من عته الملاحدة.. بين عمر بن الخطاب وأينشتاين

رضا راشد | الأزهر الشريف

حاور أحدهم زميلا له (تلميذا لى) فقال إنه: لا يرى عمر بن الخطاب الذى كان يسجد لصنم أفضل من إينشتاين الذى أثر بعلمه و نظرياته فى البشرية كلها.

وجاءنى السؤال: بم ترد ؟

فكان الجواب وبالله التوفيق من عدة وجوه:

أولا :

هذا التناقض الفج في المعيار الذي يتخذه للحكم على الناس .فالملاحدة يفترض أنهم يجنبون الدين معيارا للحكم على الناس ، فمالهذا الملحد استدعى الدين اليوم مقياسا للحكم على عمر ؟!!
واعكس القضية تدرك صدق كلامى، وتخيل ذلك الملحد يباهي بفلان وعلان من علماء الغرب البوذيين أو الوثنيين أو من عباد البقر …فإذا أنكرت عليه مباهاته ومفاخرته بهؤلاء المشركين رد عليك :وما لنا نحن بدينه أو بعقيدته؟!!! إنما شأننا واهتمامنا بمساهماته في خدمة البشرية ،زعموا =فما بال هؤلاء الملحدين اليوم يستخدمون الدين مقياسا للموازنة بين الناس، فيبحثون في سجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحافل بالبطولات الرائعة فلا يعثرون فيه إلا على أنه كان يسجد لصنم ؟!!…سبحان الله .

ثانيا :

وليته -إذ استخدم الدين معيارا للحكم على عمر- استقام له معياره ؛بل كشف للناس سوءته، فغدا أضحوكةً في ميدان الحجاج والمناظرة ؛إذ يجب أن يكون الحكم على الناس، باعتبار ما انتهى إليه أمرهم، لا باعتبار ما كان من ابتداء أمرهم ثم تغير ؛لأنه معلوم بداهة أن اللاحق ينسخ السابق، وأن الإسلام يجُبُّ ما قبله…وهذا المعتوه يتجاهل كل ما كان به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه محببا لدي المسلمين : من إسلامه، ومحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدته في الحق ،وخضوعه له ، وعدله ..إلخ، ليحاكمه إلى ما كان منه قبل إسلامه ..ولعمر الله إن تلك -إذن- لقسمة ضيزى.

ثالثا :

يتبجح هؤلاء الملاحدة باستخدامهم المقياس العلمى البعيد عن العواطف المجرد من الأهواء ،بل ويرمون غيرهم بالجهل المطبق؛ ثم لا تلبث أن تسمع كلامهم وتصغي لمحاورتهم فلا ترى إلا سفيها وقف به سفهه على أعتاب الجنون، فأبى إلا أن يكون مثار تندر الناس به وتفكههم بكلامه وعقله المزعوم..وهذا ما كان من هذا الصبي (الملحد)،حين أجرى مقارنة ومفاضلة بين شخصين في مجالين مختلفين (عمر ابن الخطاب في سجوده للصنم ،واينشتاين في نظرياته التى أسهمت في خدمة البشرية) ،وهذا مالا يقول به عاقل ؛إذ إن المفاضلة حتى تكون صحيحة يجب أن تكون بين مشترِكَيْنِ. وهذا ما قاله أئمتنا أهل النحو -الذين علمتنا قواعدهم منطق العقول قبل النحو – في تعريف أفعل التفضيل حيث قالوا : “هو اسم مصوغ على وزن “أفعل” للدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر فيها” .
ومعنى هذا أن المفاضلة بين غير مشتركَيْنِ في صفة مفاضلة خاطئة منطقيا وعقليا يا من يتبجح بأن العلم سبيله والعقل إمامه .
هل رأيت في الناس عاقلا يقول- مثلا – إن الشيخ الشعراوى أعلم في التفسير من د /مجدى يعقوب أو العكس ؟ وهبه تجرأ فقالها ؟فهل سيبوء من الناس إلا مرميا بكل نقيصة وازدراء؟
إن هذا هو عين ما قاله صاحبنا حين فاضل بين عمر الحاكم (مع استدعائه للسجود للصنم استدعاء في غير محله تناقض به مع سياق كلامه ثم مع مبادئه هو) واينشتاين العالم!
وكان الأجدر به أن يوازن بين عمر ومن تبوأ متبوأه من كرسي الحكم ..لكن هذا لو كان فيه عقل يؤمه أو منطق يرشده ..وهيهات هيهات .

رابعا :

وحتى تكون المفاضلة عادلة يجب أيضا أن تكون بين اثنين متساويين في كل الظروف الزمانية والمكانية والأدوات المتاحة لكلٍّ ؛إذ إن من الظلم المفاضلة بين طالبين أحدهما غنى قد هيئ له من أسباب النجاح ومقومات التفوق ما ينهض بالخامل إلى أن يكون اسما مشهورا وعَلَما مذكورا ،وآخر فقير مدقع لا يجد ما يسد جوعه ويروي ظمأه ويكسو عورته ،بله ما يحتاجه من كتب ومذكرات .وهذا ما كان من هذا الغليم :
حين تجاهل اختلاف العصور وتباين الإمكانات بين عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعصر أينشتاين .فهو كمن يقول إن فلانا الذي يعيش في عصرنا أفضل من فلان الذي عاش في القرن الرابع الهجري مثلا ؛لأن الأول سافر من مصر للسعودية بالطائرة خلال ساعتين والثانى سافر من مصر لأرض الجزيرة العربية بالجمل خلال شهرين ؟! أفتراه – لو قاله – أيجوز أن يؤخذ عنه أو يسمع منه؟ أين يا هذا عصر عمر من عصر أينشتاين؟! إن الحكم على الناس لا بد أن يكون في ضوء عصورهم هم ،وليس من العقل ولا المنطق في شيء أن نحاكم عصور هؤلاء لعصرنا فنطالبهم بما نطالب به أنفسنا .

خامسا:

إن ما قاله هذا الفلان لا يمكن أن نعده شبهة يرد عليها ؛لأن الشبهة هى ما لها نصيب من العقل يجعل باطلها يلتبس بالحق فيعمى أمرها على بعض الناس، إلا ماله بصيرة .
وهذا انطباع شخصي له عن عمر ،فهو يقول إنه لا يرى عمر أفضل من أينشتاين ..إلخ …وبمثل قوله ومذهبه يمكننى أن أقول له :(إننى لا أرى فيك رآئحة من عقل يشي بأنك إنسان بل ما أراك إلا حمارا في مسلاخ إنسان ) ويكون واجبا عليه أن يقبل هذا منى إن أراد أن أقبل منه قوله السابق.
°°°
إن هذا ليؤكد بوضوح أن ما تلوكه ألسنة الملحدين من اتخاذ العلم والعقل وسيلة للتفكير ما هو إلا تبجح وخطل ودعاوى فارغة من كل دليل أو برهان .
فاللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راض عنا واستعملنا اللهم ولا تستبدلنا، واهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لهداية كل من عميت بصيرته فراح ينكر الشمس في ضحاها بإلحاده وكفره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى