رحيل نوال السعداوي.. رائدة التحرر النِسوي والفكر الصدامي

القاهرة –  صبري الموجي

عن إيمانها بقضاياها الفكرية التي أدخلتها في صدام مع التيارات الفكرية خاصة الإسلامية، التي صبت عليها جام غضبها، واتهمتها بازدراء الأديان قالت : ” أصبح الخطرُ جزءا من حياتي، منذ أن رفعتُ القلم وكتبت، لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب”.

في قرية ” كفر طحلة” بمحافظة القليوبية ولدت د. نوال السعداوي التي غيبّها الموت أمس عن عمر ناهز 90 سنة كانت حافلة بالعديد من الإنجازات الفكرية الداعية للتحرر، ورفض القيود الدينية والمجتمعية، والآراء المثيرة للجدل، التي أوقفتها علي خط النار.

بداية القصة تعود لأسرتها الريفية التقليدية، التي أخضعت ابنتها لعملية ختان في سن السادسة مثل بقية لدّاتها، فنشأت في نفس البنت “عُقدة” ، جعلتها تُناصب العداء لتلك الظاهرة وتجعل مُحاربتها شغلها الشاغل.

تعلمت عن أبيها الموظف الحكومي – الذي ثار ضد الاحتلال البريطاني، وتعرض جراء ذلك الموقف البطولي للنفي والحرمان من الترقية مدة عشر سنوات – احترام الذات، والتعبير عن الرأي مهما كانت النتائج.

التحقت نوال السعداوي بكلية الطب جامعة القاهرة، وتخرجت فيها عام 1955م لتتخصص في مجال الأمراض الصدرية، وتزوجت في نفس العام من زميل دراستها أحمد حلمي، دون أن يستمر زواجُهما طويلا بسبب سقوطه في براثن الإدمان بعد حبسه هو ورفاقه لمواقفه الوطنية في مواجهة المحتل البريطاني، وأنجبت من تلك الزيجة ابنتها “مني حلمي”، وتزوجت بعده زيجتين كانت الثانية برجل قانون، لم تبق علي ذمته طويلا، لتتزوج بالطبيب والمفكر الماركسي شريف حتاتة لينتهي الزواج أيضا بالانفصال بعد 43 سنة أثمرت ولدا وبنتا.

في عام 1972م نشرت كتابها الصادم ” المرأة والجنس” لتُحارب فيه بزعمها الطقوس الوحشية، وظاهرة ختان الإناث، التي يُستدل بها علي “عذرية الفتاة” وشرف أسرتها، مُدشنة بهذا الكتاب النص التأسيسي للموجة النسوية الثانية، مما تسبب في إقالتها من عملها بوزارة الصحة .

ساهمت في تأسيس مجلة ” المواجهة ” النسوية التي نشرت بها آراء صدامية زُجت بسببها في سجن النساء بالقناطر، ثم أُطلق سراحُها عقب اغتيال ” السادات”، وعقب خروجها كتبت ” مذكرات في سجن النساء” عام 1983.

ولم تتوقف علاقتها بالسجن عند تلك التجربة، إذ سبقتها تجربةٌ أخري قبلها بتسعة أعوام، حيث كانت علي اتصال بإحدي السجينات عام 1975م وألهمتها بفكرة رواية ” امراة عند نقطة الصفر “.

لم يُزعزع زجُ نوال بالسجن من عزيمتها فعلا صوتها بقناعاتها الفكرية، التي كان من أبرزها مُحاربة ختان الإناث، والدفاع عن حقوق المثليين، وموقفها من تعدد الزوجات، وغيرها من القضايا الشائكة، مما عرضها للعديد من الاتهامات، التي كان علي رأسها تهمة “ازدراء الأديان” وهو ما تسبب في نفيها من مصر منتصف الثمانينات، لتعمل بالتدريس في جامعة ديوك وقسم اللغات الإفريقية في شمال كالورينا و بجامعة واشنطن.

شغلت نوال العديد من المراكز الأكاديمية في جامعة القاهرة وهارفرد، و ييل، وجامعة كولومبيا، وجامعة السوربون، وجورج تاون، وجامعة ولايه فلوريدا، وجامعة كاليفورنيا، لتعود بعدها إلي مصر في منتصف التسعينيات.

كتبت السعداوي نحو 40 كتابا منها : الوجه العاري للمرأة العربية وهو تحليل كلاسيكي عن اضطهاد المرأة في العالم العربي، ومذكرات طبية ، وأوراق حياتي، ومذكرات في سجن النساء، وغيرها من الكتب، التي حصدت بها العديد من جوائز الدولة، فحصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا 2004م، وفي عام 2005م فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا 2005م، وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد 2011م، وجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام بسويسرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى