعلاقة مع الغريب يقتلها الوضوح،

وأما الفهم فإنه مراد اللذين اعتادوا الراحة مع النقطة آخر الجملة،

وهذا ليس مرمى العاشق ولا مقصد كلامه الذي يقطره في مختبر اللغة

يتكثف ثم يشف حتى يخفي الوجود ويسيل حتى لا يصبح لأي حجر قدرة على ادعاء الصلابة،

ففي العشق لا تكون الصلابة إلا بمقدار السلامة من وعورة الذي لا يرى،

ليس هو بل الأنا.

 

أنا المستهام المرتجف المرجف المبتلى

الدائخ الراجف البعيد الغريب العصي

المنكسر المتوحد الألِق الغامض الماجن الطاهر

الصامت بالكلام؛

إن عرفتنُي عرفتك وإن رأيتُني رأيتك وإن وصلتُ إلى آخري امتلكتني؛

الآن تعرف لماذا متاهة النص حجر للقلب، لا أريد اجتيازه

ولا الكف عن الدوران.

 

هنا؛ فيزياء للخيال

هنا؛ الظاهر سائل والباطن أزميل يستخرج من باطن الحجر التمثال

وهنا؛ أغيّر الإطار لتتغير الصورة

هكذا يصبح المعنى مجرد لعبة؛ لعبة الأنا

لعنتها،

التي تقصي بقدر ما تحمل من اقتراب.

 

لترقص؛

هنا.

 

ليس من حلبة ولا متفرجين

ليس في الصمت إلاك/ي

أو أنا ولا أرى أحدا سواك/ي.

لا طريق للخروج

ولسنا في الداخل،

أي حد؟

 

استوحش،

النقطة آخر السطر خديعة

للنساك

الذين لا يبتدعون الطقوس

ولا يذهبون بعيدا بعيدا؛

لا هنا ولا هناك،

أي حد؟

أول الإشارات هنا الانشغال بالصمت،

هذا الانتقال في المكان،

وهذا التنقل بين الكلمات،

ها نحن نقرأ الآن

مثل المجذومين أو المصابين بالذهان،

وها نحن نقرأ الآن

مثل التائهين في الأسواق؛

مثل نجنسكي يعبر شوارع الغرب

يقول: أنا الله!

 

أي خطأ لم نقله،

اي خطأ قلناه،

أي خطأ قتلناه

حين اتفقنا على هندسة الطقوس،

وحين أصبنا بالصمت والعماء

من مسافة لا نظل منها على أي اتجاه

سوانا،

نحن من نَسِعِ الاتجاهات

ولسنا أكبر من قبلة البحر المتعب.

 

كنت الطقس الرعوي في كتاب آلهة كنعان،

وكنت أتلقى القرابين على رؤوس الجبال،

الآن أيضا،

لكنه التحول الطفيف في الإطار: أنا قربان ذاتي،

أي حد؟

 

ماذا أردت من الكتابة؟

نافذة تظل عليك؛

ومن الحرب؟

نافذة تطل علي.

 

أحب أغرق انجو أسقط أعلو أضيء أخبو

أُلحد أؤمن أدور أقف أحضر أغيب

أسجد اقوم أُخلِق أُخلَق أجبن أحارب أختنق

أهتز أثبت أصغي أحكي أصمت

أصعد إلى مركب جنائزي أصلي عليَّ

أشهق أبكي أحن أشف أجف وأرجف

لكنني لا أضع فواصل بين هذه الحالات/اللغة

لهذا يظنها الجميع كلمة واحدة

وأنا؛

أصرخ.

أحسن بالذنب بلا سبب،

زيادة في التشتت لم أعهدها من قبل،

أرى بحرا ولا بحر في بلدي،

ونهرا ولا نهر سواي،

الغيم مقطر في الأفق مثل رحيق الورد في القوارير

التي اشبهها:

في القابلية القصوى للانكسار

كما في القابلية القصوى للاحتواء

كما في الشفافية،

الحب يعبرني ولا يقف،

لكنني أضيء مثل وجه الله،

أعلو مثل نخلة في كتاب،

أضيء؛ ولا أرى إلا بعينين مقفلتين.

 

لا تنقصني:

حكمة المجذوبين ولا بصيرة الكاهنات

لكنني أغرق في الشك

والتشتت

والشفافية

والشوق

والشعر

والشروخ،

كالأشرعة في السفن التي تغرق،

كالشوك

في الوحدة والنظر والاحتمالات،

كالشمع في الذوبان.

 

أحب صوتك؛

رجفة صوتي،

يدك؛

رجفة يدي،

المكان: لأنه لا يجمعنا الا كفكرة لا اريد ان يعرفها أحد.

 

نحن البسطاء

-مادة الغيب في تأكيد الحضور،

الحجة على ما لا يرى،

فك التشفير وتعبئة الفراغات المنطقية والوجودية-

ندفع ثمن إعلان إشهاري ولا أحد يهتم بالتأكد من الجودة،

لهذا يكتفي العابرون بالتلصص

على ملصق كبير أبدو فيه وحدي

ولا يرون سواك،

شفت، قلت لك: نحن مرايا،

أو إنني أنت،

وتقرأ بالاتجاهين كأي ورقة نقدية نرشو بها الغيب.

 

في شارع لم يحمل اسمي أمشي

أزيح الأغصان الغارقة في الكثافة،

والتاريخ الموغل في الرمل عن شرفة وحيدة في روحي

تطل على جهة لا أراها،

أمضي

أسَّمِي الأشياء كما أراها،

أستدخل المستقبل في حياكة كنزة للواقع

الذي يعاني من سوء التغذية،

ويسير بعكازات الماضي الذي يعاني من الروماتيزم

وأوجاع أخرى لا مجال لسردها

هنا على الأقل،

وعلى الأقل أيضا؛ بينما انشغل بإطلاق اسمك على وردة خضراء

غريبة وممتلئة

تقفز عن سور اللحظة

كما لو كانت تسيل،

أو تعزف الهواء،

وهي تتمتم باسمي.

 

أكتفي بالسير حافية

على جسدك الذي نجا من محارق الرمل واللهب

على قيدي؛ هذا الجسد.

 

أضيف، ليس هذا مشهدا إيروتيكيا،

ليس لقطة من فلم بورنو لا تعرضه شاشات التلفزة المحتشمة

أو على الأقل ليس للإشهار العلني

–  ليس لأسباب تتعلق بالفضيلة

بل لأن التفاصيل تقتل التخييل والرغبة –

بل إنه كتابة للخطوات التي لا توصل إلى خط النهاية.

 

لم أكتب هذا النص إلا لأنني أريد أن أطمئن على اللغة؛

أما زال يمكنها أن تلتقط هذا الجنون في رأسي

وتقدمه حتى لو كوجبة أصداف بحرية

لا يستسيغها الشرق

الغارق في ذائقة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى