تجاعيد الماء (24).. رسالة لاتحتاج طابعاً بريدياً

سوسن صالحة أحمد | كاتبة وشاعرة سورية تقيم في كندا

تختل القصيدة على سطور الروح، طيفك، يتراقص على موسيقاها المترددة ما بين صدري ونحري، حتى أعجز في احتمالاتها عن رسم شكلها، ولكثرة ما أفرد وأطوي صفحتها في تبينها، تنفرط كحبات سبحة حملت من وجوه الشبه تسعة وتسعين، واثنتين بقيتا شواهد على المعاني، تعود وتترتب بنا كما يشاء بحر جنوننا، وغالباً مايكون طويلاً كتلك المسافات التي تحول دون اللقاء والأزمنة المنفردة بتواقيتها، تفرضها بتراتبية دقيقة لاتكاد تخالف ألماً إلا وتحمله معها.
ماذا أقول عن ليلي ياغريب الروح؟ ، وأنت قصيدته! ، لاتجتمع مفرداتها إلا في بحر الجنون، وأنا الساكنة كتفعيلة استُبْدِلَتْ بسواها لضرورة القرض، وأنت البعيد تُلَحِّنُكَ على مقامِ الصبا لأرقص في العمق سماحاً وأنثني وأتدلى كعنقود كرزٍ فارت حمرته آنَ القطاف.
بالأمس، وما أجمل الأمس لما تهاتفنا، وأتى صوتك كنغمة قيثارة تفلتت من معزوفة وحطت على قلبي حمامة رسولة، ليتردد هديلها صدىً يرتطم بجدرانه، ينتشي بها كفضاء مسكون بالرهبة، ويعلنها صلاة على صراط الحب أملاً بدخول جنتك.
بتُّ أتحرك على نغمتها، أرسم عليها خطوتي، انحناءة شفتاي عن ابتسامة تغلبني، وتثير التساؤل في الحضور، كلما تذكرت ذلك العابس ذي العينين الزرقاوين وهو يرعى بقراته والقشة بين أسنانه، يعلك منها جزءاً ثم يبصقه ليقضم جزءاً آخر، وموسيقا رعاة البقر تلاحق حركة يديه ونظرته الحادة، صورة رافقتني إلى سريري، فأحببت خوار البقر، واستحضرت صوته في أذني التي أبت إلا أن تسترجع صوت ضحكاتك حين سمعتَ مني التشبيه.
ياه. . كم أحبك!
ماذكرتك مرة في نفسي إلا وسبقتني إلى قلبي قبل عيني دمعة، كيف يجمعنا الزمان في وقتٍ لانستطيع أن نجتمع فيه، وفي حالٍ لانملك تبديله، وربما أحمد الله كثيرا من الأحيان على بعد المسافة التي لو شئنا جعلناها معدومة كتلك التي جمعتنا دون أن نجتمع وتوحدنا في جسدين كل منهما في بقعة من الأرض.
أي عدلٍ في الكون؟ وأي أمل يصلح أن نتكئ عليه للقاء؟
أتقلب على صورة وجهك معانقة الحلم يدفئ أوصال الروح، أستحضر أنفاسك أتذوقها، كم هو طيب طعم البلح! ما عهدت النخيل يوما بخيلاً، وهاهو الليلة الفائتة يتركني على حلم لايحتمل أوجه التفسير ولا يخضع لاحتمالات التأويل.
ناجيتك، فنهضت من سريري وكتبت لك. .
(كان قد أسر لي الحب كيف يقتفي أثر السماء فتبعته غير آبهة بما يلبسني من الوجدِ وحقيقة لا أدري إن كنتُ سأدركها، كان همي إستراق السمع بعدما عرفت طرق الشهب المتساقطة فصرتُ يقظة لمواقيتها، أختبئ خلف حلمي بوصول السماء ريثما تهدأ غضبتها، لأعاود الصعود، أتعب، فأتكئ على قصيدة الماء أفك بعض طلاسمها، أتلوها قرآنا، أستعيد به عافية استهلكتها المسافات، قد أتوه، فأستدل بخلجات الروح، بوصلة ما أخطأت يوما وجهتها، وإن كللت، انتفض دوري الروح مرسلا صوته في دمي يوزع لحناً من وله، يرتجف له قلبي، فأشهق أنفاس الصعود من جديد، وما أزال حتى ألمسك).
عدتُ إلى السرير لأتقلب على نبضي يردد اسمك وينفض عن عيني استعطاف الوسن فعدت إلى ورقي. .
( يا أنت، أي سحر تلوت على الروح فاستيقظت من سباتها؟ ! ، أسقيتنيه على قلب فارغ فامتلأ بك، هاكَ مني ما تشتهي وأخبرني، كيف توحد السحر بالساحر؟ ، ما وجدتُ تعويذةً تفك طلاسمك، ولما اتكأتُ على باب السماء أرتجي الشفاء منكَ، ردتني ملائكتها إلى سورة الروح فوجدتك فيها.
يا أنا. .
هاتِ منكَ تميمةً أداويني بالتي كانت الداء).
وعدتُ أتقلب، أذكر أني آخر ماسمعتُ مع ندائك في الروح، الله أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى