أنا والشعر والوطن الحزين

مختار إسماعيل بكير | شاعر مصري

تغيرت المرايا كيف شاخت
وشاخ الوجه فيها ثم غابا؟!

سراباً قد رأيتُ العمر يعدو
وكل الناس قد أضحوا سرابا

نسير إلى الوراء بكل خوفٍ
وينتحب الأمام هنا انتحابا

رصيف العمر مزدحمٌ طويلٌ
فأين يسير من يرجو الصوابا ؟

هنا المنفى هنا الأحلام ثكلى
هنا قلبٌ تمزَّق حين ثابا

هنا رجلٌ توارى خلف تلٍّ
من الأوجاع يقتسم العذابا

كبرنا ، قالت المرآة يوماً
وقد ظهر المشيب بها وذابا

سرقتُ الضحكةَ الخرساءَ منها
رأيت الدمع من قلبي استجابا

كأن الحزن مرسومٌ علينا
يلاحقنا شيوخاً أو شبابا

ينام على أسرّتنا ويلهو
ويُسْكَبُ همُّه فينا انسكابا

نطارده ، نحاربه ولكن
يطول يطول لا يجري انسحابا

رأيت الشعر في الطرقات يبكي
وقد هجر الأحبة والصحابا

يُفتِّش في السماء لعل نجماً
يحاور خطوه ويدقُ بابا

لعل قصيدةً في الليل تصحو
تعلم أمةً ربّت ذئابا

ترد الجهل عن وطنٍ حزينٍ
توشَّح بالمهانة إن أصابا

له دمعٌ جرى كالنيل عمراً
ونبضٌ أدمن العمر احتجابا

أيا وطني ويا وطن الحيارى
ويا وطن العجيب رأى العجابا

يدوس الناس وجهك دون فهمٍ
ويأتيك الغبيّ بما تغابى

وتُسبى منكَ روح الأمنياتِ
فلا أملٌ يرد لنا جوابا

كلاب الأرض تنهش فيك حتى
تعيش الآن تلعَنُها الكلابا

لنا دمعٌ تحجر في المآقي
وقلبٌ عن هوى الأوطان تابا

لنا في الدار أبوابٌ تئن
وأوجاعٌ تناطحه السحابا

وأهلٌ في زحام العمر تاهوا
وفرعونٌ يقطعها الرقابا

قطار العمر يعدو نحو نارٍ
كما ” الأخدود” ينتظر الثقابا

نسافر نحو موتٍ لا يحيدُ
فكم يا موت نأتيك اصطحابا

نسير على جسورٍ من عذابٍ
فمن يا شعر يملك لي جوابا

أحقاً ضاعت الأوطان منا ؟
سؤالٌ يملأ الدنيا اضطرابا

لنا الأكفان تلبسُنا مجازاً
وللأوطان شيطانٌ أصابا

لنا الوجع المُدثّّر في العروق
وصوت النائحات على وجابا

لنا ما كان ، ما سيكون يوماً
من القهر الذي أفنى الشبابا

لنا شمسٌ ستشرق بعد حينٍ
تبدد ما بدا يوما ضبابا

سمنسح دمعة الأوطان يوما
لتغفر ما هوى منا وخابا

سنُلقي الشعر لا خوفٌ يرانا
ولا خوفٌ إذا قلنا استجابا

نداوي كل جرحٍ يا بلادي
بطيف قصيدةٍ ولدت سحابا

أتى فاخضرت الصحراء عشقاً
أتى ليعانق الأرض الخرابا

أنا والشعر مصباحٌ وزيتٌ
وسيفٌ إن دعوناه استجابا

نضيء الليل والمشكاةُ نورٌ
وهذا الكوكب الدريُّ آبا

أزف قصيدة والشعر يبقى
وأسلك نحو قافيةٍ شعابا

وأدعو البحر يُسلمُ في خضوعٍ
فأشرب من تناغمه الرُّضابا

عرفت الله في وطني فكانت
جميع قصائدي تهب الخطابا

وهذي الأرض خضراء عروس
وقد كانت به يوماً يبابا

فيا رباه إن الأرض عرضي
وذاك الوغد جردها الثيابا

أعد قدساً وشاماً يا إلهي
ونوراً ضاع من وطني وغابا

أعد ماء الفرات فقد تجافى
فأورث في القلوب له خرابا

وكل الأرض يا ربَّاه صرعى
تُولِّد كل ثانيةٍ غرابا

فما لي غير بابك أرتجيه
إذا ما رحت أطرقه أجابا

فظني فيك يا رحمن خيراً
وظني في جميع الناس خابا

طلبت الناس فاستعصى سؤالٌ
وجئتك فارتقى سؤلي جوابا

إليك اللهُ شكوى من ضعيف
أحب الأرض ، طيبةً فطابا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى