سوالف حريم.. التجربة الأولى

حلوة زحايكة | القدس

شعرت بالقلق لا أستطيع أن أنام، الفجر على وشك أن يبزغ، وأنا أتقلب بالفراش، وأشعر بالتوتر، ففي الصباح سيكون اليوم الأول لطفلي البكر، الذي سيغادر حضني للمرة الأولى، وسيبقى بعيدا عني لساعات، لم أتعود أن أفارقه يوما، ما عدا الفترة التي بقيت بعيدا عنه عندما وضعت أخاه الثاني، وكانت ليست بإرادتي، إنه بداية العام الدراسي، وعليه أن يلتحق بالمدرسة للتعلم، إنه ابن الخامسة، ذو البشرة الشقراء والوجه المستدير كوجه القمر الصافي عندما يكون بدرا، والعيون العسلية والشعر المتوج بالخصل الذهبية، تلمع على رأسه كخيوط الشمس المتوهجة، تتلألأ على رأسه، غافلني التعب والإرهاق فغفوت قليلا واستفقت على المنبه يعلن الساعة الخامسة فجرا، نهضت مفزوعة مرعوبة، لا أريد أن يحل الصباح، ولا أريد أن أفارق فلذة كبدي، لكن لكل شيء أوان سواء رضيت أم لم أرض، كعادتي اليومية خرجت من البيت وبدأت بري مزروعاتي على استعجال، غير آبهة هذه المرة بطريقة الري أو الانتباه إلى المزروعات وهذه ليست من عادتي، حتى النباتات شعرت أنها هي الأخرى تشكو مني ومن طريقة ريها وهي تتحدث مع بعضها البعض، وقد شعرت هي الأخرى من توتري المتزايد مع اقتراب الوقت للفراق للمرة الأولى، وأحسست أن نباتاتي تشعر معي هي الأخرى ووجدت العذر لي، وتحس بما أحس لذلك لم تؤنبني بطريقة ريها، أنهيت بسرعة وعدت إلى الداخل، نظرت إلى الساعة فكانت السادسة، فقلت بيني وبين نفسي ما زال الوقت باكرا على إيقاظه، أو هذا ما اريده أنا، توجهت إلى المطبخ وحضرت له عصرونة مكونة من اللبنة، ووضعت عليها قليلا من الزيت، وشرحت قطعة خيار وشرحة بندورة ووضعتها بداخل السندويش، وحضرت زجاجة ماء، ووضعت بسكوتة أيضا، وحضرت كوب حليب لكي يتناوله، نظرت مرة أخرى إلى الساعة فكانت السادسة والنصف، توجهت إلى سريره وأيقظته، وقمت بتحميمه وتلبيسه طقم جينز فاتح وتحته بلوزة بيضاء، لم يكن هناك زي رسمي للمدرسة للصف التمهيدي، ثم ارتديت ملابسي أنا الأخرى لكي أرافقه إلى المدرسة، حملت حقيبته وتوجهت إلى السيارة، كان زوجي بانتظارنا، أجلسته في المقعد الخلفي، وربطت الحزام وجلست بجواره، وصلنا المدرسة الكلية الإبراهيمية بالقدس، كان الدوام فقط للأطفال الصغار في ذلك اليوم أمسكت بيده وتوجهت به إلى قسم الأطفال، وصلت إلى صفه… تناولته المعلمة، وطلبت مني أن أغادر فورا، وأقفلت الباب.
كان هناك شباك من الزجاج في الممر على ارتفاع متر ونصف، نظرت خلسة من الشباك، فوجدته يجلس والدموع تترقرق في عينيه وهو يحاول أن يمنع سقوطها، شعرت بأن قلبي يتمزق عندما شاهدت الدموع في عينيه، وودت أن أقتحم الصف وآخذه وأعود إلى البيت، لمحتني المديرة وقالت: يجب أن لا أنظر من الشباك، جلست على المقعد الموجود تحت الشباك بالممر، في كل لحظة أنظر إلى الساعة متى سيمر الوقت، وينتهي اليوم، اتصل زوجي يلح علي بالعودة إلى السيارة، لأنه يريد أن يذهب إلى العمل بعد إيصالي الى البيت، وصلت البيت لا أقوى على عمل أي شيء متوترة لا أجيد عمل شيء، طهوت وأنا لا أعرف كيف أطهو كأنها المرة الأولى في حياتي ، وفي كل لحظة أنظر إلى الساعة، وما إن صارت الساعة واحدة، حتى خرجت من البيت أقف بالشارع أنتظر عودته وعيوني تراقب كل من يمر بالشارع وبتوتر شديد، متى سيحضر؟ لماذا تأخر كل هذا الوقت؟ اتصلت بزوجي أخبره بأن طارق لم يعد، الساعة الواحدة والنصف ولم يصل، لكنه أبلغني أنه على وشك الوصول، ربما هناك أزمة سير، بسبب اليوم الدراسي الأول، كان يوما صعبا وشاقا علي، وما إن وصلت السيارة ونزل منها حتى شعرت بأن روحي ردت إليّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى