(بيان) التطبيع وترجمة الإبداع العربيّ الخارجيّ إلى العبريّة

الأمانة العامة | سعيد نفّاع – الأمين العام

بيانُنا هذا يصدر بناء على توجّه من الأديب والأسير المحرّر الفلسطينيّ الأخ توفيق فيّاض في قضيّة ترجمة رواية تونسيّة إلى اللغة العبريّة على يد مترجمة عربيّة فلسطينيّة، ونشرها على يد دار نشر عبريّة، وقد أرفق بتوجّهه بعض الوثائق. نحن، ومع الاحترام، لا نعرف الروائيّ التونسيّ، والمترجمة ليست عضوًا في الاتّحاد ولكنّها تواصلت هي الأخرى معنا وزوّدتنا، حسب طلبنا، بمواد كثيرة حول ما دار ويدور في الموضوعمن خلال باب التطبيع وإسقاطاته.

هذا الموضوع، التطبيع، كنّا خصّصنا له لأهميّته في فصليّتنا “شذى الكرمل” بابًا حواريّا خاصّا، وكذا فعلنا في موقعنا الإلكتروني “الكرمل 48: www.alkarmel48.com. وإنّنا نرى:

  • المعضلة الأساس أن البعض السياسيّ والثقافيّ في العالم العربيّ لا يرى فقط في العلاقة مع المؤسسة الإسرائيليّة وأدواتها تطبيعا، وهذا يمكن أن يهضمه عقل المرء، وإنما يرانا كجزء من هذه المؤسسة ويذهب إلى أنّ أيّة علاقة معنا نحن كأقليّة فلسطينيّة هنا تُعتبر تطبيعا، وهذا لا يمكن أن يهضمه عقل المرء. مع هذا البعض لا مجال للنقاش فهو مزايد إلى أقصى حدود المزايدة، وتستطيع وأنت مرتاح الضمير أن تذهب به إلى أبعد من ذلك بكثير.

إنّ التسرّع في كيل الاتّهامات لأيّ مبدع، أو أيّ شخص، تواصل معنا نحن بشكل أو بآخر، لا يفيد أهدافنا الوطنيّة أو الثقافيّة بقدر ما يفيد المؤسّسة الصهيونيّة نفسها ويفيد المزايدين لدينا الذين يركبون الموجة لأهداف غريبة.

  • الغالبيّة العظمى من أصحاب مواقف “عدم التطبيع” في العالم العربيّ سياسيّا وثقافيّا، حسمت القضيّة في صالح التواصل معنا سياسيّا وثقافيّا، اللهم إلا أنّها اقتصرت ذلك على منابرها هي وفي رحاب بلدانها، ليظلّ السؤال الشاغل لنا نحن: هل اعتلاؤهم منابرنا نحن في حيفا والناصرة ويافا يُعدّ تطبيعا؟!

واضح أن القضيّة بالنسبة لهم ليست حيفا والناصرة ويافا، القضيّة هي “إسرائيل” المحتلّة كامل التراب الفلسطينيّ من النهر إلى البحر، ولن يلطخوا جوازات سفرهم بختم شرطة الحدود الإسرائيليّة، ففي ذلك اعتراف بطبيعيّة ما هو غير طبيعيّ. لو تعمقنا في هذا الكلام لوجدنا أن الاعتراف قائم نظريّا بحكم الأمر الواقع وغصبا و-“ما في اليد حيلة”، ولكن “الزيارة” هي الاعتراف بطبيعيّة غير الطبيعي أو تطبيعا وهذا يعني الاعتراف فعليّا.

  • يُمكن لنا أن نطرق هذا الطرح من جوانب شتى وأن نطرح عشرات الأسئلة صعبة الأجوبة: فما الفرق مثلا بين زيارة شاعر أو كاتب وبين زيارة قريب من مخيمات اللجوء في مصر أو الأردن أهله في ال-48 أو حتى أطلال بيته أو بلدته؟! أو ما الفارق بين زيارة كاتب أو شاعر وزيارة قريب من الشتات الغربيّ الحامل جواز سفر دول الشتات قريبا له في ال-48 أو حتى أطلال بيته أو بلدته؟! وهل ستبقى الصلاة في الأقصى والقيامة أمنِية صعبة المنال عصيّة على المؤمنين من أبناء أمتنا كُرمى لعدم التطبيع؟! ومتى سينتهي هذا الموقف، أبعد قيام الدولة الفلسطينيّة إلى جانب إسرائيل أو فقط بزوال إسرائيل؟!

المُطالب بالأجوبة على الطروحات أعلاه هو “الفاعل”، ولكن إلى أي حدّ علينا نحن “المفعول معه” أن نتماهى مع هذه الطروحات وتماما من الباب المسمّى: التطبيع؟! وهل بالضرورة أن تتطابق أجوبتنا مع أجوبتهم واعتمادا على مسوّغاتهم لعدم التطبيع؟!

  • التطبيع في سياقنا ومهما اختلف لبوسه، تواصلًا “زياراتيّا” كان أو سياسيّا أو ثقافيّا كان،هو فعل يخصّ “الفاعل” ونتاج ظروفه، وكوننا “المفعول معه” وإن اتفقنا مع هذا الفعل أم اختلفنا معه لا يمكن أن يكون ومسوغاتهفي الحالين: الاختلاف والاتفاق، مرجعا أو مصدرا لأي موقف نتخذه من أو في هذا الموضوع، مرجعنا ومصدرنا لبناء موقفنا هما وليدا انتمائنا وظروفنا ومنهما فقط يُختزل الموقف بغض النظر إن كان مع الزيارات أو ضدّها، مع الترجمات أو ضدّ الترجمات، وفي كل الأحوال مصطلح التطبيع ليس المسوّغ لأطروحاتنا ولا يمكن أن يكون مرجعها ومصدرها في علاقتنا بالمؤسّسة الإسرائيليّة.

بناء على هذا وانطلاقًا منه، ومن كوننا في سياق اتّخاذ موقف من ترجمة نتاج عربيّ إلى العبريّة أعطى فيها الكاتب التونسيّ حقّ الترجمة لمترجمة فلسطينيّة “ثمانوأربعينيّة”، وهي فعلت ذلك عن طريق دار نشر عبريّة وبغضّ النظر عن أصحابها وشكل انتمائهم المؤسّساتي الصهيونيّ، نرى:

أوّلاً: التطبيع، ومهما اختلف اللبوس الذي يتسربل به، هو عقبة كأداء في طريق تحقيق حقّنا في تقرير المصير عبر ثوابتنا الوطنيّة الفلسطينيّة.

ثانيًا: الاندلاق التطبيعيّ السياسيّ مدانٌ؛ العتيق منه وبعد أن أثبت إفلاسه، والجديد منه وخصوصًا ذلك الاندلاق الذي نشهده مؤخّرًا عبر بوابات الخليج.

ثالثًا: حقيقة أنّا لا نشهد اندلاقًا تطبيعيّا ثقافيّا لا في ظلال السياسيّ العتيق وإنّا على ثقة أن الجديد منه لن يكون بأفضل حال عن الذي سبقه، ومن نافل القول ورغم ظروفنا الخاصّة أنّا ضد التطبيع، ومثلما طرحناه أعلاه، بكلّ أشكال وألوان اللبوس.

رابعًا: لا نرى في التلاقح الثقافيّ بين الشعوب بشكل عام وبالمبدأ، منقصة، ولكن في حالنا الخاص فأيّتلاقح يجب أن يخضع لثوابتنا الوطنيّة والقوميّة.

خامسًا وأخيرًا: في حالتنا الخاصّة كعرب فلسطينيّين ضحيّة للصهيونيّة، وفي موضوعنا موضوع هذا البيان، لا نرى أن نتدخّل أو نسدي النصح للاتّحاد التونسيّ وكلّ الاتّحادات الشقيقة في شكل تصدّيها للتطبيع ولما تراه تصرّفًا تطبيعيّا في شعاب بلدانها.

28 آذار 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى