مُخاصَمَتي لحبيبي الشِّعْر
ثناء حاج صالح | شاعرة سورية مقيمة في ألمانيا
يسألني:
أَتَتْكِ سُيُوفُ الرِّيحِ تَبْغي المُنازَلَة |
فيا نَخْلةً عَزْلاءَ ما أنتِ فاعِلَةْ؟ |
فأجيبه:
أَدُورُ على نَفْسِيْ وأَبْتَدِرُ الهَوى |
ومِنْ سَعَفِي أَسَتَلَ سَيفاً مُقابِلَهْ |
فلا غَيْرَةً أطفأتُ إن كُنْتُ غِرَّةً |
ولا نَزْوَةً في الشَّوْقِ إنْ كُنْتُ جاهِلَة |
أَمُرُّ ولا أدْنُو أراه ولا أرى |
وَخَلِّ دَبِيبَ العِشْقِ يُدْلِي حَبائِلَهْ |
فإنْ شَفَّنِي بِالهَمْسٍ فَالصَّمْتُ حِيلَتِي |
ولو حاوَلَ الإِصْغاءَ لَسْتُ بقائِلَة |
وما عَجَبٌ أَلْقاهُ بالصَدِّ والنَّوى |
وقدْ جاءَ في الألواحِ أن لا أُعامِلَه |
ثم أعقِّب:
شَكَوْتُ وكان الشَّكْوُ منِّي خَطِيئَة ً |
ومِثْلِيَ لا تَشْكُو مِنَ الدَّهْرِ غائِلَة |
أُعَانِقُ صَدْرَ الصَّبْرِ إنْ بِتُّ لَيْلَتي |
فَيُصْبِحُ مِنِّي الصَّبْرُ يُمْلِي رَسائِلَه |
ومنْ عَجَبٍ غادَرْتُ أسْوارَ قَلْعَةٍ |
مُعَلَّقَةِ الأبْراجِ في الغَيْمِ نازِلَة |
يُمَيِّلُ عَنْها الطَّيْرُ لو طارَ جُنْحَهُ |
وتَجْفُلُ مِنْها الخَيْلُ في الليلِ صاهِلَة |
أُضَيِّفُ فيها الشِّعْرَ والشِّعْرُ زائِري |
ومَنْ يُكْرِمِ الأضْيافَ يُعْمِرْ مَنازِلَه |
فلو عَقَلَ الغِزْلانَ أًطْلَقْتُ مُهْرَتي |
ولو أَطلَقَ الأوْزان أمْسَيْتُ عاقِلَة |
وما غَلَطاً ماثَلْتُ بالوَجْدِ عالِقاً |
وَكَيْفَ أُجاري الشِّعرَ إنْ لمْ أُماثِلَه؟ |
فَبَعْضِيَ مَمْطورٌ، وبَعْضِيَ مُاطِرٌ |
وبَعْضِيَ ماءُ النَّهرِ يُجري جَداوِلَه |
أعاقِبُ بين الثلج والجَمْرِ واللَّظَى |
عُقوبَةُ ذَنْبِ البرْدِ بالدِّفْءِ عادِلَة! |
أبيعه ما أشري وما أشتري الظما |
وحَقَّ عَلَيَّ الماءُ أُسقيهِ سائِلَه |
وَكانَت لَنا صَحْراءُ نَجتازها مَعاً |
نُعَلِّقُ فيها الرَّمْلَ نَبني مَجاهِلَه |
فزَوْبَعَةٌ في العِشْق تُغْوِيهِ بالهُدى |
وَتَبْعَثُني للصَّحْوِ والوَعي غافِلَة |
سَواسِيةً كَالصِّفْرِ صِرْنا بِجَمْعِنا |
ويا جامع الضِّدَّيْن أفْنَيْتَ حاصِلَه |
فَفِيمَ أخافُ الوَصْلَ إن مَدَّ حَبْلَهُ؟ |
وَفِيمَ يَخافُ الهَجْرَ إن كانَ واصِلَه؟ |
وهذا ملحق بالتعقيب:
وقد راعَني أَسْرَعتُ كي أحْصُدَ المُنَى |
سَنابِلَ قَمْحِ الصَّيْفِ غَطَّتْ سَنابِلَه |
خَسَارَةَ ما شَيَّدْتَ يا شِعْرُ في دَمي |
أعالِيهِ تَحْتَ الدَّوْسِ صارَت أسافِلَه |
وتَكْتُبُ سَطْرَ العِشْقِ في صَفْحَة الأسى! |
وَبَيْن الأسى والعِشْقِ ما ثَّمَّ فاصِلَة! |
فَدَعْني على أَشْياءِ حُزْني أسِيفَةً |
على وَهْجِ نارٍ في المنازلِ شاعِلَة |
على حَلَبٍ والحُزْنُ حَلَّ مَفاصِلي |
(ألا لَيْتَها الأحْزانَ حَلَّتْ مَفاصِلَه)* |
على قَمَرٍ يا لَيْتَ لم يَدْنُ منْ يَدِي |
ولم تَزَلِ الأَقْمارُ لِلْقَطْفِ آيِلَة |
على حَجَرٍ أَنْعاهُ في كلِ لَيْلَةٍ |
ولن تَقِفَ الجُدْرانُ عُقْباه عازِلَة |
فإنْ كُنْتَ لا تُشْجيكَ يا شِعْرُ نُوتَتي |
فَلُمَّ زهورَ الرَّوْضِ واصْرِفْ عَنادِلَه |
وَنادِ زمانَ الهجرِ يَحْظُرْكَ عنْ دَمِي |
وَصَلِّ صَلاةَ المَيْتِ، ما بَيْنَنا صِلَة! |
………..
* دعاء على من حرق حلب