الفعل ” وسوس ” صحيح أم معتل؟

الشيخ طاهر علواني | مصر

لا أعلم خلافا بين أهل العلم الذين عليهم المعول في أن الكلمة متى كان أحد حروفها الأصول حرف علة، فإنها معتلة، سواء جرى عليها الإعلال، أو عُدم مقتضاه.

فإن قلت: لأي قبيل ينتمي نحو وعوع ووسوس؟ أإلى أصناف المعتل هو، أم إلى أصناف الصحيح؟

قلت: كلاهما معتل الفاء واللام الأولى؛ إذ كانتا واوين، جرى عليهما الإعلال أو لم يجر.

فإن قلت: إنّا لم نجد لإحدى الواوين سبيلا إلى الإعلال في جميع تصاريفه، فكيف يكون معتلا؟!

قلت: لا يلزم من وجود حرف العلة وجود الإعلال؛ ألا ترى أنك تجعل القول معتلا، وإن لم تعتل واوه؟ وإنما ذلك لأجل أن الواو ليس فيها ما يقتضي الإعلال، ولم تفرق بينه وبين قالَ، بل جعلت كليهما معتلا؛ وما ذاك إلا لوجود حرف العلة.

فإن قلت: إنما قضيت بأن المصدر معتل؛ لاعتلال فعله، وليس في وسوس ونحوه إعلال البتة!

قلت: خالفتَ أصلك؛ لأنك لم تسم المعتل معتلا إلا لحصول الإعلال، فيلزمك أن يكون نحو القول والبيع، معتلا غير معتل، وهذا خلف! أما وسوس، فإن الإعلال لا يكون فيه؛ لعدم مقتضاه، وإنما قيل معتل؛ أي فيه حرف يقبل الإعلال متى وجد ما يوجبه أو يجيزه؛ ألا تراك لو سميت رجلا بوسوس، لقلت في تصغيره: وُسَيّس، ولجاز أن تقول أُسَيِّس كما قلت أُجوه، ولو بنيت منه مثل اِطْمَأَنَّ على لفظه، لقلت اِيْسَاسّ، فقلبت الواو ياء لسكونها إثر كسر، وقلبت الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؟ فليس المراد حصول الإعلال وعدمه، بل وجود حرف يقبل الاعتلال.

فإن قلت: فلمَ لمْ تهتم العرب بإعلال الرباعي؟

قلت: هذا كلام غريب؛ لأن العرب قالت قوقى وضوضى وعاعى وحاحى، فأعلوا الواو الثانية من قوقوَ وضوضوَ لما وقعت رابعة فقلبوها ياء، ثم قلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكذلك قالوا في عاعيت وحاحيت، فالأصل عيعيت وحيحيت، والمصدر العاعاة والحاحاة.

فإن قلت: هذا يلزمك؛ لأن الواو والياء في هذه الأفعال معتلة، أما وسوس ووعوع، فمصححة، وهذا كلامنا!

قلت: بل هو لازم لك؛ برهان ذلك أن الواو والياء في قوقيت وعاعيت لمّا وجد فيهما ما يقتضي الإعلال، أُعلتا، وليس في وسوس ما يقضي بالإعلال، فأعلوا ما فيه موجبه، وتركوا غيره. وجه الدليل من ذلك أن الرباعي يكون فيه الإعلال متى وجد موجبه؛ ألا ترى أن الواو الأولى من قوقى وضوضى، لم يجر عليها إعلال لعدم موجبه؟ فكذلك وسوس، وإن كان هو في نفسه يقبل الإعلال متى وجد مقتضاه.

فإن قلت: إن ابن مالك جعل وسوس صحيحا!

قلت: هذه مغالطة يقصد بها التشغيب، وما كان لمثل ابن مالك أن يحكم بهذا، بل قال إن حروف وسوس كلها أصول. يريد أنه ليس من باب كبكب ولملم. ولم يعرض لإعلال أو تصحيح.

فإن قلت: فلم كثر الإعلال في الثلاثي ولم يكثر في الرباعي؟

قلت: هاهنا ينبغي الوقوف؛ لأن فيه فائدة لطيفة.

اعلم – هدانا الله وإياك إلى الاتباع- أن الفعل أصل في الإعلال، وأن الاسم الجاري على فعله يعتل باعتلاله، ويصحح بتصحيحه.

هذا، وإن الفعل الثلاثي ليس فيه حرف ساكن في كل أبنيته، فإذا وقع حرف اللين فيه، فلا يجوز أن يسلم من الإعلال؛ إذ مقتضاه موجود لا مفر، فنحو قال وباع وخاف ورضي ودعا ورمى وغيرها، وجد في جميعها مقتضى الإعلال، فلزم إعلالها، وكذلك وعد ويمن، ففي تصاريفه مقتضى الإعلال كيعِد يُوْمَنُ إذا بنيته للمفعول؛ فقد رأيت أن الثلاثي لا ينفك عنه الإعلال؛ لأن حرف اللين متحرك وما قبله متحرك، فينبغي أن يُعل.

أما الرباعي فمثاله فعلل كدحرج لا غير، فالعين منه ساكنة، فإن وقع حرف اللين فاءً فلا إعلال فيه؛ إذ ليس قبله شيء، وإن وقع عينا، فإما أن يصحح على الأصل كما في قوقى، وإما أن يُكتفى بجزء العلة فيقلب ألفا كما في عاعيت، والتصحيح في مثله هو القياس، إلا إن كان السماع بخلافه فيتبع، وإن كان حرف العلة موضع اللام الأولى كوسوس، فليس فيه مقتضى الإعلال؛ إذ ما قبله ساكن، وإن كان في موضع اللام الثانية كضوضى، فلا مفر من إعلاله، فأعلّوه وجوبا. فقد رأيت أن الإعلال لا يقاس في موضع منه إلا ما كان من موضع اللام الثانية، وليس في غيرها مقتضى الإعلال.

فإن قال بعد ذلك: لم نصل إلى جواب؛ لأن الخلاف في الحكم على الفعل نتيجة الخلاف في تصحيح الحرف وإعلاله، فهذا لا يُكَلَّمُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى