ملاحظات حول مظاهرة أم الفحم (1)

أمير مخول | حيفا- فلسطين

الحدث المحوري في مظاهرة أم الفحم هو مظاهرة أم الفحم، فقد التقت جماهير شعبنا في عظمة الحشد وجهورية صوت الشعب في مواجهة الجريمتين معا – جريمة العصابات ودفيئتها المتمثلة بتورط الدولة وشرطتها في السعي إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني في الداخل وتدمير بنيته ضمن مخططات أكبر.

كل ما جرى على هامش المظاهرة الجبارة يبقى هناك، وكما لم تشعر به غالبية الجماهير المشاركة، فلا يعقل ان يحظى بحشد اعلامي اكبر من المسيرة التي كنست الاحباط وعمّمت الأمل في نفوس الشعب ليس فقط في الداخل وإنما كل شعبنا الفلسطيني وشعبنا العربي، يكفي ان نمر على ردود الفعل الإعلامية وعلى وسائل التواصل كي نرى عظمة الأثر.

قد تدعي شرطة غسرائيل بقرار حكومة نتنياهو ما تريد بشأن إغلاقها الشوارع الرئيسية المؤدية غلى أم الفحم، لكن أهل الوطن أدرى بشعابه، لتتسع هذه المدينة لشعب قوي موحد، وليخترق حتى المجتمع الاسرائيلي نفسه ليحضر المئات منه الى عاصمة الحدث، وبالذات كي يشحنوا أنفسهم بطاقات شعبنا.

الحقيقة الساطعة في غغلاق الطرقات عن ام الفحم، هي اعتراف الدولة وأجهزتها القمعية بانها غير قادرة على مواجهة مثل هذا الحشد. صحيح أنها تملك كل العدة والقوات والعتاد، لكن في مواجهة الإرادتين ليست هي الأقوى. وفي المواجهات غير المتكافئة من حيث القوة، يكفي أن تعطّل جماهير شعبنا قوة بطشهم ولا تستطيع الدولة استخدام هذه القوة وتحمل مسؤولية نتائجها.

– خيط رفيع جدا، ما بين الاحتجاج والاعتداء

كل اعتداء جسدي أو كلامي مدان مهما كانت دوافعه، وكان من كان منفّذه.

التعبير عن الرأي والهتاف ضد شخصية قيادية ليس غير شرعيّ، بل إنه حق، وبين الحق وممارسة الحق قد تدخل اعتبارات اخرى ساتعرض لها لاحقا.  لم يكن الهتاف ضد النائب عباس من منطلق شخصي او حزبي، ولم يكن باسم المظاهرة، وانما كرد فعل عفوي من افراد أو مجموعة صغيرة على نهجه السياسي وتصريحاته التي تخفظت عليها حتى حركته السياسية، سواء بشأن إشادته بدور الشرطة الاسرائيلية  ام بشأن الاسرى وتصريحاته الاخرى الغريبة على الخطاب الوطني، وهي امور مست وتمس في وجدان الناس حتى وإن تراجع عن الاخيرة منها.

في كفر قرع، وقبل أسابيع معدودة قامت مجموعة من الجمهور المشارك في هبة الغضب إثر جريمة قتل الشاب سليمان نزيه مصاروة، باعتراض تظاهري، لا يتميز باللطافة، وبإسم الغضب، سعيا لمنع رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة من إلقاء كلمة وحدوية باسم الجماهير العربية، وجرت مهاجمة كل القيادات الحزبية، وللتنويه فإن موقع رئيس لجنة المتابعة يفوق في أهميته موقع عضو كنيست. إنه رئيس الاطار الكياني القيادي لكل القوى الوطنية سواء التي تخوض انتخابات الكنيست ام تقاطعها. وقد تصرف رئيس المتابعة بمسؤولية عالية ورفض التوقف عند الحدث الهامشي، على حساب الحدث المركزي وهو هيبة الحزن وهبّة الغضب على جرائم القتل وتواطؤ الشرطة الاسرائيلية.

والشيء بالشيء يذكر، حين اعتدى رئيس بلدية الناصرة علي سلام كلاميا على النائب ايمن عودة بلغة تهديدية وعبريّة معا، وحاول طرده من الناصرة، وعمليا قال له “إطلع برا”، سكتت الكثير من الاصوات التي نسمعها اليوم. وذاك فيه خطورة لان الاعتداء المذكور صدر عن شخصية قيادية ومنتخب جمهور، والذي كال المديح الشخصي والسياسي لنتنياهو واغدق في مديح الليكود!! وخطورة التكييل بمعيارين في التعاطي مع مثل هذه الاحداث هو أنها تمنح الشرعية لها وتسقط البعد الاخلاقي.

حين منعت محاضرة للقيادية عضو الكنيست عايدة توما، في قلنسوة ونتيجة تهديدات فعلية ترفّع الكثيرون عن ابداء الموقف، وادانة التهديد.

هناك خط رفيع بفصل بين الاحتجاج والاعتداء، وكل مس بأحد جانبيه يعني استغلالا للحدث من اجل مكاسب جانبية. من حق النائب عباس المشاركة في المظاهرة، وبالاساس واجبه، ومن حق من يرى صحيحا ان يحتج على نهجه وتصريحاته النقيضة لروح المظاهرة، لكن الاحتجاج شيء والتهديد ومحاولة الاعتداء شيء اخر، الاول شرعي والثاني مرفوض.

لكنني لن امر مر الكرام على بُعد آخر، واقصد وضعيتنا في هذه البلاد، فهناك مبدأ “تنتهي حرية الفرد حين تبدأ حرية سواه”، وتضع وضعيتنا علينا ثقلا اخر في التعامل مع هذا المبدأ، وهو الاخذ بالاعتبار عامل المسؤولية الذاتية والسياسية. وهو الالتزام بالمظاهرة وبأهدافها ونظامها، وإذ لا اقبل اتهام الافراد الذين هتفوا ضد النائب منصور بأنهم دخلاء او سهولة التشكيك في وطنيتهم، اقترح ان لا نتسرع في توزيع الشهادات السهلة، او الاكثار من طهارة الخطاب واعتبار ما حدث هو “الخط الاحمر”، الا اذا جرى اعتماد ذات المعيار في كل انتهاك.

خيرا فعلت لجنة المتابعة والاحزاب كلها والقائمة المشتركة والحراك الفحماوي وبلدية ام الفحم بأن اصدروا مواقف واضحة لا تقبل التأويل ولا تحتاج الى تفسير. وأخطأت القائمة الموحدة بأن أكالت التهم الى احزاب بعينها، وحين تعاملت مع الحدث للكسب الانتخابي معطية اياه حجما يفوق مظاهرة ام الفحم كلها. ففي الاتهام غير المتأنّي وغير الدقيق تعميق للشرخ بدلا من معالجته.

روّج بعض الاعلاميين البارزين والمراسلين الى الحدث بوصفه انتخابيا اي لمصالح انتخابية، وبذلك فقد أساءوا للحقيقة  ولمصداقيتهم هم، فمثل هذه التحليلات تلائم الاعلاميين الاسرائيليين المستشرقين وبالأحرى المستعربين. إن السعي الاعلامي لاضفاء نزعة انتخابية على الحدث فيها مسعى انتخابي ودفع للتاثير على الانتخابات باتجاه معين.

لكن وكي لا نحيد عن الجوهر، يبقى الحراك الفحماوي هو الحدث وهو الاطار، ويبقى نموذجا ناضجا متطورا من نمط الفعل الشعبي المؤثر والهادف. هذا ما يستحوذ اليوم على اوسع اجماع وإسناد، إنه طريق الشعب لإحقاق الحق. كل التحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى