مدخل لدراسة المسرح.. قراءة توجيهية وتحليل لمسرحية “اللحن الجديد” لـ”توفيق الحكيم”

بقلم: نبيل حجازي

 الرصيد المعرفي:
تعرف المجتمع العربي فن المسرح بعد أن نقله من الغرب عدد من المبدعين نذكر منهم مارون النقاش وجورج أبيض یعقوب صنوع، فهؤلاء وأمثالهم قاموا بترجمة عدد من الأعمال المسرحية الغربية إلى العربية لتنطلق بعد ذلك عمليات الإبداع في هذا الفن مع رواده الأوائل أمثال توفيق الحكيم وعبد الكريم برشيد، وقد رسم هؤلاء المبدعون أسس هذا الفن الذي يشترك مع القصة القصيرة في الحدث والشخصيات والزمان والمكان، ولكنه يختلف عنها في طريقة تناول الموضوعات وفي الاستعانة بالحوار كمظهر حسي بارز بشكل صورته الطباعية الخارجية، بالإضافة إلى ارتكازه على عنصري الصراع والحركة.


تأطير النص :
أ- صاحب النص:
نبيل حجازي ناقد مصري مهتم بالمسرح، له مجموعة من المؤلفات النقدية حول المسرح، من أهم مؤلفاته مسرح الطفل” و”خاصية الحضور في المسرح”.
ب- نوعية النص ومصدره:
نص نظري نقدي يعالج الخصائص المميزة للعرض المسرحي، وهو مأخوذ عن مجلة الوحدة – عدد مزدوج94-95 ، غشت 1992 – ص 41 بتصرف.
ج- ملاحظة العنوان ووضع الفرضية:
يتكون العنوان من ثلاثة ألفاظ: مدخل: وهو من المصطلحات النقدية التي تستخدم عادة في مستهل البحوث العلمية التي تعالج مفاهیم أو ظواهر أدبية أو نقدية، وفي العادة يتناول هذا المدخل الجوانب التاريخية والفنية، دراسة: يحيل على عملية المعالجة والبحث وموضوع هذا البحث يظهر في المصطلح الثالث وهو (المسرح) وهذا المصطلح من المصطلحات التي يشوبها كثير من الخلط إذ يستخدم للدلالة على النص المسرحي المكتوب كما يدل على المكان الذي يقدم فيه العرض المسرحي للجمهور.
أنشطة الفهم :
المحور العام:
الخصائص الأساسية والثانوية المميزة للعرض المسرحي .
أفكار النص :
1- إرجاع أرسطو نشأة الشعر المسرحي إلى غريزة المحاكاة لدى الإنسان .
2- العناصر الأساسية المكونة للعرض المسرحي هي الممثل والمتفرج والمكان.
3- أهمية اللغة في العرض المسرحي تكمن في تعبيرها عن الشخصية الدرامية ودخولها ضمن ترتيبات الإضاءة والملابس والمناظر والموسيقى .
أنشطة التحليل :
1- انطلق الدارس من نظرية المحاكاة لدي أرسطو لتفسير ظهور الشعر المسرحي، فالإنسان هو أكثر الكائنات استعدادا للقيام بفعل المحاكاة لأنها غريزة فطرية أولا، ولأنها تتيح له استكشاف حقيقة مشاعره وأفكاره ثانيا .
2- بعد ذلك ميز الدارس بين العناصر الرئيسية للعرض المسرحي وهي الممثل والجمهور والمكان، والعناصر الثانوية وهي اللغة والإضاءة والمخرج والديكور، وهذا التقسيم يفيد بأن هناك عناصر لا يمكن الاستغناء وعناصر أخرى مكملة يمكن الاستعانة بها إذا احتاج إليها المبدع.
3- نلاحظ أن الدارس ركز في حديثه عن المسرح على العرض المسرحي، ورغم إشارته في آخر النص إلى أهمية اللغة، فلابد من التنبيه إلى أن البحث في المسرح باعتباره نصا إبداعيا يختلف عن مقاربته باعتباره عرضا مسرحيا.
4- اعتمد الدارس على الأسلوب الاستنباطي في طرح وجهة نظره حول المسرح، حيث انطلق من حكم عام وهو تحديد العناصر الأساسية للمسرح وهي الممثل والجمهور والمكان والعناصر الثانوية له هي اللغة والإضاءة والمخرج، ثم انطلق بعد ذلك في عملية الشرح وإعطاء الأمثلة .
5- استخدم الكاتب في النص لغة سهلة كما اعتمد عددا من الوسائل الحجاجية مثل التعريف (المحاكاة) والتفسير والتمثيل (مقارنة المسرح بأنواع فنية أخرى) والبرهنة.
تركيب :
المسرح من الفنون الإبداعية و يتميز بخصائص مهمة تجعله مختلفا عن باقي الأنواع الفنية الأخرى، ومن هذه الخصائص نذكر:
الممثل والجمهور والمكان واللغة والمخرج والإضاءة، وبالنظر إلى المسرح باعتباره نصا إبداعيا فإننا سنقف على تقنية الحوار والصراع الدرامي والسينوغرافيا.

تحليل النص المسرحي: نموذج تطبيقي للنص المسرحي: اللحن الجديد – توفيق الحكيم

القراءة التوجيهية :
الرصيد المعرفي:
المسرح من الفنون الحكائية التي تعتمد في التواصل مع القراء على الحوار المباشر الذي تجريه الشخصيات فيما بينها، كما يعتمد على مجموعة أخرى من الخصائص التي تميزه عن باقي الأنواع الأدبية الأخرى فكيف تتجلى في نص “اللحن الجديد” للكاتب المسرحي المصري توفيق الحكيم .
تأطير النص :
أ- صاحب النص:
توفيق الحكيم كاتب ومؤلف مصري ولد بالإسكندرية يوم 9 أكتوبر من عام 1898م وتوفي بالقاهرة سنة 1987م، اشتغل في مجال القضاء وكيلا للنائب العام ثم انتقل إلى وزارة المعارف مديرا للتحقيقات كما اشتغل في وزارة الشؤون الاجتماعية، وبعد ذلك تفرغ للصحافة وكشف عن ميولاته الفنية والأدبية فصار مديرا عاما بدار الكتب ثم عضوا متفرغا في المجلس العلى لرعاية الفنون والآداب، يعتبر توفيق الحكيم رائدا من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية وكانت مسرحيته المشهورة 1933حدثا هاما في الدراما العربية، فقد كانت تلك المسرحية بداية لنشوء تيار مسرحي عرف.
ب- نوعية النص ومصدره:
النص عبارة عن مسرحية مأخوذة عن كتاب “المسرح المنوع” – المطبعة النموذجية – القاهرة – ص 507 – (بتصرف).
ج- ملاحظة العنوان ووضع الفرضية:
يحيل لفظ” اللحن” الموسيقى، ولكن هذا من الجانب الظاهري فحسب، والواقع أن هذا اللفظ يمكن أن يستخدم مجازيا في مجالات عدة، ولما ارتبط بلفظ “الجديد” فنحن نفترض أن النص سيتحدث عن هذا النوع من الإبداع، أو عن شيء مرتبط به.
أنشطة الفهم :
المحور العام:
الحوار الذي دار بين حمدي ووجدان حول حياتهما الجديدة بعد شهرين من الزواج .
المتن الحكائي :
يعرض هذا النص المسرحي حوارا بين زوجين حديثي العهد بالزواج هما حمدي ووجدان، وهما يستعدان للاحتفال بمناسبة مرور الشهر الثاني على زواجهما، فقد أثنت الزوجة على زوجها لأنه قدم إليها باقة أزهار ثم أخبرها بأن الهدية الأكبر هي اللحن الجديد الذي سيهديه لها، لكن وجدان سرعان ما شردت مما جعل حمدي يسألها عن سر شرودها، ثم تطور الحوار بين الزوجين حتى وصل إلى موضوع والدة وجدان التي تحل في كل مرة ضيفة عليهم، غير أن المشكلة الحقيقية هي أنها لا تضيع أية فرصة لانتقاد حياتهما ومستواهما المعيشي، وقد اشتكى حمدي من تصرفاتها تجاهه بخاصة، لكن وجدان حاولت طمأنته والتخفيف من كما التمست العذر لأمها.
أنشطة التحليل :
يتميز هذا النص المسرحي بمجموعة من الخصائص التي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- اعتماد عناصر الحكي :
أ- الزمان والمكان: وهما يشكلان في المسرحية – كما في غيرها من الفنون الحكائية – الإطار الذي تجري فيه الأحداث، فالزمان في النص هو الشهر الثاني بعد الزواج، والمكان هو شقة في الزمالك بالقرب من النيل.
ب- الشخصيات: إن طبيعة العمل المسرحي تفرض وجود عدد من الشخصيات التي تتفاعل فيما بينها، وهي تؤطر الأحداث والمواقف، وفي هذا النص نجد شخصيتين هما الزوج حمدي وزوجته وجدان، وكلاهما يتميز بعدد من الصفات الاجتماعية والفيزيولوجية والنفسية.
ج- الحدث: حيث تبنى المسرحية باعتبارها نصا حكائيا على مجموعة من الأحداث، وهذا النص يدور حول احتفال الزوجين بمرور الشهر الثاني على زواجهما بحيث فتح بينهما حوار لطيف ينم عن السعادة والفرح ولكنه سرعان ما تحول إلى مناقشة حادة حول والدة وجدان.
2- استخدام الحوار: وهو التقنية الأساسية التي بفضلها تتنامى الأحداث، فالنص المسرحي يتجاوز الأسلوب السردي والأسلوب التصويري ليركز على الجمل والتعابير التي تتبادلها الشخصيات فيما بينها، وهذا هو المظهر الحسي البارز لكل نص مسرحي، فليس هناك سارد يتدخل للتوضيح أو التعليق أو سبر أغوار الشخصيات، ولكن كل ما يمكن أن يعرفه القارئ يكون من خلال حوار الشخصيات فيما بينها. ونظرا لأهمية الحوار فإن الكاتب يجب أن يعمل على صياغته صياغة تتلاءم مع المواقف من حيث الطول والقصر، وعلى إدراج لحظات الصمت في مكانها المناسب حتى لا تكون اعتباطية.
3- الصراع الدرامي: بالإضافة إلى المظهر الحسي السابق فإن النص المسرحي يتميز بالصراع الذي ينشأ بين الشخصيات نظرا لتضارب الرغبات والغايات والمواقف، وهو صراع قد يكون فكريا أو اجتماعيا أو دينيا أو سياسيا… كما يكون صراعا ظاهرا من خلال التعابير والألفاظ المباشرة أو خفيا يفهم من السياق، وقد يكون خارجيا يجري بين الشخصيات كما يمكن أن يكون داخليا يجري بين الشخصية وذاتها الداخلية، وهذا الصراع هو الذي يحرك الشخصيات في اتجاه الحوار، وفي هذا النص فإننا نلمس صراعا ظاهرا بين الزوج والحماة وصراعا خفيا بين الزوج وزوجته.
4- السينوغرافيا :بما أن الغالب في النص المسرحي هو الأسلوب الحواري، فإن الكاتب يلجأ في بعض الأحيان -لتوضيح نوع الحركات أو الإضاءة أو تنغيم الأصوات- إلى جمل يضعها بين قوسين، وهي تساعد القارئ أو المخرج على تجسيد المعاني والحركات الحقيقية المقصودة من الحوار. ومن أمثلة السينوغرافيا في هذا النص نجد مثلا (شاردة فجأة) أو (شقة جميلة على النيل، حمدي أمام بيانو كبير … ووجدان تنسق أزهارا). 5- الحركة أو الفعل: تبدأ المسرحية نصا مكتوبا ولكنها لا تأخذ وضعها الحقيقي، إلا حين تمثل على الركح، حيث تجمع بين الكلمة والحركة في شكل متناسق، فالحركة المصاحبة للنص لا تكون اعتباطية ولكنها تساهم في تجسيد العمل المسرحي.
6- الفكرة أو الموضوع: ونقصد بها المضمون الفكري الذي تعالجه المسرحية، حيث يمكن أن تعالج مجموع من القضايا المتنوعة، و يمكن للكاتب أن يقدم وجهة نظره من خلال إحدى الشخصيات مع إدراج باقي وجهات النظر الأخرى من خلال الشخصيات الأخر.
ترکیب :
المسرح من الفنون الجميلة، وهو يبدأ نصا يعتمد خصوصية الحوار والصراع والسينوغرافيا، غير أنه عندما يتحول إلى خشبة المسرح أو الركح يضاف إليه مجهود المخرج وعدد من الوسائل المساعدة كالإضاءة والديكور والموسيقى مع ملاحظة أن بعض النصوص المسرحية التي اصطلح عليه بالمسرح الذهني ليست قابلة للتحول إلى عرض مسرحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى