تكريم شخصية «عظيمة»

سهيل كيوان | مجدالكروم فلسطين

التكريم حقٌ لكل من يقدم لمجتمعه بإخلاص، مثلا لمن يخدم في وظيفة ما، ويقدم الخدمات كواجب وباحترام، من دون امتهان لكرامات الناس، يعمل بشعور من الواجب المختلِط بالمسؤولية والحس الوطني والإنساني، ومن دون تمييز بين تصنيفات اجتماعية، لا يميزُ بين وجيه ومتواضع وغني وفقير، بل إنه يمد يد العون بالذات للضعفاء وقليلي الحيلة، كذلك لا يميز بين امرأة جميلة وقبيحة، بين شابة ومتقدمة في السن، بين مرتدية للباس محافظ، وأخرى مرتدية لباساً أكثر تحرراً.
التكريم يكون لشخصيات أثبتت حسن سلوكها على مدار عقود، فلم تمد يدها إلى المال العام، لا من خلال موقع المسؤولية ولا من خارجه، ولم تستغل موقعها لأجل ابتزازات، لا جنسية ولا مالية ولا خدماتية، أي اخدمني في شأني الخاص مقابل أن أقدم لك حقك العام من المؤسسة، وإلا وضعتُ في طريقك ألف عثرة.
التكريم يكون لمبدع في أي من المجالات الإنسانية، لشخصيات عملت لتحقيق السلم الأهلي بين الناس، حاولت أن تجعل من حياتهم أجمل وأسهل، ولم تحرّض على الآخر المختلف قَط، لا عشائرياً ولا دينياً ولا قومياً ولا جنسياً ولا إقليمياً. التكريم يكون لمن ضحى بماله، أو ببعض سني عمره، أو حتى بروحه لأجل قضية شعبه ووطنه.
إلا أن التكريمات، تحولت إلى حفلات تنكرية، وإلى صناعة لتبييض صفحات سوداء من تاريخ هذا وذاك من المسؤولين الفاسدين، ففقدَ التكريمُ قيمته، وتحول إلى مسرحٍ للعبث. ليس هذا فقط، بل إن المُكرمين أنفسهم يدركون أن تكريمهم هو تتويج للفساد الاجتماعي، الذي أسهموا هم أنفسهم في ترسيخه على مدار عقود، خصوصاً عندما يُغدِقُ الخطباء عليهم صفاتٍ بعيدةً مسافات ضوئية عن الحقيقة، حتى لو نسبياً أو مجازاً، ومع تخفيضات وتنزيلات نهاية الموسم، إذ أن الجميع يعرفون أن المحتفى به، مارس ويمارس النقيضَ لكل ما يقالُ فيه على منصة المسرح. لي صديق يعتاش من تأجير جهازِ مُكبرٍ للصوت في مختلف المناسبات، من الأفراح، إلى دعوة الناس للخروج للإدلاء بأصواتهم، أو للاشتراك في مظاهرة ضد العنف، مروراً بحملات تجارية عن تنزيلات في الأسعار وغيرها، لهذا فهو على علاقته طيبة مع مختلف فئات المجتمع، وهو مرحٌ في طبعه. حدثني فقال: هل عرفتَ في حياتك شخصيةً أكثر فساداً من فلان؟ الحقيقة سأحاول أن أتذكر، هذا المسؤول، معروف بفساده على نطاق قطري، وبأنه استغل منصبه للتحرش الجنسي أكثر من مرة، وتاجَر من خلال منصبه واستغله للأرباح الشخصية، ولم يمنح أحداً من المقاولين أو التجار فرصة للعمل، حتى لو كان عامل نظافة، ما لم تكن له فائدة شخصية من ورائه، ومنذ استلم وظيفته وهو متنقلٌ في خدمة هذا وذاك من أحزاب السلطة وأذرعها، بل إنه هو نفسه ذراعٌ من أذرع السلطة.
قال محدثي: أكثر من خطيب نوه بأنه شخصية وطنية مستقيمة يشار إليها بالبنان، تحدث الجميع عن صفاته الحميدة، لدرجة أن هذا سبّبَ حالة من الخجل لدى جميع الحضور، كان من الصعب التغلب على حالة الحَرَج التي شعر بها الجميع، بالذات عند إلباسه عباءة من الصفات الحميدة والوطنية، دفعة واحدة، فقد بدا الأمر مثل مسرحية من عالم آخر، لا علاقة لها بالمكرّم ولا بالمكرّمين، حتى أنه هو نفسه صار يتلفت من حوله، كأنه يبحث عن هذا الذي يتحدثون عنه. الجميع غرق في حالة من الخجل، كأن مقاعدهم باتت تلسعهم، فصار أكثرهم ينقلون ساقاً فوق أخرى، ثم يعيدون نقلها من جديد، ويطأطئ بعضهم رأسه مظهراً اهتماماً في النشرة الخاصة التي طبعت بالألوان لتوثيق نشاطاته، وكأنهم لا يعرفون أن كل ما فيها كذب ورياء. كان عريف الحفل قد أعد أشعاراً ومقولات من عيون الأدب في السخاء والتواضع والجود والإيثار والشجاعة، فهو أيضا يحلم بأن يتقدم في وظيفته، ولا بد من مديح الفاسد والمنحرف، وإلا فلن يتقدم. المهم أن جميع من مدحوا هذه الشخصية عرجوا على مشغل مكبر الصوت، وهمسوا له بأمر ما بحكم العلاقة الخاصة به، وكانت الهمسات جميعها من طراز: مجبور أكذب، أو بالغتُ في مديح هذا التافه أليس كذلك؟
– وحياتك لا تحتقرني على نفاقي.
-يا زلمة أنا قرفان من حالي.
– بشرفك لا تعزر عليّ، شعرتُ بأنني اغتصب على المِنصة. وغيرها من تعليقات هامسة تُظهر مدى النفاق الاجتماعي، الذي تحول إلى ظاهرة استسلم الجميع لها.
جميعنا بشر وقد نخطئ هنا أو هناك خلال أداء أعمالنا، لا يوجد ملائكة بيننا، وقد يقع البعض في زلات، ممكن التسامح معها، ولكن عندما يكون الفساد نهجاً يصل إلى درجة التخريب الممنهج للمجتمع، فمن العار على المجتمع أن يكرم أمثال هؤلاء المُخربين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى