شاهدْ كلمة النقاد : حفل ختام الملتقى الأول للقصة القصيرة

أ.د | منير فوزي

أيها الجمع الكريم.. عطر الله مساءكم بكل فلٍّ وياسمين..
يقاس مقدار تقدم الأمم -عادة- بقدرة مبدعيها وفنانيها وعلمائها على الإبداع والابتكار والتجدد، وكلما ارتقى الإبداع والفن، ارتقت المشاعر والأحاسيس، ولا يمكن لأي نهضة فكرية وحضارية في مجتمع ما من المجتمعات الإنسانية إلا أن تقوم على الإبداع الإنساني، هكذا تشكلت كل حضارات العالم القديم والجديد، وها هو شيكسبير يؤكد لنا أنه إذا أردت ان تحكم على حضارة شعب فاحكم على موسيقاه، وليست الموسيقا الفن الوحيد المقصود فحسب في كلمة شيكسبير وإنما هي كل جمّاع ومظاهر الإبداع والابتكار، فكل عصر له فنونه ومبدعوه، وله رجالاته ومفكروه.
إن جوهر الفن إنما يكمن في قدرة هذا الفن على جعل الحياة أكثر إنسانية وأكثر احتمالاً، ويجعلنا قادرين أكثر على تحمل صعوبات هذه الحياة، فهي جميلة وتستحق أن نحياها، ومهما واجهتنا الصعاب، فالإنسان دائمًا هو المنتصر والغالب، هكذا علمتنا التجارب الإنسانية وعلمنا الفن في جوهره، وهكذا تجمعنا مشاعر واحدة وأحاسيس وأفكار هي جوهر الإنسان في كل زمان ومكان، جوهره الذي لا يتغير ولا يتبدل، إلى قيام الساعة.
وعلى مدار ستة أيام متواصلة جاءت فاعليات هذا الملتقى، في ظروف عالمية بالغة الصعوبة، حيث يحصد كوفيد 19 آلاف الأرواح البريئة يوميًا، وحيث يواجه الإنسان خطر الفناء، وإزاء هذا التحدي الوجودي يبرز الفن هنا إبداعًا ونقدًا، ليؤكد جوهر الإنسان وقدرته على المواجهة والتغلب على كل ما يمثل تهديدًا لوجوده، وتبرز المواجهة في تلك اللحظات الصعبة لتكون بالغناء والشعر والإنشاد وكل صنوف الإبداع الأخرى؛ التي تعلي من شأن الإنسان ومن قيمه التي اكتسبها عبر رحلته الطويلة على هذا الكوكب، والتي لا يمكن أن يكون مصيرها الزوال والتلاشي.
على مدار هذه الأيام الستة غرد مبدعون وشدا كتاب وتحاور نقاد، من كل بلدان العالم العربيّ، وكانت الحصيلة هذا التفاعل الخلاق، والمثمر، فقد تعارف المبدعون على بعضهم من مختلف أقطار العالم، وبواسطة تقنيات التواصل المجتمعي، استطاع المبدعون والنقاد أن يتلاقوا وجهًا لوجه عن طريق التواصل عن بعد، وأن يتحدثوا ويتناقشوا في كل ما يختص بشئون الإبداع والمبدعين، بحرية واستقلالية، وطرح كل ما عنّ للمبدعين والنقاد من آراء فكرية وثقافية، بهدف الوصول إلى فهم عميق للنصوص الإبداعية المقدمة، وكشف ما بها من تجليات ومظاهر فنية وجمالية، تقود في النهاية إلى إعلاء قيمة الإنسان، وتشبثه بالدفاع عن قيمه ومبادئه، وعن جوهر وجوده.
وكما يقول أمير الشعراء:
(إنْ يكُ البينُ يا ابن الطلْح فرَّقنا إنَّ المصائبَ يجمعن المصابينا)
فقد تلاقينا جميعًا، وفي داخل كل منا رغبة حقيقية جادة، للتواصل، ولمواجهة الشدائد والملمات، تلاقى المبدعون والنقاد، بروح متسامحة، وبثقة أن كلاً منهما مكمل للآخر، فلا إبداع بدون متابعة نقدية جادة تكشف عن قيمة هذا الإبداع ومظاهر تميزه، كما أنه لا نقد فوقي استعلائي، يطرح النظريات والتصورات الذهنية دون أن لهذه التصورات أية تطبيقات في الواقع.
أيها الجمع الكريم..
إن المقولة التي كان يروج لها بعض كتاب السبعينيات في مصر والعالم العربي (نحن جيل بلا أساتذة)، التي كانت تعني ظهور الحركات الإبداعية والمبدعين، دون متابعة نقدية تشملها بالرعاية وتتتبعها بالاهتمام، تنتهي هنا، في هذا الملتقى، فالمبدعون باتوا يشاركون بكل فاعلية، والنقاد حاضرون يحفون أعمالهم بالرعاية والتفسير والشرح والتحليل، بكل حب وعناية، كل يسبح في فلكه، دون أي تصادم، بل توافق واكتمال.
وجوه إبداعية جديدة كشف عنها هذا الملتقى، وأظهر النقد تميزها، ووجوه أخرى مضيئة ثبتت وجودها أكثر على الساحة الثقافية والفكرية، إنه تواصل بلا حدود، ورغبة جادة في العطاء، لصالح أمتنا وأوطاننا، ولصالح كل ما يعمق من قيم المحبة والتسامح والإحساس بمواطن الجمال، وإعلاء منطق العقل إزاء كل ما يواجهنا من تحديات.
تحية من القلب لكل الذين شاركوا وأسهموا في كل فعاليات وورش هذا الملتقى على مدار ستة أيام، والذين تجاوز عددهم الستين قاصًا وقاصة وناقدًا وضيف شرف، شاركوا في أعمال إحدى عشرة ورشة، بهدف الانتصار للإبداع وللفن الخلاق.
وباسمي وباسم جميع الزملاء النقاد أتقدم للقائمين على المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح بكل الشكر، فمنذ سنوات طويلة لم نرَ ملتقى بهذه المشاركة الضخمة، ولا هذا التفاني والإخلاص، فقط كل ما نأمله في المرحلة التالية أن يتم جمع كل النصوص الإبداعية التي تمت قراءتها في هذا الملتقى في كتاب إليكتروني، يخلد هذه المناسبة، ويكون مادة خصبة للدارسين في مجالات السرد والإبداع القصصي.
والله الموفق، عليه قصد السبيل، والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى