ما سرُّ جمالِ هذه الأبيات؟ من أينَ يشعُّ الجمالُ فيها؟!

مجد القادري | سوريا

قال المُنخَّل اليَشكُري:

وَلَقَدْ دَخَلتُ على الفَتـاةِ

الـخـدرِ فـي الـيـومِ الـمَـطِــيـرِ

///

الكـاعـبِ الحسـنـاءِ تـــر

 فُـلُ في الدِّمَقْسِ وفي الحريـرِ

///

فـدفًَـعَْـتُـهـا فَـتَـدافَـعَـتْ

مَـشْـيَ الـقـطـاةِ إلـى الـغَـديــرِ

///

وَلَـثَـمْـتُـهــا فَـتَـنَـفَّـسَـتْ

كَـتَـنَـفُّــسِ الـظَّــبْـيِ الــغَــريــرِ

///

فَدَنت وقالت يا مُنـخَّـلُ

مــا بــجــســمــكَ مــن حَــرورِ

///

ما شَفَّ جسمي غيرُ حُـ

 ــبِّـكِ فـاهـدئي عـنِّـي وسيـري

///

وأُحــبُّــهــا وتُـحِــبُّــنــي

ويُــحِــبُّ نــاقَــتَــهــا بــعـيــري

إن من أسرارِ الجمالِ التي تبدو لي في هذهِ الأبيات “الحيلُ التعبيرية”؛ (التأثرية وتسجيل الخبرات بترتيب إدراكها في الذهن)، فقد عبر الشاعرُ عن تجربته بهذا الأسلوب الطريف حين أخبرنا بأنه دخلَ على خدر الفتاة العفيفة المصونة في يومٍ عصيبٍ ماطرٍ يظلُّ فيه الإنسان في بيته، أما هو فقد خرجَ للقائها، ثم يؤكد الشاعر عفَّتها بوصفها أنها فتاةٌ حسناء كاعبة النهدين حديثة النشأة، وأنها فتاةٌ غنية ثرية صعبة المنال وصعبٌ الوصولُ إليها، إذْ ترفلُ في الحرير وفي أجود أنواعه، مما يضفي عليها جمالاً آخر، وعلى الرغمِ من تلك الحواجز الاجتماعية والطبيعية استطاع أن يجتاز ويدخل عليها، وفي ذلك جرأةٌ منه، وموقفٌ فيه مغامرةٌ عبرَ عنه بأسلوب جميل، فحسَّنَهُ بأسلوبِ تعبيرِهِ على الرغم من أن الموقفَ قدْ يكونُ قبيحاً ومرفوضاً في المجتمع. فدفعها وصدعت لأمره فتدافعت ومشت إلى حيث الارتواءُ، كمشي القطاةِ إلى الغدير، وفي هذا التعبير صورةٌ غايةٌ في الجمالِ والروعة، وهو سرٌّ آخر للجمال، حيث شبَّه تدافعها كتدافع القطاةِ إلى الغدير، وحيث دفعتها قوةُ الغريزةِ التي فاقت العادات الاجتماعية، ولما قبلها وقبلته واتَّحدَ جسمُهما وقلبُهما تنفست كظبي غرير حديث النشأة لم يختبر الحياةَ بعد، والظبيُّ الغرير رمز الرقة والرشاقة والبراءة، فلما دنت منه ببراءتها رأت منه على غيرِ عادته فقالت متعجبة: ما بجسمك يا منخلُ من حرورِ؟! والحرور هو حرُّ الشمسِ، فأجابها أن ما شفَّ جسمَهُ هو حبُّها، وشفَّ: ضَعُفَ ونَحُلَ، فجعل ما به بسبب حبها، وقال لها: اهدئي علي، وسيري فيما أقومُ بهِ، ثمَّ أخبرنا بأنَّ هناك علاقة حبٍّ بينه وبينها (وأحبها وتحبني) بدليلِ أنها ذكرت اسمه (يا منخل) حتى فعلَ ذلك كله وامتثلت هي لأمره، وأكدَ تلك العلاقة بينهما بأسلوبٍ لطيفٍ وغاية في الطرافة حين عكس هذه العلاقة على بعيره وناقتها (ويحبُّ ناقتَها بعيري) وهذا سرٌّ آخر للجمال من منفذ الطرافة والفكاهة.

وهناك منفذٌ آخر للجمالِ وهو الجرْسُ الموسيقي العذب للكلمات والحروف واتساقها وتناسبها مع بعضها، والإيقاعُ الخفيف الرشيق وانتظامه وبدا في شكل مجزوء الكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى