حسن الترابي عصامي قاوم التحجر والتعصب.. رؤية موضوعية في مسيرته العلمية

د. يحيى عبد الله | أكاديمي موريتاني

في مجال العلم الفلسفة والفكر والسياسة يحق لكل فرد تبني رأيا سائغا عرف قائله أو جهله لما في ذلك من سهولة الإتباع وعدم القدرة على إنتاج رأي في غالب المسائل القديمة والحديثة لهذا استسهلت جماهير المتعالمين ونخب المعرفة اقتناء الآراء المنتشرة في سوق المعرفة الكاسدة لتتبناها كآراء جماعية ولم تستطع تقديم آراء اجتهادية لأسباب منها المعرفي ومنها التراكمي لتصورات قاصرة لم تستطع تجاوزها فاستعصى عليها الطريق لتمسك بتاريخ الماضين وتستعيض به ضعف ملكاتها الفكرية وبطبيعة الإنسان المتكل على فهم غيره لا يملك شيئا يسهم به في بناء المعرفة  غير أن يتهم ويقدم تصورات الآخرين على أنها ضربة لازب  لا يمكن قبول غيرها  بحكم رواجها.

لم يمكن الأمر قضية تنوع في الآراء أو نقاش حجة بحجة  يسفر عنه رأي مرجوح أو قول مردود بل كان تبريرا ودفاعا عن آراء اجتهادية قديمة لها زمانها ومكانها وحصر كل حقيقة دينية وإسلامية بشكل تعسفي لا يقبل تعدد الخلاف المشروع نصا أو تعدد الاجتهاد المطلوب كونيا ليكون التنوع والثراء المعرفي زاهرا فانحسر العقل الإسلامي في حين من الزمان تنافس في ساحة المعرفة حقول أخرى تنزيلا للسنن الكونية محلها فظل العقل الإسلامي يجبر كل منتسبيه على أن الخلاف لا يخرج عن  المذاهب الأربعة وأن القول بمخالفتها خروج عن الدين والشرع ونواميس الكون التي لم يعرف عنها المسلمون إلا القليل.

ليبرز لنا من خارج  هذا الواقع المحاصر للفكر والاجتهاد علماء ومفكرين لا يلتزمون غالبا بما صيغ وفق مصطلحات تاريخية خيمت على العقل والفكر وحصرت المعرفة في آراء دون غيرها وأقصت بمنهجتها  كلما  من يخالف تحت مسميات وصياغات كثيرة.

فكان من بين من لم يلتزم بتلك الطريقة د. حسن الترابي ليطعم الاجتهاد ويدفع بعجلة الفكر والعلم والسياسة إلى ساحة الصراع الحضاري القائم ليكون بذلك من بين من اعترض على أفكار قال بها ورؤى تبناها متجاوزا بها زمانها الجامد فكريا وغير المنتج علميا فدعى للاجتهاد المتجدد وتنوع مصادر المعرفة واستفادة المسلمين من غيرهم في مجالات الحياة والعلم كما حصل في آونة دخول المسلمين عالم الحضارات القديمة بإضافتهم للمنطق والفلسفة والاجتماع والطب لعلومهم.

ظل الترابي يزاوج بين مناحي فكرية وسياسية يخوض بها ميدان الواقع مواجهة عقبة كؤودة متمسكة بتاريخ من الإجتهاد لم يقبل أن يتنازل عن آرائه أمام عواصف الشرق والغرب والمحيط التي لا تترك تهمة إلا ووزعتها على مخالفيها.

بين الظلام والجمود رمى الرجل فكره وقدم حججه دون أن يرد أو يوقف على مصادرها أو حتى يتم الإطلاع عليها قبل الحكم عليها فقوبلت لتلك الآراء بتحيز منه الجغرافي والديني لحجبها عن ساحة المعركة فاستعصمت الآراء كالعادة بقوة صوتها وحجة دليلها لخرق جدار الصمت وتعلن نصاعتها في الميدان ليرجع إليها بعد هنيهة من الزمن وينتقى منها ما يتعلق بضرورة اكراهات الواقع وسياسته لتفتخ الباب أمام المرأة المسلمة التي حجبتها الآراء الاحتهادية القديمة عن الأنظار تحت رحمة الثقافة البيئية الخاصة ففتحت آراء الترابي للمرأة المجال في السياسة والاقتصاد والمعرفة لتسهم في بناء المجتمع بشكل صحي وعادي.

ومع انتقال الترابي عن دنيانا إلا أن أفكاره ورؤاه لا تزال بنبرتها التناغمية مع الواقع عصية على التخلي عنها في واقع ملوث بالصراع الإيديولوجي المدمر الذي يفتك بالأمة الإسلامية تحت مسميات التاريخ المستوحاة من صراعه الماضي لنظل اليوم حبيسي صراع سنة وشيعة وغيرها من المسميات التي تجاوزها الترابي نهاية الألفية الثانية بطرح ومعالجة واقعية مستنيرة تبتعد قليلا عن التاريخ لتقع على أرضية الواقع.

فحينما أنزلت فضائية قناة الجزيرة الحرة برنامجها خارج النص واستضافت ضيوفا ليعلقوا على كتاب الحكم والسياسة.

وفي الحقيقة أقل ما يقال عن غالبهم  أنهم لم يك لهم إطلاع على ما قاله الترابي والأعجب من ذلك أنهم لم يطلعوا حتى على فقرات الكتاب كاملة فلم نجد في مداخلاتهم ما يرد على الآراء أو ويوجهها فغالب مداخلاتهم كانت انطباعية لا علمية أو فكرية.

فمن الظلم الفكري والمعرفي أن نعمد إلى قامة علمية جمعت بين العلم والفكر والسياسة لقوم مناوؤوها التاريخيين والفكريين لتحليل ما قدمت من فكر لتقتل المعرفة تحت وطأة الإنتماء الإديلوجي الآسار تحت وطأته العقل والفكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى