إدارة الوقت والذات

 

رحاب يوسف | قاصة وتربوية فلسطينية – طولكرم

لا يمكن أن تنجح وتنجز دون إدارة الوقت، فالنتائج التي يسببها ضياع الوقت نتائج مؤلمة، يقول الرسول – صلى الله عليه سلم – :لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه”
أكثرُ ما يندم عليه الإنسان يوم القيامة ضياع الوقت، قال تعالى”حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِ ارجعون* لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن بينهم برزخ إلى يوم يُبعثون“المؤمنون (99-100)
فتوكل على الله، لا تسوّف عملاً إن كنت تملك فرصة الوقت، يقول عبد الله بن مسعود: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس فيه من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة، توقفْ عن تضييع الوقت، وتنبه أنّ الوقت لا يُعوّض، ولا يُسترد، ولا يُشترى، ولا يُباع، واحذر إدمان النقال، والتوسع بالمُباحات، مخطئٌ مَن يظن أنّ الوقت لا ينتهي، فهو يمرّ مَرّ السحاب، فإنّ النجاح والفشل لا يُحقّقان إلا بقواعد أساسية أهمها: إدارة الوقت، مؤشر النجاح على إدارة الوقت أن تمتلك جدولاً يومياً أو أسبوعيا، وإلاّ – استغفر الله – فالأعمار قصيرة، وشئنا أم أبينا سنخرج من بيوتنا يوماً ولا نعود.
على مَن يتصدر الصفوف الأولى التركيز ثم التركيز ثم التركيز في مجال واحد، لكي تركز اجعل لمجالك خمسين بالمئة من علاقاتك وأوقاتك وعطائك، من الآفات المنتشرة اليوم هو ادّعاء الفهم في كل شيء، دون التركيز على مجال أو تخصص بعينه.
عندما يعرف الإنسان أهدافه وغاياته العليا ويركز عليها، سيتعاطى مع الأمور بشكل مختلف، فلا تقبل أن تعمل أعمالاً خارج مجال حياتك، وإلاّ ستقضي حياتك تنتقل من ثغرة إلى ثغرة، تعلّم أن تقول (لا) بأدب لأي شيء خارج تخصصك، ولا تتشتت، ونوّع في الأدوات، فمثلا: إن كان لديك هدف كنشر فكرك، فما أدواتك؟
خطط لمراحل ظهورك، فطبيعة الإنسان تغريه الشهرة “خُلق الإنسان من عَجَل“الأنبياء 37، فإذا حاولت الظهور مبكراً ستفشل، وسينكشف جهلك وعدم تمكنّك؛ لأن الانطباع الأول يصعب تغييره إن لم يكن مستحيلا، الانطباع الأول هو الانطباع الأخير، فلا تتوهّم أن تُصيب قليلاً من المعرفة والخبرة كافية لتتصدّر الناس وتقود الجماهير. يقول الغزالي: “ادفن وجودك فى أرض الخمول، فما نبت مما لم يُدفَن لا يتم نتاجه”.
منصب القيادة في آفاق الدنيا أو الدين يتطلب صبر سنين، وأن يصنع المرء نفسه أولاً في عزلةٍ وصمت، ولو آثر الخمول (عدم الشهرة) فترةً لينضُج فيها لكان خيراً له، فاحذر أمرين: أن تنزع إلى البروز قبل استكمال المؤهلات المطلوبة، وأن تستكمل المؤهلات لتلفت أنظار الناس إليك.
تفقهوا قبل أن تسودوا في الناس، حتى لا يلجؤوا إليكم فلا يجدون جوابا، لمّا استعجل سيدنا موسى فات عليه وعلينا الكثير من العلم، حتى قال النبيُّ في البخاري: “وددنا لو أن موسى صبر ليقصّ علينا من أمرهما”.
قالوا من تأنّى نال ما تمنّى، انضج من جميع النواحي، لا تبدأ صغيراً قبل النضوج الفكري، وإدارة الذات جزء من إدارة الوقت، افهم نفسك أولا، النفس البشرية تتغير في كل لحظة، مَن منّا لا يريد أن يُفهم ويُحترم ويُقدّر؟ لكن علينا أن نفهم أنفسنا ومشاعرنا، فلا أحد يعرف ظروفك كما تعرفها أنت، ولا أحد يعرف ما يناسبك مثلك، ولا أحد يستطيع تبديل ظروفك مثلك، اعرف نقاط قوتك ، وقصورك ، و قدراتك ، وطاقاتك ، وأحلامك ، ورغباتك.
كلّما قرأ الإنسان أكثر عرف جهله أكبر، فهمه لنفسه مقدمة للتعامل الجيد لفهم الآخرين، سيعرف متى يختلي ومتى يختلط، ومتى يقول نعم ومتى يقول لا، ما الذي يستطيع فعله، وما لا يستطيع.
تأكد أن حياتك لا تتغير بتغير مديرك، أو معلمك، أو مكان عملك، تتغيرحياتك عندما تتغير أنت من الداخل، فلا بد من إدارة الذات، والتحكم في مشاعرك، قرر ألاّ يغضبك أحد، وألاّ يستفزك أحد، أعِدْ لنفسك النفس الصافية المطمئنة، تحكّم في سلوكك، فرّقْ بين السلوك والمشاعر، فالسلوك تستطيع التحكم به، لكن مع المشاعر قد لا تستطيع.
خطط لتغييرك، غيّر نوعية العلاقات والقدوات، ومن تراهم أمثالك العليا، ولا تتغير إلا بتغيّر القناعات والفكر؛ لذلك تجد الأنبياء يركزون على تغيير الفكر، فقد قضى الرسول – صلى الله عليه وسلم – في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعوهم إلى الإسلام، وقضى سيدنا نوح -عليه سلام – في دعوة قومه تسع مئة وخمسين سنة، قال تعالى: ”ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون“ (العنكبوت14)، فتغيير الفكر قد يأخذ سنواتٍ من الصبرٍ والمجاهدة والشجاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى