حكايا من القرايا.. ” على راس التلم “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

صبحت عليه بالخير

رد السلام، ودعاني لاحتساء فنجان من القهوة معه.

قلت: الدنيا صباح، وأنت تحرث، وأنا ذاهب في مشواري، فلا تعطلني ولا أعطلك… يا رجل…

قال: تعال يا رجل… العمر بخلص والشغل ما بخلص… مال الدنيا في الدنيا.

ميّلت عليه، بهدوء أمر حصانه بالتوقف ” هوووووووس ” وقف الحصان، علّق الرجل مخلاةً في رقبة الحصان، مخلاةً ملآى بالتبن والشعير… وصبّ لي من برّاده فنجان قهوة… لفّ سيجارة هيشي غليظة، أشعلها، وبدأت خيوط الدخان تلف دوائر في الفضا، وبدأ يحتسي قهوته ويحدّث…

من الثالثة صباحاً، وأنا مستيقظ، قمت اطمأنيت على الحصان وراحته، وتأكدت أن مذوده مليء بالتبن والشعير… و ” تحفتلت بذيال الدار ” ثم صليت واستغفرت، وتابعت “الحفتلة” نادتني الحجة لكسر الصفرا… أفطرت، انتبه ” وأشار بإصبعه نحوي: الفطور راس مال… فلا تفرط به… وعدّدت على الحصان، حملته عدة الحراثة، وبسم الله توكلت…

قلت مجاملاً ومحيياً نشاطه: الله يعطيك العافية… وهاي صرت حارث كثير… لقد حرثت قطاناً كاملاً…

قال: عافاك الله، والله “المروّة” اللي بقت زمان راحت، وما ظل منها شي…

قلت وأنا أحتسي آخر رشفة من القهوة: ما شاء الله عنك… بعدك شباب يا

رجل… مجّ آخر مجّ من سيجارته، وهذا إيذان لي بانتهاء المقابلة… الرجل بدّو يحرث، وأنا عليّ شغل، ويكفي قضاء وقت في الفاضي… تابع نهايات حديثه عن البطاطا المغشوشة، التي يسقونها ماء المجاري، ويغذونها بالهرمونات، ويبيعونها على بسطات الأسواق، وأخذ مخلاة الحصان عن رقبته… واستلم ” الكابوسة ” ونهر حصانه وحثّه على السير مستقيماً في التلم ” دي… دي ” مشى الحصان في تلمه، ومشيت في طريقي، وشمس شباط الخبّاط ترقبنا من بعيد… وكان الصباح الأحلى…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى