الصحافة العربية: «إفْكٌ» بِأَوْيِ المَمَاتِ أَمْ «سَفْكٌ» بِرَوْيِ الثِّقَاتِ؟

د. آصال أبسال | أكاديمية وإعلامية تونسية – كوبنهاغن ( الدنمارك )

وهكذا من منظورٍ آخَرَ، في هكذا اعتبارٍ وهكذا حُسْبَان، ودونما الحاجة أيضا إلى استعمال ذلك الراسخ من أيٍّ من عبارات الاستهلال البلاغي بالبلاغ أو التمهيد البياني بالبيان، أصدرت صحيفةُ «القدس العربي» تيك عن سابق الإصرار والتصميم في ذاك الآنِ وذاك الأوانِ، تيك الصحيفةُ الغنيةُ عن التعريفِ انتهازا ونفاقا وازدواجا وتناقضا ذاتيًّا وحتى عبثا شائنا بتعليقات القراء والقارئات بطوع البنان، أصدرت إصدارا بالنوايا التأبينية «الطيِّباتِ» مقالَ الافتتاح جُلاًّ أحاديًّا «جليًّا» بالإفْكِ بالعينِ وكلًّا رباعيًّا «خفيًّا» بالخَتْل والخَتَلان والهَتْرِ والهِتْرِ بالأعيانِ، أصدرته تحت هذا العنوان الاسترشادي والاستنصَاحي اللافتِ أيما لفتٍ للعيان، «درس الكويت وأميرها الراحل» /من إصدار «القدس العربي» في يوم 29 أيلول (سبتمبر) 2020/.. فحتى في مثال الكلام التأبيني، كمثلِ كلامِ هذا المقالِ الافتتاحي، عن مماتِ الحاكم الكويتي الخامس، صباح الأحمد الجابر الصباح، حتى في هكذا مثالٍ تمثيليٍّ ثَمَّةَ «إفْكٌ ترويهِ الثقاتُ»، ولا ريبَ فيهِ، ترويهِ «سَفْكًا» بالحرفِ أو حتى بالمجاز.. إذْ يقولُ هذا المقالُ الافتتاحيُّ صريحًا، ودون مرواغةٍ ودون مواربةٍ، إن الحاكمَ الكويتيَّ الخامسَ الراحلَ هذا، منذُ بَدْءِ التاريخ التليدِ لـ«استقلالِ» الكويتِ، دويلةً، عن بريطانيا في اليومِ التاسعَ عشرَ من شهر حزيران (يونيو) عامَ 1961 (وقد كان ذلك التاريخ، آنئذٍ، في عهد عبد الله السالم الصباح)، إنما هو شخصية «من جيل يمكن استدعاء شخصيات مميزة فيه، كالملك فيصل بن عبد العزيز، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو جيل عُرف بسياسات خارجية «معتدلة» لكنها كانت داعما كبيرا للفلسطينيين وللأردن ومصر وسوريا خلال الصراع مع إسرائيل»، وذاك على حدِّ تعبير مقال الافتتاح ذاته – هذا عدا ذلك التعبير الإسهابي والإطنابي عن «فرادة» الكويتِ بين حفنةٍ من دويلاتٍ خليجيةٍ تَبُوعٍ لافريدةٍ، من جهةٍ أولى، وعن «اختلافها» بالتالي عن هذه الدويلاتِ الخليجيةِ التَّبُوعِ طرًّا (ودونما أيِّ ذكرٍ صريح، بالطبع، لتلك الدويلةِ «الخليجيةِ» التي تعتاشُ صحيفةُ «القدس العربي» بالذاتِ اعتياشًا على فضلاتِ الفائضِ من ريالاتها، أي: قطر)، من جهةٍ أخرى..

وقد جاءت هذه «الفرادةُ» بالذكر السابق، ثم جاء هذا «الاختلافُ» بالذكر اللاحق، تمييزا فريدا لما تتمتَّع الكويتُ بهِ، دويلةً، من تجريبٍ «ديمقراطي» كان قد دامَ أكثر من أربعين عاما (بدءا من العام 1921) ثُمَّ استدامَ، بعدئذٍ، بنحو أكثرَ تطوُّرا حين تمَّ إنشاءُ ما يُسَمَّى بـ«مجلس الأمة»، فتمَّ من ثَمَّ إعلانُ الدستور المنظور في العام 1963، وبالأخصِّ من هكذا تجريبٍ «ديمقراطي» فيما لهُ مِسَاسٌ بقضايا «حرية التعبير» على كلٍّ من الصعيدِ الصحافي والصعيدِ الثقافي، قبلَ أي صعيدٍ آخر، هذه «الحريةِ التعبيريةِ» بالعين التي تفتقر إليها كلَّ الافتقارِ كافَّةُ المجتمعاتِ الأخرى وهي ترزحُ تحت نير أنظمةٍ أوتوقراطيةٍ فاشيةٍ مُغَمَّسَةٍ في الدخيل و«الأثيل» من مستنقعات الطغيان والاستبدادِ وما يقتضيانهِ من توحُّشٍ ومن همجيةٍ منذ ذلك الحين، أنظمةٍ أوتوقراطيةٍ فاشيةٍ مُدَمَّسَةٍ للتمويهِ والإيهامِ، رغمَ كلِّ ذلك، تحت جنَّاتٍ من أعنابٍ وتحت جِنَانٍ من نخيلٍ، في أصقاعٍ متفرِّقةٍ من هذا العالم العربي الحزين.. وهكذا، أيضا، وبالنظر اليقيني إلى ما تعرَّضت له الكويتُ، دويلةً كذاك، من زلزالٍ وُجُودِيٍّ بسببٍ من ذلك «الاحتلال» الجنوني لأرضها كاملةً من لدن قواتِ الجيش العراقي (الصَّدَّامي) حينذاك.. وبالنظر اليقيني المثيل إلى ما تأثَّرت به تلك «الكويتُ» تأثُّرا سلبيًّا، إذَّاك، من حربٍ تاليةٍ أكثرَ جنونيةً عامَ 1991، حربٍ سُمِّيت تسميةً ترتيبيةً بـ«حرب الخليج الثانية» بالإتباع والتعيين (أو سُمِّيت كذاك تسميةً توصيفيةً، في اللغة الإنكليزية، بـ«عملية درع الصحراء» Operation Desert Shield، لكيما يكتمل إخراج تلك المسرحية السحماء).. كل شيءٍ، في سياق «الإعلام السياسي» المعهودِ والمقصودِ، كان عليه أن يكونَ على ما يرامُ ودونما إشكالٍ، بالفعلِ أو بالكادِ، لو أن مقالَ الافتتاحِ المعنيَّ لم يربطْ ربطا شرطيًّا صارخا وفاضحا ذلك التعبيرَ الإسهابيَّ والإطنابيَّ عن «فرادةِ» الكويتِ و«اختلافِها» المذكورين قبلَ قليلٍ بالإطراءِ والتقريظِ غلوًّا أيَّما غلوٍّ دون سواها من تلك الدويلاتِ الخليجيةِ التَّبُوعِ بـ«اللافرادة» و«اللااختلاف»، لو أنه لم يربطْهُ ربطا شرطيًّا صارخا وفاضحا (لكي نعيدَ، هنا، للتشديد) بكونِها على السطح، كونِ الكويتِ بعهدِ حاكمِها الخامسِ الراحلِ بالذاتِ، كونِها ذاتَ «سياساتٍ خارجيةٍ «معتدلةٍ» لكنها كانت داعما كبيرا للفلسطينيين وللأردن ومصر وسوريا خلال الصراع مع إسرائيل»..

قبلَ كلِّ شيءٍ، ها هنا، فإن القولَ بأن الكويتَ كانت متَّسمةً بتلك السياساتِ الخارجيةِ بالاعتدال «منذ [أوانِ] استقلالها عن بريطانياِ»، على وجهِ التحديد، إنما هو قولٌ غيرُ صحيحٍ بتَّةً، لا من المنظور السياسي ولا حتى من المنظور التاريخي، مَرًّا، كما يتبدَّى.. ذلك لأن هذه «الكويتَ»، منذ أنِ استوطنَها ذلك الحلفُ القبلي المُسَمَّى بـ«العتوب»، أو بـ«بني عتبة» (ضامًّا عددا من الآلاتِ، كمثلِ آلاتِ صباح وخليفة وجلاهمة وبن علي، إلخ) في بدايات القرن السابع عشر، كان قد تمَّ تصنيعُها الاستعماريُّ، فتمَّ من ثَمَّ ترسيمُها الإمبرياليُّ، مرَّتَيْن متعاقبتين على أقلِّ تقدير: مرَّةً أولى من قبل الإمبراطورية العثمانية حتى العام 1913 (وذلك بناءً على تلك المعاهدةِ الاقتساميةِ الثنائيةِ المُسَمَّاةِ آنئذٍ تسميةً بـ«المعاهدة الأنكلو-عثمانية» Anglo-Ottoman Convention)، ومرَّة أخرى كذاك من قبل الإمبراطورية البريطانية بعد أن وضعتِ الحربُ العالمية الأولى أوزارَها عامَ 1918، وبعد أن «هزمتْ» هذه الإمبراطوريةُ الأخيرةُ ما تبقَّى من كيانِ تلك الإمبراطوريةِ الأولى.. من هنا، فإن هذه «الكويتَ» دويلةً، بوصفها تصنيعا وترسيما بريطانيَّيْن في مَرَّتِها «التاريخيةِ» الأخرى، لم تستقلَّ أسَاسًا عن هذه الـ«بريطانيا» ذلك الاستقلالَ المنشودَ بالفعلِ سوى في الظاهرِ الرَّسْمِيِّ عامَ 1961، لمجرَّد أن هكذا «ظاهرًا رَسْمِيًّا» إنْ هُوَ إلاَّ مُتَكَشِّفٌ تَكَشُّفًا للأنظار كلِّها، ولا شكَّ فيهِ، في حين أن الباطنَ اللارَسْمِيَّ، من الطرفِ المُقابلِ والنقيضِ، يبقى «باطنًا لارَسْمِيًّا» طالما أنهُ مُتَسَتِّرٌ تَسَتُّرًا عن الأنظار كلِّها، بالمثلِ كذلك، حسبما يرتئيهِ الفيلسوفُ الألماني مارتن هايدغر من زاويةِ الانعكاسِ الميتافيزيائي بالذات.. وبعدَ كلِّ شيءٍ، ها هنا، إزاءَ ذلك الـ«ما قبلَ» قبلا، فإن القولَ بأن الكويتَ، على الرغمِ من كونها دويلةً محكومةً حُكْمًا ترتيبيًّا «خامسًا» من لدن شخصيةٍ قد اتَّسَمَتِ اتِّسَامًا بتلك السياساتِ الخارجيةِ بالاعتدال، «لكنها كانت [إذَّاك] داعما كبيرا للفلسطينيين وللأردن ومصر وسوريا خلال الصراع مع إسرائيل»، على وجه الخصوص، إنما هو قولٌ غيرُ سَديدٍ بتَّةً، بدورهِ هو الآخَرُ، لا من الحَيْثِ الإنساني ولا حتى من الحَيْثِ الأخلاقي (بقدر ما يخصُّه الأمرُ، مَرًّا، كذلك).. ذلك لأن هذه «الكويتَ» ذاتًا، وفي معيَّتِها إبَّانَئِذٍ كلٌّ من السعوديةِ والإماراتِ بالأقلِّ من بينِ تيك الدويلاتِ الخليجيةِ الـ«بترو-دولاريةِ» التَّبُوعِ بالذات، كانتْ قد قدَّمتْ ذلك «الدعمَ الماليَّ الكبيرَ»، إن قدَّمتْهُ فعلا بِنِيَّاتٍ حِسَانٍ طيِّباتٍ على أدنى تخمينٍ، كانت قد قدَّمتْه أثمانا مُتَّفَقًا عليها في الخفاءِ المخفيِّ، حينًا بعدَ حينٍ، مع رهطِ المُصَنِّعين والمُرَسِّمين أولئك من أجلِ بقائِها «الأبدي» في عروشِ الحُكْمِ على المستوى القبلي (وهو الأهمُّ)، من ناحيةٍ أولى، ومن أجل الحفاظِ على ماءاتِ الوجُوهِ أمامَ الرأيِ العامِّ العربيِّ على المستوى القومي (وهو الأكثرُ أهميةً)، من ناحيةٍ أخرى.. أقولُ هذا الكلامَ الجدَّ خطيرٍ للمعنيِّين بالأمرِ من رهطِ «المُصَنَّعين» و«المُرَسَّمين» أولئك بالتشديدِ الشديدِ بالمثلِ المَثيل، أقولُهُ مثنى وثلاثَ وعشارَ على كلٍّ من هذين المستويَيْن، المستوى القبلي والمستوى القومي، لماذا؟؟.. لأن مسألةَ ما يحدثُ الآنَ، وقد حدث من قبلُ، من «تطبيعِ» دبلوماسيٍّ ذليلٍ مُذِلٍّ بين عُرْبَانِ الخليج و«عُبْرَانِ» إسرائيلَ ذواتِهم ليستْ مسألةً وليدةً متولِّدةً من أرحامِ هذا الآنِ والأوانِ في حدِّ ذاتهِ، بلْ مسألةٌ تُسُوعِرَ ثُمَّ تُصُوفِقَ فيها من وراءِ الكواليسِ زمانا مديدا قبلَ أكثرَ من ستين عامًا بالأكملِ والأتمِّ، ولا ريبَ فيها ولا ريبَ، حتى قبلَ آنِ وأوانِ استقلالِ هذه «الكويتِ»، دويلةً، من بينِ تيك الدويلاتِ الخليجيةِ الـ«بترو-دولاريةِ» التَّبُوعِ بالذات!!..

جميلٌ كلَّ الجَمَالِ كلِّهِ، إذن، أن نرى، في سياقِ هكذا «إعلام سياسي» معهودٍ ومقصودٍ، إشكالا تزييفيًّا قبيحا كلَّ القباحةِ ليس لهُ إلا أن يعكسَ «إفْكًا ترويهِ الثقاتُ» إلى حدِّ الخَتْلِ والخَتَلانِ والهَتْرِ والهِتْرِ، «إفْكًا سَافِكًا» ينضَحُ من كلِّ سُمٍّ من مَسَامِّ جِلْدِ مَنْ تكلَّفَ العناءَ في تلفيقِ هكذا مقالٍ افتتاحيٍّ «قُدْسَاوِيٍّ» حتى في تأبينِ المماتِ، وسواءً كانَ المُلَفِّقُ المعنيُّ ذَكَرًا أفَّاكًا بقلبِ ذَكَرٍ أم  ذَكَرًا خَتًّالاً هَتَّارًا بقالِبِ أنثى بالذات.. نعرفُ الآنَ أكثر من أيِّما زمنٍ قد خلا، نعرفُ الآنَ أن جُلَّ تيك الدراهمِ والريالاتِ الـ«بترو-دولاريةِ» التي خُصِّصَتْ للفلسطينيين والسوريين والأردنيين والمصريين إبَّانَ القتالِ مع إسرائيلَ، إن لم نقل كلَّها (خلا النزرِ النزيرِ) في الشُّرُوقِ والغُرُوب، نعرفُ الآنَ أنها قد ذهبتْ ذهابًا إلى جيوبِ، لا بل إلى بطونِ، أزلامِ السُّلُطَاتِ العَتِيَّةِ المعنيَّةِ بالأمرِ دونَ هذه الشعوب.. نعرفُ الآنَ أن الإماراتِ لَهْيَ أولى «المُطَبِّعَاتِ» دبلوماسيًّا مع هذه الـ«إسرائيلِ» دونما أيِّ جَفَاء، وأن السعوديةَ الآنَ راضيةٌ كلَّ الرِّضَى عن هكذا «تطبيعٍ» ذليلٍ مذلٍّ في الجَهَارِ المُفَاء، وأن هذه «الكويتَ» راضيةٌ كذاك عنهُ بالمثلِ المَثيلِ، لكنْ راضيةٌ في الخَفَاء – ناهيك عن تلك الدويلةِ «الخليجيةِ» الرَّجِيَّةِ التي تعتاشُ صحيفةُ «القدس العربي» بالذاتِ اعتياشًا على فضلاتِ الفائضِ من ريالاتها (أي: دويلة قطر)، في خَفَاءِ الخَفَاء.. فمغفَّلٌ كلُّ من يظنُّ، أو مغفَّلةٌ كلُّ من تظنُّ، أن إعلانَ أيَّةٍ من هذه الدويلاتِ الخليجيةِ الـ«بترو-دولاريةِ» التَّبُوعِ «تطبيعَها التاريخيَّ» مع هذه الـ«إسرائيلِ» قد أتى بمحضِ إرادةٍ منها ودونَ سواها، كما يُفهمُ فهمًا جليًّا من كلامِ سائرِ المقالاتِ الافتتاحيةِ المعنيَّةِ أيضا.. /يُنظر كذلك، مثلا: «خطط أمريكية إسرائيلية إماراتية لفلسطين ورئيسها!»، من إصدار «القدس العربي» في يوم 17 أيلول (سبتمبر) 2020/.. كما سبق الإلماعُ إليهِ قبلَ قليل، فإن تلقينَ السرِّيِّ، أو حتى العلنيِّ، من الأوامرِ كافَّةً لكلِّ فَلٍّ من فلولِ هذه الدويلاتِ الخليجيةِ الـ«بترو-دولاريةِ» التَّبُوعِ، فُرَادَى أو زَرَافَاتٍ، فإن هذا التلقينَ يأتي، أولا، من بريطانيا التي صنَّعتْ ورسَّمتْ هذه الدويلاتِ الخدمية (في مَرَّتِها «التاريخيةِ» الأخرى) في الأصل، ويأتي من ثمَّ، ثانيا، من أمريكا التي تجلَّتْ بمثابةِ الاِبنةِ «التاريخيةِ الوفيَّةِ» لتلك الـ«بريطانيا»، وخاصَّةً بعد أنْ شارفتِ الحربُ العالمية الثانية بدورها على الانتهاءِ عامَ 1945.. فمسألةُ التلقينِ هذه، إذن، لَمسألةٌ قديمةٌ تعودُ بالزمانِ المديدِ إلى أكثرَ من ستينَ عامًا، كما ذُكِرَ آنفًا، إلاَّ أنها لم تبدأْ بالتبلورِ التدريجيِّ (الرُّوَيْدِي)، في واقعِ الأمرِ، إلاَّ في أعقابِ تلك المهازلِ التي نجمتْ عنِ «اتفاق أوسلو» الغنيِّ عن التعريفِ بانهزامِ «القيادة» الفلسطينية واستخذائها، حينذاك..

صحيحٌ أن هناك الكثيرَ الجَمَّ من المُسْتائينَ والمُسْتاءاتِ (وأنا أوَّلُهُنَّ حتمًا) من ذلك «الاحتلال» الجنوني لأرض هذه «الكويتِ» كاملةً من لدن قواتِ الجيش العراقي (الصَّدَّامي) آنئذٍ – هذا هو التاريخُ السياسيُّ الدعاويُّ الحديثُ، كما تمَّ تسجيلُهُ صَحًّا، أو أقلَّ صَحَاحًا.. بيدَ أنه صحيحٌ أكثرَ أن هناك الكثيرَ الجَمَّ من الغافلينَ والغافلاتِ (وأنا لستُ مِنْهُنَّ بتًّا) عن ذلك السؤالِ اللحُوحِ الذي لم يزلْ يُحَيِّرُ حتى مَنْ لا يُحَيَّرُونَ ومَنْ لا يُحَيَّرْنَ عن كيفيةِ استلامِ آلِ صباح ذواتِهم مقاليدَ الحكمِ في تلك «الكويتِ» من دون كافَّةِ الآلاتِ الأخرى حينما استقطبها بالضَّمِّ ذلك الحلفُ القبليُّ المُسَمَّى بـ«العتوب»، أو بـ«بني عتبة» (ضامًّا كذاك حشدا من الآلاتِ، كمثلِ آلاتِ خليفة وجلاهمة وبن علي، إلخ) في بدايات القرن السابع عشر: هذا إن لم يُذكرْ أيُّ شيءٍ عن ذلك السؤالِ اللحُوحِ والمُحَيِّرِ الآخَرِ عن كيفيةِ استسلامِ آلِ صباح ذواتِهم كذاك للمحتلِّ العثمانيِّ، والي بغدادَ مدحت باشا بالذات، ومساندتِهم إيَّاهُ خُنُوعًا وهَوَانًا بأسطولٍ بحريٍّ كانوا يقودونَهُ بأنفسِهم، حينَ شنَّ هذا المحتلُّ العثمانيُّ الغاشمُ حربًا «اِنكشاريةً» شعواءَ لاحتلالِ الأحساء والقطيف عامَ 1871 – هذا هو التاريخُ السياسيُّ اللادعاويُّ «القديم»، كما تمَّ تدوينُهُ صَحًّا أو أقلَّ صَحَاحًا بالمثلِ كذلك.. لكنَّ الطامَّةَ الكبرى، ها هنا، تتجلَّى عندما يصيرُ كلٌّ من هذين التسجيلِ الدعاويِّ والتدوينِ اللادعاويِّ مَشيجًا وَشِيجًا من «إفْكٍ ترويهِ الثقاتُ» إلى حدِّ الخَتْلِ والخَتَلانِ والهَتْرِ والهِتْرِ، «إفْكٍ سَافكٍ» على ألسنةِ «اللَّوْذَعِيِّينَ» من الكَتَبَةِ الإعلاميِّينَ والكَتَبَةِ الصحافيِّينَ، على حدٍّ سَواءٍ.. قديمَا، كان بعضٌ من القُوَّالِ الشِّفَاهِيِّينَ الشُّذَّاذِ يَنْسِبُونَ قولةً فيها نظرٌ إلى الرسُولِ محمدٍ بغِرارِ حديثٍ من الأحاديثِ، صحَّ النَّسْبُ أو لمْ يصحَّ لا فرقَ، هكذا: «كَذَبَ المُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدَقُوا»!!.. حديثًا، صَارَ بعضٌ من الكُتَّابِ الرِّوَائِيِّينَ الأفْذَاذِ «يُنْشِبُونَ» قولةً فيها نظرٌ بالمثلِ، كمثلِ الكاتبِ الرِّوَائِيِّ الإنكليزيِّ، جورج أورْويل، بغِرارِ كلامٍ حكيمٍ يصحُّ آنًا بعد آنٍ، هكذا: «كَذَبَ الدِّعَاوِيُّونَ أو الدِّعَائِيُّونَ [أو الإعْلامِيُّونَ أوِ الصِّحَافِيُّونَ] وَلَوْ صَدَقُوا»!!..

———–

تعريف بالكاتبة 

ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتُها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص.

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. كل المودات والتمنيات وكل تحيات الشكر والتقدير والاحترام للأخت الدكتورة آصال أبسال على هذا المقال القيم والمنور والتحليل العميق والثاقب بأسلوب كتابي عربي قمة في الروعة والجمال والرقي
    أختنا الموقرة آصال لقد أصبت في كل ما جاء في هذا التحليل المتميز بخصوص تملق وتزلف جريدة القدس العربي لأسيادها الممولين الخليجيين وخاصة القطريين عندما يأتي الكلام عن تشويه التاريخ والحقائق لهكذا أنظمة بترودولارية مأجورة للحفاظ على مصالح وامتيازات أسيادها بدورها هي الأخرى في الغرب الأوروبي والأمريكي

  2. تحية إجلال واحترام للأخت الناقدة الصحافية المتميزة الدكتورة آصال أبسال
    كما في جميع مقالاتها السابقة في معالجتها لشوائب وشوائن الصحافة والإعلام في بلاد العرب وبلاد الغرب، هذا المقال يكشف عن حقائق تاريخية من وراء كواليس السلالات (أو الآلات) الحاكمة البترودولارية التي نُصِّبت من بين العربان من قبل أسيادها من المستعمرين الأتراك والإنكليز، وهذه الحقائق من المستحيل أن تتجرَّأ صحيفة مأجورة مثل القدس العربي على نشرها أو حتى الإشارة إليها بشكل غير مباشر، ما تفعله الصحيفة على العكس تماما هو التغطية على تلك الشوائب والشوائن النفطية والإغراق في مديح المجرمين من أولئك الآلات /
    كل الشكر والتقدير للأخت الكريمة آصال أبسال

  3. عاجل وهام إلى أسرة التحرير
    على فكرة، الأخت الأكاديمية الدكتورة آصال أبسال هي ناقدة صحافية وإعلامية بامتياز
    فهي إذن ليست (إعلامية) بالمتعارف التقليدي للإعلام، كما تشيرون إلى جانب اسمها كعادتكم
    مما استوجب التنويه والتنبيه

  4. سلمت لنا أختي الدكتورة آصال أبسال على هذا المقال وهو من أروع المقالات النقدية الفكرية التي تعري فضائح آلات النفط الخليجية وشنائع أجرائها وأجيراتها من الكتبة الصحفيين المرتزقة مثل أولئك الذين يعملون بجريدة القدس العربي المأجورة وهذه هي حالهم المزرية منذ تأسيسها قبل أكثر من عشرين عاما
    كل المودة والتحية أختي آصال

  5. أختي آصال
    نسيت أن أسجل إعجابي بالصورة الجديدة فهي من أجمل ما يكون حقا
    ما حرمنا الله من هذه الطلة البهية يا رب

  6. رائع بكل معنى الكلمة أختنا الدكتورة آصال أبسال المحترمة
    جراءة فريدة من نوعها في هذه الكتابة المتألقة والكشافة للمخفي عن الأنظار
    مع تحياتي وسلامي

  7. عاجل وهام إلى هيئة التحرير أيضا
    هذا المقال المتميز يجب أن يظهر في الترتيب الأول من قائمة مقالات الدكتورة آصال أبسال (لأنه الأحدث) وليس في الترتيب الأخير – فيرجى تدارك هذا الأمر يا فهيمين (كل شي عندكم ماشي بالمقلوب) !!؟

اترك رداً على مناف العمري - الإسكندرية إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى