كرنفال المدينة.. لوحات مقدسية مريرة

ديمة جمعة السمان | القدس

كرنفال المدينة لوحات أدبية متقنة تصف القدس “كرنفال المدينة” للكاتبة المقدسيّة نزهة الرملاوي، عبارة عن نسيج من لوحات أدبية متقنة وصفت واقع مدينة القدس المرير، ونقلت آهات مجتمعها الذي يعيش في حصار خنق أحلامهم، جعلهم يعيشون في حالة مستمرّة من التوتر والقلق، بعيدا عن الاستقرار. انتهاكات لا إنسانية يتفنن بها الاحتلال الإسرائيلي، تضرب على أوتار أعصاب مشدودة، تنذر بخطر آت، فما عاد للصبر مكان.


لوحات فنية صنعت من كلمات، أطربتني شاعريتها، حروفها منتقاة.. وصفها متقن من أجمل ما يكون.
لم تترك الكاتبة لا شاردة ولا واردة في القدس إلا وعرجت عليها، سجّلت الأحداث بدقة، كانت راويا أمينا، شعرت بمسؤولية الكاتب ودوره في نقل المعلومة التي يترفع عنها التاريخ في تسجيلاته.
ولكن حجم المعلومات كان كبيرا جدا.. ضاقت به الرواية. تحدثت الكاتبة عن الجدار والحواجز والشهداء والجرحى والأسرى وهدم البيوت والتعليم وأسرلة المناهج، وتغيير الاحتلال لأسماء المدارس التي تحمل أسماء مناضلين، وتطرقت إلى أساليب إسقاط كلّ من تسوّل له نفسه التّصدي للاحتلال، ووصفت أساليب التحقيق معهم في المعتقلات الإسرائيلية، وعرجت على ظاهرة بيع العقارات للاحتلال أو الاستيلاء عليها، وتحدثت عن البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى المبارك، ولم تنس القطار الخفيف الذي بنيت سكّته على أراض مصادرة، يربط بين المستوطنات ليسهل حركة التنقل بينها، وغيرها من ممارسات يومية للاحتلال ينكّل بسكانها الفلسطينيين الأصليين.
هذا الكمّ الهائل من المعلومات اضطر الكاتبة إلى ابتداع بعض “شخوص” في الرواية، أهملت رسم ملامحها، ولم تغص في أعماقها، ولم تعطها حقها، فلم تكن أكثر من أدوات “مؤقتة” لتمرير أحداث تريد الكاتبة زجّها في الرواية، وهذا ما يلاحظه القارىء بوضوح، ممّا يشعره أنّ همّ الكاتبة كان سرد المعلومات لا غير، وقد كان على حساب البناء الروائي.
كما أن الكاتبة اصطحبتنا أيضا في جولة سياحية طويلة، عرفتنا خلالها على الشوارع والحواري داخل بلدة القدس القديمة وخارجها، وقصدت أن تذكر أسماءها، ممّا يسجل لصالح الكاتبة التي كان هدفها تخليد أسماء المناطق التي يسعى الاحتلال إلى استبدالها بأخرى تدعم روايته المزوّرة. ولكن حتى هذا، جاء على حساب البناء الروائي. إذ أنها بالغت في تكثيف ذكر الأماكن. وأستطيع بكل ثقة أن أجزم أن ما ذكرته من حقائق موجعة، ومن تسمية أماكن، تستطيع الكاتبة تقسيمه على خمس روايات، لو أن الكاتبة راعت إعطاء الرواية حقها فنيا.
أتساءل هنا، أين الحبكة في الرواية؟ أين عنصر التشويق؟ وهل تنجح الرواية دون حبكة؟
” كرنفال المدينة” عبارة عن قطع فنية خامتها فخمة، وألوانها أصيلة، ولكن الكاتبة لم تحسن الربط بينها من جهة، ومن جهة أخرى يا حبذا لو أن الكاتبة استعانت بمدقق لغوي لتجنب الأخطاء اللغوية التي انتشرت في الرواية، ومع كل هذه الملاحظات، أنصح باقتناء رواية “كرنفال المدينة” لكل من يريد أن يتعرف على حياة المواطن المقدسي. فالرواية عبارة عن ملف كامل عنوانه معاناة المواطن المقدسي.
مع التأكيد أنّ أيّ عمل أدبي يكتب عن القدس، يعتبر إضافة للمكتبة العربية.
طربت على اللغة الشعرية الجميلة، حروفها منتقاة بحسّ شاعر.
طربت على اللغة، طرب عمل أدبي جميل، ولكنه افتقر إلى عنصر هامّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى