قراءة نقدية لنص الشاعر ناصر قواسمي ( الأعمى )

احمد محمود دحبور / فلسطين 

العنوان “الأعمى” ليس اعلانا محضا لعائدية النص ولمنتج ما، وليس ورقة قلقة تربط النص بكاتبه فقط، بل هو استدعاء القارئ الى نار النص، وإذابة عناقيد دالية وطنه بين يديه، انه له طاقة توجيهية ماثلة ، فهو يجسد سلطة النص وواجهته الدلالية.
فالاعمى تحتفظ بدلالتها الظلامية وتجعل الاهتداء اليها عسيرا، فالشاعر هنا يقلب عناصر الصورة ليجعلها مدفوعة مع أجواء المتن السردي وما فيه من تشابك في الشكل والمعنى وتضاد في الاتجاهات ويقوده الى مستوى آخر من الأسئلة المخخة والحوار بين الذات والاخر الجمعي والتوتر والدلالة
كم كان وجهك أحلى
كم كنت وقوعي في الضلالة
أينك الآن مني
آينك الآن علي
الى صيغة النداء …
يا المفقود في خرائط الزمن
يا هاجسي كلما مسني الحنين للطرقات
يا ايها العراء عزائي
يا وطن المنفيين في كل الاوطان
يا وطني المعروض في سوق النخاسة..
ان بناء القصيدة بهذا الشكل يضع شحنة السرد كله في موضع تساؤل ونداء واندهاش والحيرة الدالة نحو منحى جمالي جواني، مربك حتى تتحول اللغة عند الحبيب ناصر قواسمي الى كتابة سردية مثيرة وصادمة ضمن لغة ظنية مترعة بالدلالات والايحاءات والمكابدة المشحونة بشظايا الوطن الموجوع بانكساره لغة معبأة بالتكثيف واختزال التفاصيل .
وكان وجهك يا حبيبي اجمل
وانت تنهض من فستق النوم والاضواء
فترتوي الماء قميصا من النور
وفي انزياح الماء عن الماء
كم كان وجهك احلى
من كركرة القلق
ضحك اللوز في اعطاف السماء
هنا يبدع ناصر ابن الخليل الآبية في ايقاظ هواجس الذات وكوابيسها الغافية واستدراجها الى قميص النور
انا الضرير يا وطني ..
شاعر قلق يلجأ الى الربط بين الأشياء والافعال والاسماء والافكار والأسئلة مدفوعا بعلائق التشابه والاستعارات المجازية والصور المحتدمة المتمردة على من جعلوا الوطن منفى وسوق نخاسة ومذبح يتلوا فيه عهرههم وسقوطهم هؤلاء المتفرجون الذين يرقصون كالذئاب على جثث الشهداء في مواخير البغاء
انا الضرير يا وطني بلا اكراه
انا المنكسر والمخدوع بعروبتي
اتذكر ملامحك
كم كان وجهك أحلى
ان مروحة اللغة الملتاعة بخداع اخوة يوسف تتحرك عند قواسمي في فضاء يتمدد بين التجريدي والحسي وصولا الى وحدة ايقاع القصيدة ممتلئة بالذهني والملموس، يضفي عليها هذا المنفي لغة حارة وساخرة يفجر فيها فانتزيا وطنه المأسوية بشكل ملحمي وتراجيدي ويتشظى بانزياح الماء عن الماء بنبرة حادة وروح متعبة ومشتتة يقينها النصر لا محالة وذلك استجابة لممارسة نمط كتابي آخر يعبر عن فائض الحيوية الروحية والمعرفية، نحن امام رئة شعرية ورقية تكتب بماء القلب وجعها وحلمها على ورق العنب وهو جزء من توتر الذات الشاعرة الفردية والجمعية الفلسطينية والعربية والانسانية المحتدمة بالاشتباك والصراع والمنفى والاغتراب المحتدم بالعذاب والمعنى من طلوع الشمس في صباحات الشتاء
على اواني الأرض
واشهى من لثغة الطفل في حرف الراء لينجو من الهرة الكبرى
ستهزمهم ايها الكنعاني الطود ولن تغافلهم بطعنة من الظهر ستواجههم بحقك وعدالة قضيتك
وستمطر السماء مزن البشرى على اهلنا الحثيين والكنعانيين وسنرفع رايات النصر على اسوار القدس وقباب الخليل وستنتهي صحراءك وتتعمد من نهر المسيح وتعود يافا وبيسان يضوع منهما زهر الليمون والبرتقال وستعزمنا الى كروم الخليل على مائدة ورق الدوالي وسنرقص على ايقاع جفرا وميجانا ابو عرب سندق خزان غسان كنفاني ولن نبقى متشائلين وعلى ارض درويش ما يستحق الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى