ما المكافأة التي يرجوها الكاتب؟

عليّ جبّار عطيّة

      في مقطعٍ تمثيليٍْ ساخرٍ يجسد الفنان السوري الكوميدي ياسر العظمة دور صحفي يستاء من سوء نوعية الطعام، وقلة النظافة في مطعم يدعى (اللقمة السائغة) فيكتب عنهم مقالاً انتقادياً في صحيفته على خلاف مقالاته السياسية التي اعتاد كتابتها ضد الحكومة وأجهزتها .
      المفارقة أنَّ صاحب المطعم استجاب لانتقاداته، وحسَّن نوعية الطعام والنظافة وأهداه ثلاث بطاقات دعوة طعام مجانية ليصل إلى حقيقة ملموسة مفادها أنَّ انتقاداته في هذا المجال أتت بنتيجة أفضل بكثير من كتاباته السياسية طوال عشرين سنة !
يكشف مضمون رسالة هذا المقطع جدوى الكتابة في بعض الموضوعات دون غيرها، ويحيلنا إلى التساؤل بشأن جدوى الكتابة، أو لأجل ماذا ؟
يروى عن الكاتب الإيرلندي الساحر برناردشو أنَّه قال له كاتب مغرور: أنا أفضل منك ،فإنك تكتب بحثاً عن المال وأنا أكتب بحثاً عن الشرف !
فرد عليه برناردشو على الفور: صدقت،كل منا يبحث عما ينقصه !!
لكنَّ الأغرب أنَّ برناردشو نفسه حين مُنح جائزة نوبل للآداب سنة ١٩٢٥م رفض الجائزة، وأوضح سبب رفضه بعدم إيمانه بأهمية جائزة نوبل، كما سخر من مؤسس الجائزة العالم ألفريد نوبل الذي أثرى بسبب اختراعه الديناميت .
قال برناردشو:(أغفرُ لنوبل أنَّه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفرُ له أنَّه أنشأ جائزة نوبل، إنّني أكتب لمن يقرأ، لا لأنال جائزةً) !
ما الذي يتوقعه الكاتب من مكافأة حين يشرع بتدوين نص أو مقال، أو يكلف بكتابة ما ضمن ملفٍ معين، وأي أجر يمكن أن يعود عليه بالنفع، وهو يقرأ المثل العربي الشهير الذي يصف الفقير من الناس بأنَّه (أدركته حرفة الأدب) !
هل إلى هذا المستوى يُنظر إلى مجتمع الأدباء ؟
مسألة محيرة بالفعل.
      قد تلتقي في الوسط الثقافي بعددٍ من العاملين في حقول الأدب يشكون من عدم إيفاء الصحف بالتزاماتها المادية تجاههم بسبب شحة مواردها فكيف يستطيعون إدامة عيشهم، وطبع كتبهم مع شحة الموارد فضلاً عن إمكانية تطوير تجربتهم الأدبية باقتناء الكتب والسفر والمغامرة في الاكتشاف .
بل كيف يستطيع المؤلف طباعة كتبه إذا لم يكن هناك تعويض مادي يديم عجلة كتاباته؟
يرى علماء الفلسفة والنفس والاجتماع أنَّ الإنسان كائن اجتماعي ومدني يبحث عن التقدير والاحترام والأمان لذا يتوقع المكافأة من المجتمع في كل عملٍ يقوم به.
ولا يمكن أن يعمل الإنسان عملاً صغيراً كان أم كبيراً من دون دافع، أو حافز ناتج من حاجةٍ ظاهرة كانت أم باطنة.
وكلما كان الحافز قوياً فإنَّ العمل المتوقع يكون ذا جودةٍ عاليةٍ.
أسوق هذا الكلام مدخلاً للجواب عن سؤال يتردد عن أهمية مكافأة الكاتب في الصحافة الثقافية من عدمها.
من الطبيعي أن يبحث الإنسان عن المكافأة في كل عمل يقوم به.
يمكن أن تكون المكافأة مادية عينية، وقد تكون المكافأة معنوية إنما الثابت أنَّه لابدَّ من مكافأة !
فما المكافأة التي يرجوها الكاتب ؟
إذا كانت الكتابة عملاً فلكل عمل أجر، وإذا كانت لعباً فالأمر خاضع للنقاش أما إذا كانت لهوا أو عبثاً فالمسألة لا تحتمل أخذ أجر عليه !
لكنَّ علاقة الكاتب بالكتاب والكتابة قوةً وضعفاً هي التي تحدد ما الذي يريده من الكتابة،وهل يتخذها مهنةً لها أجر، أم أنَّ له عملاً آخر يدر عليه دخلاً معقولاً لكنه يكتب من باب الهواية والكمال !
قد تجد مَنْ يكتب لأنَّ الكتابة عنده سفراً معرفياً ينطلق فيه من المعلوم إلى المجهول، ومن المجهول إلى المعلوم، ولكنَّ مثل هذه المعاني قد لا يلتفت إليها الكثيرون ممن يمارسون الكتابة بشكل مستمر.
كيف نفهم لجوء مؤسسات كبيرة في العالم إلى ابتكار جوائز مادية كبيرة لحقول معرفية وأدبية تحظى بمنافسة قوية، ألا يدل ذلك على أهمية الحافز المادي الذي يعني الكثير بالنسبة لمجتمع الأدباء والكتاب والمثقفين.
تظل المسألة نسبية بهذا الخصوص، ولكن يمكن القول :إنَّ الكاتب المؤمن بالرزق المقدر من الله عز وجل حين يتعامل مع المجلات الثقافية الرصينة فإنَّ قناعته بمردود الكتابة هي التي تحدد تواصله معها، بغض النظر عن الرزق المادي، ويمكن أن تأتيه أرزاق معنوية كثيرة أعظم من الأرزاق المادية، والأمر متروك لتقديره.
تحضرني في ذلك حكاية قصيرة ذات مغزى تقول :
‏سأل الكلب الغزال : لماذا تسبقني دوماً ؟
فقال : لأني أركض لنفسي وأنتَ تركض لسيّدك !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى