قصيدة (لا لقاء) للشاعر طارق المأمون المحمد وحوار نقدي حولها

طارق المأمون محمد |  السودان

ننثرُ الشوقَ بعيدا عن مسار الضوء في مسرى العيونْ
ثم نُجري صَهوةَ التوقِ على ظهر الهباءْ
و المساء الحر يخشى من تراتيلٍ تشظّتْ
حين مدّتْ آهِ أعناقاً مضت في غيِّها نحو الشقاء
و العيونُ اللعسُ يغشاها الكَرِى في خِلسةِ الغَسَقِ الحزينْ
ما لَها مِن حُزنِها غيرُ الجفونِ الواجماتْ
حيثما كان الأسى يلتاعُ…مِن فيحِ الشجونْ
مالأتْها لثغةُ الألَمِ المُبينْ
حين كان الشوقُ يبكي
معلناً…. أن لا لقاء

شاءتِ الأقدارُ … مثلُ الشوقِ جاءت مِن تهاويلِ الجنونْ
أمرَ لقيانا و لكن…
كبّلتنا شِقوَةُ الماضي التي نُقِشَتْ على حُفَرِ الجبينْ
شاءتِ الأقدارُ لكنْ
بعضَ أقدارِ الحياةِ البِكْرِ مِنْ حظِ ِ الفناءْ
شاءتِ الأقدارُ رُغمَ الريح عاتيةِ الجفاءْ…
أمرَ لُقيانا….و لكن…
أعملتْ فينا نواميسُ القلوبْ…
أمرَها المكنونِ في لوحِ البقاءْ
لا لقاءْ

شاكَسَتْني بعضُ آمالٍ تَملّكَها الحنينُ
و طيفُ ذِكرَى
هائماتٍ في غواياتِ العيونْ
عالقاتٍ في تلالِ الفقدِ عَاليةِ الصُخور
بينُ أشجانٍ هَوتْ كالبرقِ رعناءِ الضجيجْ
وانتضتْ أنفاسُنا الوَلهَى.. كثيراً
منْ لظىً يمتارُ مِنْ خَوفي و مِن بعضِ النشيجْ
حانتِ اللقيا وعيني ذي تراهُ…
ينظرُ الآهِ التي ندّتْ بلا إذنِ الخروجْ
مِنْ فؤادي مثلما خانته آهْ
تاهَ في فوْضَى المشاعِرِ مُطرِقاً مِثلِي
و مِثلِي في جموع الناس تاهْ
ثم أمضي..
مطرقا قلبي ..و يمضي…
حيث جاء…
بلا لقاء

غرباء …
غرباء …
غرباء

تعقيب ثناء حاج صالح

أخي وأستاذي الكريم الشاعر الراقي المبدع طارق المأمون محمد
كانت أنفاس القصيدة حزينة على طول مسارها المكتظ بالألفاظ المتناغمة بعضها مع بعض والمتشعبة في دقائق التشبيهات والصور البيانية الناعمة ( القصاصات ) التي تتقافز وتتطاير في فضاء القصيدة لترسم عاطفتها دون أن تضخِم الصور الشعرية وتجعل لها مركزاً واضحا.
فكرة القصيدة الرئيسة أن ( لا لقاء) تبعث الشجن والحالة النفسية الرومانسية تستطيع اكتساب تعاطف القارئ، ولكن هذا النسيج اللغوي نسيج عام وينتمي في أسلوبه إلى سمات وخصائص المذهب الرومانسي ( وخاصة في بدايات شعر التفعيلة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ) في كليته وفي تفاصيله أكثر مما ينتمي إلى سمات وخصائص الشعر التفعيلي في أيامنا هذا .
ستسألني : ما الفرق ؟
الفرق هو في سعي اللغة الشعرية ومحاولتها لتفجير نفسها عبر مفاجآت الصورة الشعرية أو أسلوب المباغتة وفي التقاط الأفكار والتعبير عنها ، في اللغة الشعرية المعاصرة ( في أيامنا هذه ) . فالقصيدة التي تخلو من عناصر الإدهاش التي أشرت لبعضها أصبحت رتيبة الوقع في الأذن . حتى ولو كان إيقاعها جميلا وموسيقاها الداخلية عالية . وكذلك العاطفة الصادقة والواضحة والقوية لا تكفي .
بعبارة أخرى : لا ينبغي لنا أن ندخل في قراءة قراءة النص ونخرج منها بسهولة . بل بجب أن توقعنا القراءة في مأزقها وإشكالها الجميل الذي سنبقى عالقين فيه حتى بعد خروجنا من القراءة . وهذا يعني أنه لا بد من التركيز على صنع المفارقة المعنوية والجمالية . وأنا لم أجد في هذه القصيدة تلك المفارقة المعنوية التي أبحث عنها ، لا في التصوير الشعري ولا في اللغة.
تحيتي وتقديري

رد الشاعر طارق المامون محمد

أجدني شديد الإمتنان لأختي الفاضلة الناقدة البصيرة و الشاعرة القديرة ثناء في نقدها الجمي المفيد حقيقة و الذي كتبت عنه في دفتري ما يفيدني لاحقا كما يفيدني نقدها و نقد كثير من الأدباء الأكارم دائما وهو من كرم محبين لا قلم شانئين كما أعلم و أظن.
و لأني أب لهذه القصيدة أحب أن أرمي ببعض مرافعة نقدية عنها مفيدة في ظني تثري النقاش وتنميه.
مما تعلمته منك وعنك حسن الاهتمام بالنص و النص كالجنين في رحم أمه إن اعتنت به نما و خرج سليما معافى يفرح من أنجبه وكلما كثرت العناية به ازداد جمالا و قدرا .
قليل من الشعراء من يكثر العناية بنصه قبل ولادته بعكس الشواعر من النساء التي تجد العناية بنصوصهن بائنة تميزهن عن نصوص الرجال و أكاد أتبين نص الأنثى قبل أن أقرأ اسم من كتبه و إن كنت كثيرا ما أقرأ النصوص لأجل من كتبها ولذلك يقل الارتجال عندهن لا لضعف في الصنعة و لكنه حب الاتقان و التجمل المجبولات عليه.
و لئن حاولت الخروج من عباءة اب النص الى عباءة ناقد يحاول الحياد فإني أدون بعض الملاحظات منها
العنوان الذي وسم النص و أطره و العنوان سمة يتميز بها الشعر الحديث لأنه يحدد مسار القصيدة كطبع أهل الحداثة عموما في تأطير أفكارهم و تحدبدها، و بعكس الومضات القصصية ذات العنوان الذي يذهب بالقارئ الى ما يريد الناص لا الى ما يريد النص باعثا التوتر بين الإرادتين لدى القارئ وهو ما يحقق الإدهاش في الومضات القصصية، فالعنوان في القصيدة يذهب بالقارئ الى ما يريد النص و الناص معا وهذا ما حاولت فعله هذه القصيدة بأخذ القارئ عبر عالمها و مفرداتها و إيقاعها و موسيقاها المتنامية الى إدهاش الانفعال العاطفي الواعي منذ العتبة الأولى الى ما يريد النص و ناصه أخذه إليه. فالقارئ يعلم منذ الوهلة الأولى أن لالقاء هو خلاصة هذه القصيدة وهو يعلم أنه مساق ليحقق متعة الانفعال يصورة تجسد العاطفة ودهشته الحقيقية تكمن في الوصول الى هذه المتعة.
ا
مما ذكر في تعليقك الجميل الذي أثار هذا الرد وه مما أضفته الى دفتري وتعلمته مصطلحات أدبية مثل قصاصات متناثرة من الصور البيانية ، تضخيم الصورة الشعرية و مركزيتها ، مأزق القراءة و إشكالها الجميل ، التركيز على صنع المفارقة المعنوية و الجمالية .
لك الشكر و الثناء يا ثناء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى