الشاعرتان التونسية د. آمال صالح رحومة وليلاس زرزور (وجها لوجه)

آمال صالح رحومة تقول:

الشعر العربي في حالة بحث عن الذات

العالم الافتراضي أصبح يتربع في كل ميادين الحياة

اتسعت أمامي الآفاق بالتعمق في أصالتي وثقافتي العربية والثقافة الغربية

أقول للجيل الحالي: ابتعدوا عن المظاهر وكونوا صادقين في تعاملكم

الكتابة باستمرار ويوميا، والمطالعة، والإستماع للآراء المختلفة يصقل الموهبة

النقد مدرسة كبيرة وهو مرآة الأدب وأنا شخصيا أتمنى أن يعجب بنصوصي أحد نقادنا

آمال صالح رحومة… أصيلة الجنوب التونسي، تلقيت التعليم الإبتدائى والثانوي بتونس، أما الجامعة فقد درست في جامعة السوربون بباريس، وكان لي الحظ أن يكون أساتذتي من أكبر الأدباء والكتاب العرب مثل واسيني الأعرج، برهان غليون… هناك بين أروقة السوربون،  وأكبر المراكز الثقافية مثل المعهد العالم العربي، المكتبة الوطنية الفرنسية: مكتبة فرنسوا ميتران، معهد اللغات والحضارات الشرقية (إنالكو)… نهلت ليس فقط من المعرفة التي قضيت السنين أبحث عنها في الكتب…ولكن نهلت من عمق الأفكار… وأحسست  أنني خرجت من ذلك الإطار الضيق أين تقيم دائما نفس النظرة ونفس نمط التفكير… اتسعت أمامي الآفاق بالتعمق في أصالتي وثقافتي العربية من جهة، وتبني من الثقافات المختلفة وخصوصا الثقافة الغربية التي عرفتها بحكم إقامتي بإحدى عواصمها كل ماهو مشرق بناء يضيف الى تطوري الفكري والذاتي ماهو راقٍ ومثرٍ.. شاعرتنا التونسية نشرت لها العديد من الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية .. ونالت الكثير من شهادات التقدير.. كتبت الشعر باللغة الفرنسية، ولها ثلاثة دواوين مطبوعة: [“إرث الحنين” و “ابتسامة ودموع” ، و “وطني الأخضر”].. كان لنا معها هذا الحوار الماتع القيم …

متى اكتشفت موهبتك الشعرية ؟ وهل كان للظروف التي عشتينها دورها في ظهور هذه الموهبة ؟

في الحقيقة أول ما جلب اهتمامي في سنوات الابتدائي قصيدة لشاعر فرنسي مشهور إسمه  “فكتور هوجو” لغة القصيدة أحدثت في رجة صغيرة لقوة المعاني… ولكن الإنبهار الكبير كان مع شاعري الكبير هو ولا غيره نزار قباني… سمعت صوت أبي يناديني بقوة وبإلحاح…جريت ثم تسمرت بمكاني…ليست لي ذاكرة قوية في أغلب الأحيان…لكنني لن أنسى تلك اللحظة لم أسمع  إلا الجملة الأولى من أبي يقول لي هذا نزار قباني في الجامعة العربية كتب قصيدة لتونس… لا أعرف بعدها أين ذهبت… أحسست كأن روحي التفت بموسيقى الإلقاء التي كان نزار يتقنها…والتي كنت بصدد اكتشافها لأول مرة… تلك اللحظة كانت ميلادي في مملكة الشعر والشعور على الطريقة النزارية… بعدها طلبت من والدي ان يشتري لي كتبه… كنت أحملها معي… وأطلب من زملائي ان يستمعوا لي وأنا أقرأ لهم قصائد نزار… كانوا يستغربون من تصرفاتي… حتى أنني سمعتهم يتساءلون في بعض الأحيان: ماذا جرى لها ؟ لكنني كنت فرحة بنفسي… لم أعبأ لكل الكلام الذي يقال عني…كنت سعيدة بعالمي الجديد… كنت أعرف من قبل أنني كنت مختلفة… ولكنني لم أكن أفهم…لم تكن عندي مسميات للأشياء التي أشعر بها… لكنني وجدت المسميات ووجدت الإجابة في عالم الشعر… ثم إن أفراد عائلتي يحبون الأدب ويتذوقونه…وفيهم من كانت له محاولات كتابة.

الشعر الحقيقي هو انعكاس لموهبة ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع .. ماهي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة ؟

 ليس هناك ما يصقل الموهبة غير الكتابة باستمرار… الكتابة يوميا… المطالعة… الإستماع إلى آراء تختلف عن آراءك… توسيع الأفق في فهم الآخر… الحب… التعاطف… القيم الروحية السامية تعطينا الإلهام…  التجارب المريرة التي يعيشها الإنسان… تعطيه نفسا جديدا…اذا هو أراد… عالم الكتابة هو في حد ذاته تحدي… تحدي الظروف القاسية… تحدي الخيبة … أنا مثلا أكتب عن مشاعر تتملكني… تكون حزينة… ولكنني في عمق هذا الحزن… أحاول أن أعطي الأمل للقارىء… أؤمن بالرسالة التي تحملها كلماتنا… قوة التأثير هي نفسها قوة التغيير… الأديب بصفة عامة لا بد أن يكون المؤثر الفاعل… وإلا فلا معنى لكتاباته…!!!

تشوهات زمن…

أنا لا أشبه زمني…

حتى وإن تناولت قرصا

من الوجع…

من تناقض يبعدني…

عن الزمن

أصير في كوة من الإحساس الغائب

في ثنايا التعب…

تعبي من ضياع المعنى

يحمله الوطن المتخفي

يتعالى علينا

لا الكتب تحمل كلماتنا

ولا القلوب تفضي بنا

إلى الحب…

كل يغني على ليلاه

ونسينا…

معنى الحلم….

كثير من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم المعجم اللغوي كيف تفسرين ذلك ؟

لديهم اتصالات تجعل كلماتهم تصل وتنتشر بسرعة… هذا هو الحظ بالنسبة لي… ولكن هذا لن يدوم طويلا… إذا لم تكن هناك موهبة حقيقية… كما أن الموهبة الحقيقة تحتاج لمن يدعمها أولا… وأقصد  رجال الإعلام… ودورهم في غاية الأهمية… فهم من ينتقون الأقلام الجيدة ليقدمونها للقارىء، ولا ننسى الشرط الأهم لتكملة  الموهبة وهو بكل بساطة المثابرة… والإرادة والإيمان بالذات.

ما رأيك بالحركة الأدبية حاليا خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الإجتماعي السريعة ؟

أتمنى أن أعيش في بلد عربي حتى أواكب هذه الحركة عن قرب وأكون متابعة للتظاهرات الثقافية…

لا معجم لدموعي…

كيف لي يا ربي

ان أكتب دموعي

أن أغير مجرى الكلمات

بتدفق إحساس غريب

ينتابني حزن الغرابة

في مدن الوحدة

أسيرة الإطناب أنا

 في وجع تخفق له الروح

نبض الكلمات البعيدة

غريبة على إحساسي

إحساسي يؤلم كل إرهاصات التعبير

تهرب اللغة…

تاركة قلبي لدهشة المصير…!!!

هل يمكن القول إن المعلم هو الأساس لإطلاق أي موهبة أدبية ؟

بالنسبة لي أبي  هو من كان السبب. العائلة أظن لها دور كبير أيضا.

ما رأيك بالنقد ؟

النقد مدرسة كبيرة… وهو مرآة الأدب… تعكس كل أبعاده… أنا شخصيا أتمنى أن يعجب بنصوصي أحد نقادنا… لأن النقد بصراحة تكملة ضرورية وجميلة لكل نتاج أدبي.

هل ترين أن الشعر العربي حاليا يمر بمرحلة تقهقر ؟

 ليست حالة تقهقر وإنما هي حالة بحث عن الذات.

ألا تشعرين بأن هناك تباينا بين الشعر المعاصر والشعر القديم ؟

طبعا هناك تباينا… لكل فترة من الزمن بصمة معينة

ما نوع الشعر المفضل لديك ؟

أحب شعر لدي هي حقبة نزار… أدونيس… محمود درويش… سميح القاسم… طبعا هو تعبير عن الإحساس… نزار قباني قال: أكتب لمرضى الحساسية… حدثتني سذاجة الطفلة الصغيرة يوم قرأت هذه الجملة… لقد كتبها لي… لقد وجدت الإجابة على إحساسي المختلف… الموجع دائما في كل شيء كان موجعا وفي كل التفاصيل… وكنت دائمة البحث عن إجابة لهذا الإحساس الذي يحتلني بكل قوة!

هل الشعر صناعة ؟

لا أحبذ كثيرا استعمال هذه الكلمة بالرغم أنها مصطلح اعتدنا على استعماله… أحبذ… صقل… تطوير…نحن لا نكتب الشعر بل هو الذي يكتبنا وهذا وحده يعترض مع كلمة صناعة.

ما رأيك بقصيدة النثر التي تحررت من القافية والتفعيلة والوزن وزاحمت القصيدة التقليدية ؟ وهل أنت مع تصنيفها تحت خانة الشعر ؟

 طبعا أصنفها تحت خانة الشعر… إذا تشبع الكاتب بالموسيقى الداخلية في قراءاته وثقافته…فالموهبة لا تأتي من فراغ… يمكن أن يستغني عن التفعيلة والقافية… ولكن حينما تقرأ له وتجد نفسك قد سافرت معه فاعلم انك اتبعت هذه الموسيقى الداخلية …وهذا الإحساس الصافي مثل نبع ماء… لا يمكن ان يكون شيئا آخر غير الشعر…

كيف يمكن للشاعر أن يلخص لنا ما يصعب تفسيره أن يعبر عن مكنونات مبهمة بكلمات ملموسة… كيف يمكن للمعاني العميقة والفياضة  أن ترتدي كلمات بسيطة… لتصل لقلب وفكر القارىء؟!

حبر من ضياء

سأكتب حتى يفيض الحبر…

ويقتل الحزن الذي بداخلي

سأكتب للدمع الظالم

حين يلثم وجنتي…

 

سأكتب الوجع المتستر

خلف ضباب النوايا

نوايا مستترة

وأنا التي لم أعرف يوما

غير شراع أبجدية واحدة!!

أوراقي بيضاء…

ولقلمي الشموخ

والعزة والكبرياء

كيف ترين الوطن في شعرك؟

 ربما جوابي يكون بعنوان قصيدتي : أنا أنت يا وطن…

ماهي العوامل التي أدت إلى الحد من انتشار الكتاب الورقي في عالمنا العربي ؟  

أكيد العالم الافتراضي أصبح يتربع في كل ميادين الحياة.

كيف تنظرين للمرأة كشاعرة ؟ 

ليس لي نظرة خاصة.. المرأة والرجل سواسية بالنسبة لي.

هل توافقين على مقولة إن إصدار الدواوين هو إثبات للذات أولا وأخيرا ؟

هو ليس إثباتا للذات بقدر ماهو تحقيق للذات … وثمرة عمل المثقف يقدمها لمجتمعه

ماهو سر نجاح الشاعر ؟

 الصدق والحب

لمن تودعين أسرارك وأراءك الشخصية ؟

 للأصدقاء المقربين .

لو جلست وتساءلت حول ما أنجزته فماذا تقولين ؟

مفتخرة بنفسي… ولكن لا بد من العمل أكثر…

ماهي كلمتك لجيل اليوم ؟

 ابتعدوا عن المظاهر وكونوا صادقين في تعاملكم.

كلمة تحبين توجيهها إلى القراء ؟

شكرا لحبكم… أعطيت حبا فوجدت من القراء حبا أكثر… أحيانا تدمع عيوني عندما أقرأ التعليقات على قصائدي…

شكرا لحضوركم ومتابعتكم أحبتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى