إدارة الأزمات علم وفن

رحاب يوسف | تربوية وقاصة فلسطينية – طولكرم

صدمتني المديرة عندما قالت لي ذات يوم: أنت تفتقرين إلى فن إدارة الأزمات، بانية ملاحظتها هذه ، على سمة شخصيتي الثلجية ، والتي لا تعمل إلا في ظل أجواء هادئة جدا ، بعيدا عن الصراخ والعويل ، ما جعلني أدرس في علم النفس عن إدارة الأزمات، هل إدارةُ الأزَمات عِلمٌ أم فَنٌّ؟ البعضُ يَرى أنَّها عِلمٌ؛ لأنَّها نَظَريّاتٌ وعلومٌ مُنَظَّمَةٌ تُدَرَّسُ، وهناك مَن يَحتَجُّ على ذلك؛ لأن البعضَ يُمارسُ دورَ المُنَظَّمات الإدارية دون الحصول على شَهادةٍ، وعندَهُ قُدرَةٌ عاليةٌ.
كيف نُديرُ الأَزَمات؟ يقول (هنري فايل): “العَمَليَّةُ الإداريّةُ مُكَوَّنَةٌ من مكوِّناتٍ أساسيّةٍ تُدير بها العمليّةَ الإداريّة”، أوَّلُ جُزءٍ في عَمَليّة الإدارة هو عَمَليّةُ التخطيط أو التنظيم، أيْ وَضعُ أُسُسٍ وخُطَّةٍ لكلِّ شَيءٍ ستُمارِسُهُ، ثم عَمَليّةُ التوجيه وإصدارِ الأوامر للتنفيذ، ثم الرقابَةُ والإدارةُ المُتَكامِلَة، هذه الإدارةُ تقومُ على عِلمِ أُسُسِ التخطيط، والذي هو عكسُ العَشوائيّة، بالتالي فإنَّ الخُطّةَ تُقَلِّصُ العَشوائيّة.
للتخطيطِ أهميَّةٌ كبيرَةٌ في إدارَةِ الأزَمات، يَجعَلُ صاحِبَهُ ينامُ في العاصفَةِ، مَن يَضَعْ خُطَّةً يرتحْ وَقتَ العواصِفِ والأزَمات، ومَن يَضَعْ خُطَّةً جَيِّدَةً تَقِلُّ عندَهُ الأزَمات، الكلمةُ الأساسيّةُ التي يَجِبُ التَّخَلُّصَ منها في الأزَمات هي المُخاطَرَة، والمُخاطَرَةُ في عِلمِ الإدارَةِ هو عَدَمُ وجودِ مَعلوماتٍ كثيرةٍ عن العمل، كُلَّما زادت المُخاطَرَةُ زادَت الأزَماتُ.
الأزماتُ نوعان: أزَماتٌ يمكن التنبؤُ بها تحتاجُ إلى خُطّةٍ، وأزَماتٌ خارِجَةٌ عن كلِّ الظروف والتَّوَقُّعات – في علم الغيب – في هذه الحالة يكون اسمُها (مُخاطَرَةً)، مثلاً: ينبغي على الإدارةِ التقليلُ من فُرَصِ المُخاطَرَة حتى تَقِلَّ الأزَمات – حسب قانون باريتو – أمّا عَدَمُ وجودِ تَخطيطٍ جَيِّدٍ يُؤَدّي إلى مُخاطَرَةٍ، ثم أزَماتٍ.
في عِلمِ الإدارةِ قاعِدَةٌ ذهَبيّةٌ تقول: كُلُّ ما ليسَ لهُ مِقياسٌ – أيْ هَدَفٌ مٌحَدَّدٌ وإجراءاتٌ مُحَدَّدةٌ – لا يُمكِنُ أنْ يُقاس؛ لأنّنا لا يُمكِن أن نقيسَ شيئاً هُلاميّاً، ولا التَّحَكُّمَ بإدارَتِه، ولا ضبطِ جودَتِه، ولا التنبؤ بمَخاطِرِه، لذلك وَضَعوا خُطُواتٍ عِلميَّةً في حَلِّ المُشكلات: أوّلُ خُطوةٍ هو إدراكُ المُشكِلَة، وذلك يجعلني أتنبّأ بحُدوثِها، فأبدأ بوَضع حُلولٍ لها، والثانيةُ تَحديدُ أسبابِ المُشكلة، ما الأسبابُ التي أدَّتْ إلى هذه المُشكِلة؟ ثم خُطوَةُ تَحديد معايير الحلِّ، وبعدها خُطوَةُ العَصف الذهني، ثم أجمَعُ عَدَداً أكبر من الأفكار – بغضِّ النظر عن صِحَّتها – وبعدها وَضعُ خُطّةِ اختيار (البديل الأفضل) وِفقَ المعايير التي وَضعْتُها، ثم عَمَليَّةُ التخطيط، فتنفيذُ الخُطّة، فالتقييم، فالتحسين، وكُلُّ تَحسينٍ يُساعِدُني على البدء من جديد.
هل أنتَظِرُ حُدوثَ المُشكِلة؟ هل أنتظر حُدوثِها حتى أبدأ إدراكِها؟ لا بُدَّ من أُسلوبٍ يَجعَلُني التنبؤ بوجود المشكلة قبلَ حُصولِها، هذا ما يُسَمَّى (إدارةَ الأزمات).
(ساتير) يُشَبِّهُ المُشكِلَة بجَبَلِ جَليدٍ، يَظهَرُ منه 10%، و 90% منه غيرُ ظاهرٍ، كذلك المُشكلات، فالإداريّ يَجِبُ أن يَعرِفَ أنَّ الجُزءَ الظاهِرَ من المُشكِلَة ليسَ كُلَّ المُشكِلَة، هناكَ أجزاءٌ تَشَعُّبيَّةٌ غيرُ ظاهرةٍ، في بداية الأزمةِ سأتَذَمَّرُ، وأتساءَلُ: لماذا – يا ربّي – هذه المُشكِلَة؟ فإنَّ هذا يُعطيني شُعوراً كأنَّني أدفَعُ جَبَلَ الجليد من أسفلَ إلى أعلى، فينتابني شُعورٌ بالإحباط، وأفكِّرُ كيف أجتاز هذه المشكلة، وهي طريقة الإطفاء في حَلِّ المُشكِلَةِ حَلّاً آنياً ثم تَعودُ، فالطريقةُ الصحيحةُ هي استخدامُ أُسلوب: “(لماذا) بنسبة 20%، و(كيف سأتجاوز) بنسبة 80%”.
كيف تَبْرَعُ في حَلِّ الأزَمات وإدارَتِها، أو تُؤَسِّسُ لمَنظومَةِ الإدارة؟ ينبغي وَضعُ خُطَّةٍ لتوزيع المهام، وبعدها عمليّة التوجيه، ثم الرقابةُ على عملية التوجيه.
نموذج (فوكس) يقول: اعثُرْ على المُشكِلَةِ دون أن تكونَ مَوجودَةً أمامَكَ، اضَعُ سيناريوهاتٍ مُستَقبَلِيَّةً قبلَ حُصولِها، وأُجَهِّزُ نفسي لها، ثم مَرحَلَة تَنظيمِ فِرَقِ عَمَلٍ مُختَصٍّ لهذه المُشكِلَة، ودِراسَتِها، ثم توضيح ٩المُشكِلَةِ التي أتَوقَّعُ حُصولَها، فتَبدَأُ عَمَليَّةُ التفَهُّمِ، وتَحَدِّي الأمور التي تحتاجُ إلى تحسينٍ، ووضعِ خُطَّةٍ للحَلِّ، ثم التنفيذُ، ودراسةُ ما تَمَّ تَنفيذُه، ثم تحسينٌ مستمرٌّ وتَعميمٌ للتجربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى