القطط في الثقافة الإنسانية

إعداد : نجوان حكمت

ما هذا (السحر القططي)، وتلك العلاقة (التاريخية) المتجذرة في الذاكرة الجمعية، بهذا الحيوان الذي قد يصبح في بعض الأحيان فرداً من أفراد الأسرة؟. وما هي حكمة وأسرار الجماعة الشعبية في تعاملها مع القط وما يمثله في مخيلتها وثقافتها الشعبية إلى حد تأليف الأساطير، وقص الحكايات عنه، وضرب الأمثال به؟

إلى قططي الأليفة الرقيقة الرفيقة.

إلى من يستقبلنني دوماً بلهفة وشوق وحب..

إلى من يملأن المنزل لعباً ومرحاً وبهجة..

فلا تبقي فيه مساحة لملل أو قلق أو فراغ أو شقاق..

بهذه الكلمات أهدى أحدهم عمله الأدبي. إنه ليس بدعاً من الناس، إذ لا يوجد جمع منهم دون أن يكون حضور القط ومشاعر وذكريات الارتباط به جزءاً أصيلاً من عالمهم، بل قد تصل تلك الأمور لمعتقدات. لا شك لكل بلد إرثه التاريخي، وعاداته وتقاليده ومعتقداته، التي تغطي دورة الحياة كاملة. وفي عرف المعتقدات الشعبية والتي ما زالت سائدة سارية حتى الآن كثيراً ما يتفاءل/ يتشاءم الناس من أمور وأشياء وحيوانات بعينها.

 

القطط في مصر الفرعونية

منذ فجر التاريخ اندمج الإنسان في علاقة وثيقة تربطه بالحيوان، فقد استأنس الكلاب منذ ما يقرب من 8 إلى 12 ألف عام، ولا أحد يعلم على وجه الدقة متى استؤنست القطط لأول مرة. ويعتقد بعض المؤرخين أنها استؤنست منذ حوالي 5000 سنة، ويؤكد آخرون أنها عاشت على مقربة من الإنسان منذ مايقرب من 3500-8000 عام. كان بمصر نوع من القطط يدعى (شوس) shaus. صياد شرس، معتد، قصير الذيل، ممتلئ الجسم. ويعيش برياً قرب حدود الصحراء. هذا النوع من القطط، وليس القط الأليف، هو نموذج (القط العظيم الذي جاء ذكره في هليوبوليس) في كتاب الموتى على أنه: (كائن شمسي قديم غاية القدم، وأنه يحمي الناس ويمزق الأفعى الشريرة أرباً أسفل الشجرة المقدسة).

متأخراً بعض الشيء.. ظهر القط المصري الأليف الودود. ذلك أنه لم يصور في مناظر الحياة اليومية المرسومة على جدران مصاطب الدولة القديمة، رغم أنها تضم صور كثير من الحيوانات. ويرجع تاريخ أول إشارة للقط الأليف إلى حوالي 2100 ق. م. فكان اسم والدة أحد رجال حاشية الملك منتوحتب الأول (القطة). بعد ذلك ظهر القط الأليف في كثير من الوثائق وارتفع شأنه في الثقافة المصرية الفرعونية، ووصل إلى أن أصبح من الآلهة، فانتشرت عبادتها في عهد الأسرة الثانية والعشرين.

ومنذ الدولة الوسطى.. شاع استعمال صور القطط في زخرفة جدران المصاطب. وإلى هذا التاريخ، أيضاً، تنسب أول مومياء عرفت للقط. ويشار إلى أن القط الأليف، الذي كثر عدده في الدولة الفرعونية وجعل (إلهاً)، جلب أولاً من الغرب والجنوب (يشبهه حالياً القط الحبشي) على أنه (تحفة نادرة).

وبالعودة إلى مناظر مقابر طيبة حيث كثيراً ما صور صاحب القبر وصاحبته على أنهما يتسلمان التقدمات التي تعطي الحياة للميت، وتحت مقعدهما قط سمين ذو فراء ناعم، وأذنين لطيفتين طويلتين، وشوارب وذنب، يأكل سمكة. ومن الجائز أن هذا القط لم يكن الحيوان المدلل لهذين السيدين، وإنما هو جسد (إله حارس وظيفته أن يهلك أعداءهما). وتوصي مخطوطات البردي الطبية: (لكي تمنع اقتراب الفئران من الأشياء ضع دهن القط فوق كل شيء) (انظر: معجم الحضارة المصرية القديم، ط2، 1996م، ص:275-276).

اعتبر قدماء المصريين القط ضمن (الحيوانات المقدسة Sacred animals)، يقول المصري القديم: «أعطيت خبزاً للجائع، وماءً للظمآن، وثياباً لمن ليس لديه ثياب، واعتنيت بأبي قردان والصقور والقطط والكلاب المقدسة، ودفنتها تبعاً لما تقضي به الطقوس الدينية، فدهنتها بالزيت ولففتها في أكفان من الكتان المنسوج». ونظر للقط الذكر كمرادف لقداسة وقوة إله الشمس (رع)، يقول هيرودوت: «إن المصري ليترك أمتعته تحترق ويخاطر بحياته لينقذ قطاً من الحريق، وقتل العامة مواطناً رومانياً لأنه قتل قطاً» (معجم الحضارة المصرية القديمة، مكتبة الأسرة، ط 2، 1996م). وعلى مر التاريخ اقتنى بعض الناس القطط لقدرتها الكبيرة على صيد الفئران والجرذان والثعابين. وبذلك كانت القطط تحافظ على المزارع والبيوت وأماكن العمل خالية من هذه الآفات.

والأسد من نفس الفصيلة القططية، ويرجح أن ظهوره يعود إلى عصور ما قبل التاريخ. تقول الأسطورة: «غضبت عين الشمس، ابنة رع، فتحولت إلى لبؤة هربت إلى بلاد النوبة. فعملت محاولة لمصالحتها، فاتخذت لبؤة النار صورة (الربة القطة) (باستت) Bastet.. (آلهة الحب والخصوبة، والمرح)، الدائمة الابتسام رغم كونها من الحيوان».

توجد خارج مدينة (الزقازيق) أطلال مدينة (بوباستيس) وهي واحدة من أكبر المدن القديمة في مصر وتعرف الآن باسم (تل بسطة). وصارت (بوباستيس) عاصمة للبلاد حوالى عام 945 ق.م في عهد الملك (شيشونك الأول مؤسس الأسرة الـ22، ثم خربت المدينة بعد ذلك على يد الفرس حوالي عام 350 ق.م. وشكلت القطة الرشيقة الآلهة (باستيت) معبودة عظيمة لتلك المدينة القديمة (بوباستيس).

وكان معبد (باستيت) جوهرة المدينة المعمارية، وكان يقع بين قناتين، تحيط به الأشجار وتطوقه المدينة التى كانت مبنية على مستوى أعلى من مستوى المعبد، مما كان يسمح برؤية المعبد بوضوح منها. بدأ تشييد المعبد في عهد (خوفو) و(خفرع) من الأسرة الرابعة ثم قام الملوك الفراعنة من بعدهما من الأسر الـ12 والـ18 والـ19 والـ22 بوضع لمساتهم وإضافاتهم على المعبد على مدى حوالي 1700 سنة. وقد كتب هيرودوت: «بالرغم من وجود معابد أخرى أكبر وأعظم شأناً وأعلى تكلفة، فإنه لا يوجد واحد من هذه المعابد يسر الناظر برؤياه أكثر من معبد (باستيت) في مدينة (بوباستيس)».

واسترضاءً لها، وتودداً إليها، وكقرابين نذرية.. كان يودع بمعبدها كثيراً من التماثيل الصغيرة تشخصها في شتى الصور. فلبعض هذه التماثيل جسد امرأة ورأس قطة لطيفة، وأخرى تمثل القطة وهي ترضع قطيطاتها. ومنها في صورة (الملكة القطة) منتصبة القامة… ولها هيبة ووقار وهي جالسة على عرشها متحلية بالجواهر، وعلى أهبة الاستعداد للوثوب. وكذلك ما يصورها وديعة، جالسة على مؤخرتها بذيل طويل ملتف حول رجل واحدة وآذان طويلة نسبياً. ويخلق الوضع الشامخ والمنتصب للقطة وتعبير العينين اليقظ تأثير للعظمة. كما تعبر العضلات الملساء والأرجل اللطيفة الطويلة عن حاسة قوة مسيطرة. وربما ثقبت الآذان لوضع أقراط.

ويقال إن المهرجانات التى أقيمت على شرفها قد جذبت أكثر من 700.000 من المحتفلين في العصور القديمة، كانوا يفدون إلى (بوباستيس) يغنون ويرقصون ويحتفلون بها ويتقربون إليها. وتوجد (تعويذة) في كتاب الموتى تتلى عندما يقوم القمر بتجديد نفسه في أول كل شهر. وتشير إلى أن من يعرف هذا الفصل من الكتاب سيكون (روحاً ممتازة في عالم الآخرة وأنه في حالة الموت سيكون في العالم السفلي وسيتناول طعامه بجانب أوزير). وكان المصريون يعاقبون كل من يؤذي قطاً بعقوبة تصل إلى حد الموت. وعندما يموت قط كانوا يحلقون حواجبهم علامة على الحداد ويحولون القطط الميتة إلى مومياوات. وقد وجد علماء الآثار مقبرة (جبانة) قديمة للقطط في مصر تحتوي على أكثر من 300.000 مومياء.

ورغم العلاقة الوطيدة التي جمعت بين الناس والقطط إلا أن بعضهم اعتبر القطط السوداء، مثلاً، (فألاً سيئاً)، كما كرهها بعض آخر إلى درجة المطاردة واللعن. ولما كان المسيحيون الأوائل يسعون لتطهير أفكار المجتمع من رواسب عقائد أخرى سابقة، اقتنعوا بأن الشياطين تتلبس القطط السوداء. ولذلك وجب التخلص منها، وتم قتلها. وطالت عمليات القتل أيضاً السيدات التي كن يعتنين بها، ظناً بأنهن من (الساحرات). كما اعتقدوا بأن (القطة السوداء التي تعترض مسار طريقك تجعلك على تماس مباشر مع الشيطان فتبعدك عن الله، وتقف حاجزاً أمام دخولك للفردوس).

وكان من أسباب ظهور الطاعون الأسود Black plaque الشهير الذي اجتاح أوروبا في القرون الوسطى، وإهلاكه لنحو ثلثي سكانها، تلك المجازر التي ارتكبت بحق القطط (رمز الهرطقة والشعوذة والسحر)، فكان أن انتشرت بكثافة الفئران الناقلة للبراغيث المسببة لعدوى الطاعون (ج. بنجنيتي: موسوعة ماكدونالد للقطط، لندن 1983م).

 

 لغة وقدرات خاصة

في الثقافة الشعبية.. ساد اعتقاد بوجود (لغة خاصة) للتفاهم مع القطط من خلال أناس يستطيعون فك طلاسمها وحل مفرداتها، وفهمها مع الاعتقاد بوجود قوى خاصة لهذا الحيوان. بينما تنوعت الحكايات عن القدرات الخارقة للقطط، فمنهم من يعتقد أنها تجسيم للجن، ومنهم من يصدق أن أرواح الموتى تزورهم من خلالها، وغيرها من القدرات المنسوبة إلى القطط. هذه القدرات، وتنوعها، ومدى ارتباطها بالتفاؤل والتشاؤم انبنى عليها عدة أمور (ثقافية شعبية)، منها:

الرقى المستخدمة ضد الأعمال السحرية المبنية على القطط، استخدام عظام القطط أو أجزاء من جسدها في أعمال السحر. مدى تردد القطط على المكان الذي قتل فيه قط من قبل، تفسير سماع مواء القطط في الأحلام، دلالة رؤية القط في المنام. الخصائص العلاجية أو السحرية للقطط، تشاؤم الناس من القط الأسود، الاعتقاد في رؤية القطط للملائكة أو الشياطين، تلبس أرواح الأطفال أجساد القطط وهل ينطبق ذلك على أطفال معينين؟، الاعتقاد في حلول أرواح الموتى في أجساد القطط، التحذير من ضرب القطط أو إيذائها.

وقد بلغ حرص الناس على عدم إيذاء القط منحنى اكتسب فعالياته من الاعتقاد بأن القط ربما يكون ملاكاً أو متجسداً فيه فيجب عدم إيذائه لئلا يحل بالفاعل غضب من الله أما إذا كان من الجان فإن من يتعرض له بأذى يصبح هدفاً فيما بعد للانتقام من فاعله.

وهناك اعتقاد يسود في صعيد مصر بأن التوأم المولود بعد من سبقه تتلبس روحه جسد قط لمجرد أن ينام فيأخذ هذا القط في التجول في الأماكن القريبة من دائرة البيت ومن بيوت الأقارب ويؤكد بأن الطفل النائم هذا يحظر مسه أو إيقاظه من النوم أو لمس جسده فكأنه بلا روح وقد يتعرض في مثل هذه الحالة للموت.

ويحذر أهالي الأقصر من إلحاق الضرر بالقط مقطوع الذيل وللوقاية من أن تتلبس روح القط جسد أي طفل فعليهم القيام بوزنه بميزان الذهب في يوم السبوع ثم يسقى شربة واحدة من لبن النوق (أنثي الإبل) وإلا سيظل الطفل في حالة من السرحان طوال عمره ولا يعود إلى حالته الطبيعية أبداً. أما في مناطق الغردقة فيتناول التوأم فقط لبن الناقة وكذلك في سوهاج وأسيوط، إلا أن هذا الاعتقاد لا يسري في كثير من البلدان التي تؤكد الأمور بأن سن البلوغ تمنع استمرار هذه الحالة خاصة وأن الصغير يكون قد كبر ويستطيع التحكم في نفسه.

بيد أن هذه (التصورات) في قدرات القط (الخارقة)، سواء على مستوى التطبيب والعلاج بأعضائه، أو باستخدامها في أعمال السحر، لا تنتشر بسرعة أو بقدر كبير داخل المجتمعات. فما يعتقد فيه البعض يرفضه الآخرون، والعكس صحيح. (فؤاد مرسي: القط في المعتقد الشعبي. دار النشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية القاهرة 2010م).

 

خصائص القط

القط أو (البس) (بكسر الباء كما يطلق عليه العامة).. حيوان ثدي، ينتمي لفصيلة السنوريات. وهناك عشرات السلالات من القطط، بعضها قصير الشعر، وبعضها غزير الفراء، وبعضها طويل الذيل وآخر عديم الذيل. تتمتع القطط بمهارة كبيرة في الصيد والافتراس تقارب السنوريات الكبيرة كالنمر، إلا أنها لا تشكل خطراً حقيقياً على الإنسان. فالقط هو الحيوان الأليف الأول الذي يمكن أن تقع عليه عيني الطفل. بداية باكرة لتلك العلاقة التي تتطور مع الأيام وتتأطر ملامحها.. استمراراً أو انقطاعاً.. حباً أو كراهية. فالقطط حيوانات مغرمة باللعب والتسلية. وتتميز بالذكاء والألفة والود والإخلاص لمن يقوم على رعايتها. مع أنها لديها القدرة على أن تعتمد على نفسها.

وتتخذ الأجزاء الملونة في عيون القطط , والمسماة القزحية ظلالاً لونية متعددة مثل الأخضر والأصفر والبرتقالي والنحاسي والأزرق. فمثلاً تتلون إحدى قزحيات العين باللون الأخضر والأخرى بالأزرق. وتتحكم عضلات قزحية العين في كمية الضوء الساطع النافذ إليها من خلال فتحة (البؤبؤ). وتحمي القزحية العين من وهج الضوء وذلك بجعل البؤبؤ ينقبض ليصبح فتحة رأسية رفيعة. أما في الضوء الخافت فيتسع البؤبؤ للسماح بمرور مزيد من الضوء. يوجد في قاع كل عين جزء خاص يشبه المرآة يسمى بساط المشيمية يعكس الضوء على جزء آخر حساس يساعد القط على الرؤية في الضوء الخافت. وهذا الجزء يسبب لمعان العين, وهو البريق الذي يراه الشخص عندما يسقط الضوء على عيني القط.. ليلاً. ولكل عين جفن ثالث في الركن الداخلي للعين يسمى غشاء الجفن الراف يعمل على حماية العين ودهنها. توجد أذنا القط قريباً من قمة الجمجمة وتتحرك كل أذن على حدة. كذلك يوجه القط أذنيه باتجاه الصوت لتقوية سمعه.

والقط حيوان (أخلاقي) مميز، ذكي وفي، لديه القدرة على التعلم السريع، والتمييز بين الجميل والقبيح، فتراه يدفن فضلاته في الرمال/الأرض. كما يتقبل اللوم والتأديب، ويمنع دخول قط آخر إلى مكان تواجد فيه. كما يجيد (الألفة والتودد والمجاملة) حيث يتمسح بين سيقان أصحابه مهما بالغوا في إيذائه وتعنيفه.

وتتراوح صورة القط في الأذهان بين الخيانة والوفاء فإذا كانت الخيانة طابعاً أصيلاً في القطط -حسب اعتقاد البعض- ويعبرون عنه بالمثل الشهير (القطط تأكل وتنكر). فإن البعض الآخر يرفض هذا، ويؤكد أن القطط لا يمكن أن تخون أصحابها أو تتنكر لهم، استناداً إلى المثل القائل: (القطة اللي إنت مربيها ما تخونكش أبداً).

وقد حملت لنا كتب الأدب العربي، (فضلاً عن الأدب الشفاهي) العشرات من الحكايات والأمثال الشعبية الدائرة حول القط، وتعدد أوصافه وخصاله وطباعه. ففي كتاب (المستطرف من كل فن مستظرف) للأبشيهي ذكر فيه الكثير من القصص التي قيلت عنه وحول بعض الأسماء التي أطلقت عليه وعلاقة هذه الأسماء بالأحجار الكريمة كما تحدث عن أصل وجود القط وكيف خلقه الله سبحانه وتعالى مبيناً أن هناك نوعين من القطط أحدهما وحشي والآخر أهلي. وأورد (المسعودي) بأن حيوان (الفيل) بجلالة قدره لا يستطيع الثبات عند مواجهة القط.

تحب القطط مطاردة الفئران، ومن قديم الزمن.. كان النزاع بينهما موضوعاً عاماً للأدب الشعبي. وهناك حكاية تقول: بأن أحد الأمراء درب سنانير للخدمة فعلمها كيف تحمل الشموع لإنارة مجلسه. وادعى بأنه قد غير من طباع وعادات هذه القطط. فاعترض عليه أحد حكمائه بأنه لا يستطيع ذلك. فلم يوافقه الأمير. وفي أحد الأيام حضر الحكيم مجلس الأمير مخبأ فأراً في كمه. وما أن التم شمل الحضور والسنانير تقوم بواجبها المدربة عليه. بينما الأمير يزداد فخراً بإنجازه. أفلت الحكيم الفأر من كمه فما كان من السنانير إلا أن طرحت الشموع أرضاً، وطاردت الفأر المسكين. انقلب المجلس إلى فوضى لما سببته من حريق، فالتفت الحكيم إلى أميره قائلاً: «إن الطبع يغلب التطبع»، وذهبت مثلا وحكمة.

ويقول أمير الشعراء (شوقي) عن (هرته):

هرتي جد أليفة

وهي للبيت حليفة

هي ما لم تتحرك

دمية البيت الظريفة

فإذا جاءت وراحت

زيد في البيت وصيفة

شغلها الفأر تنقي

الرف منه والسقيفة

وتقوم الظهر والعصـ

ـر بأدوار شريفة

ومن الأثواب لم تمـ

ـلك سوى فرو قطيفة

كلما استونح أو

آوى البراغيث المطيفة

غسلته وكوته

بأساليب لطيفة

وحدت ما هو كالـ

ـحمام والماء وظيفة

صيرت ريقتها الصـ

ـابون والشارب ليفة

لا تمرن على العيـ

ـن ولا بالأنف جيفة

وتعود أن تلاقي

حسن الثوب نظيفه

إنما الثوب على الإ

نسان عنوان الصحيفة

من أشهر الأمثال الشعبية التي قيلت في القطط:

(القط ما يحبش إلا خناقه): يضرب للئيم يحب من يؤذيه.

(القطة ما تهربش من بيت الفرح): أي القطة لا تهرب من دار العرس مهما تضرب لوجود الأطعمة.

(القط ما يهرب من عرسه): يضرب في أن القوي لا يفر من الضعيف.

 (قط خلص ولا جمل شرك): (بضم الخاء) يضرب في مدح القليل الخالص وتفضيله على الكثير المشترك فيه.

(حلم القطط كله فيران): يضرب في اشتغال بال كل شخص بما يهمه.

(جور القط ولا عدل الفار): يضرب في تفضيل سيئة شخص لمزايا فيه على حسنة آخر له كثير من السيئات.

(اللي يمسك القطة تخربشه)، (تضرب القطة تخربشك): يضرب لمن يبدأ بالشر فيقابل بمثله.

(قطهم جمل وبراغيتهم رجالة): يضرب لمن يبالغ في الأشياء ويكبر الصغير.

(غاب القط العب يا فار). (جبنا سيرة القط جه ينط). (القطط بسبع أرواح). (القط يحب خناقه).

 

تنامي اقتناء القطط حديثاً

القطط الأليفة كائنات حية، يراقبها ويهتم بها الكبار ويسعد بها الصغار، فهي تعد من مباهج الطفولة التي تعطي أقرب الوسائل وأيسرها لتعويد الأطفال أخلاقاً ومعاملات وعادات تفتقد في غيرها من الوسائل، فعندما يتولون المسؤولية عن إطعامها ورعايتها ويتابعون نموها، يتم تقدير الحياة، والوعي بقيمها وفي اللب منها قيم تحمل المسؤولية والعطاء. ووجودها يحفز دوافع التعلم والاستكشاف والإبداع لدى الأبناء، فهم يشاهدون عملياً كيف يستخدم الحيوان الأليف حواسه المختلفة في التعرف على البيئة المحيطة واستكشافها ومعرفة مخارجها وأماكن الهروب منها، وبخاصة عندما يلجها للمرة الأولى. ومازالت الحيوانات الأليفة معلماً ماهراً في فنون الصيد فلديها مهاراته وإمكانات التحكم في الجسد الرشيق (كالقطط) أو المساعدة والمشاركة فيه وإحضار الفرائس فيتعلم الأبناء تلك المهارات المهمة.

وهي تمثل رفقة جيدة يتم التواصل معها والاحتكاك بها واللعب معها، بعد قضاء أفراد المنزل (على اختلاف أصنافهم.. كباراً وصغاراً، شباباً وشيبة) ساعات طوال في المدرسة والدرس والعمل والمطبخ والمقهى، أو أمام شاشات التلفاز والكومبيوتر.

من الصعب تفسير الحياة النفسية للحيوانات الأليفة أو التعبير عنها بلغة إنسانية، فإذا كانت الكلاب مضرب المثل في الوفاء والإخلاص والحب لصاحبها، فتضرب عن الطعام إذا ما مرض، وقد تضحي بحياتها في سبيل إنقاذه من أزماته، تظهر القطط ملامح (الاعتداد بالنفس والاستقلالية) بصورة أكبر، فالقطط من الحيوانات المعدودة التي نادراً ما يسودها (النظام الأبوي) أو نظام القطيع فهي لا تعيش إلا منفردة، مستقلة، أبية، هانئة بتأملاتها الذاتية، محتفظة ببعض صفاتها البرية، لا تبدي مشاعرها كثيراً، وقد لا نحتاج عادة لوظيفتها الأساسية (صيد الفئران)، ومع ذلك تبقى مدللة محبوبة‍‍‍‍‍‍‍‍، فهي تمثل نموذجاً يحتذى في النظافة العامة وفي التجمل، فهي تقضى ساعات طوال في تنظيف نفسها، والعناية بشعرها.

تبين أن العلاقة بالحيوانات الأليفة أصبح لها دور مهم في الوقاية والعلاج من بعض المشاكل النفسية والاجتماعية حسب الشريحة العمرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. فالشباب وبخاصة الشابات بين 15 و25 عاماً، وهى مرحلة مهمة تشهد بدايات المراهقة والتقلبات العاطفية والنفسية، كانوا وكن الأكثر اقتناء واهتماماً بالحيوانات الأليفة، مما يشكل لها مادة للحب والعطف والعطاء وإشباع الهوايات وللتسلية، فيتم بذلك الشعور بالأمان والتوازن النفسي، كما تسهم في استثارة التواصل فيمن فقدوا القدرة عليه، ممن تعرض لضغوط وتوترات نفسية واجتماعية في هذه الفترة من العمر.

على الرغم من ثورة الاتصالات فالواقع المعيش أصبح يفرض عزلة كبيرة وفجوة على الأفراد، وقد تمثل الحيوانات الأليفة شخصاً/ موضوعاً يتم التحدث إليه وعنه والتواصل معه، ممن يعيش وحيداً، أو لمن فقد رعاية أبنائه، أو لمن فقد الصديق والرفيق وشريك العمر أو قد تشكل ذكرى للأرامل والمطلقات والشيوخ، وفى بعض الأحوال قد يتم رعايتها على أنها (بدائل أطفال) ممن فقدوا القدرة على الإنجاب أو من فاتهم قطار الزواج. فمن ناحية علم النفس الاجتماعي Socio-psychology قد تشكل الحيوانات الأليفة مرآة تعكس الحالة النفسية العامة أو المشاكل السلوكية المرضية للأسرة التي تتواجد فيها (لذا تعد كحيوان معملي مفيد في الدراسات العصبية والنفسية والسلوكية الإنسانية). وحتى حين يموت القط الأليف فيتم الحزن عليه والبكاء طويلاً لفقده، ولكن في ذلك تمهيد لنفسية الجميع (صغاراً وكباراً) لطبيعة الحياة والموت، وتقبل فقد الأحبة في يوم من الأيام.

في الختام إنه (السحر القططي)، و(العلاقة التاريخية) بهذا الحيوان الأليف الذي يعيش بيننا وقد يصبح فرداً من أفراد الأسرة. هذه العلاقة غذت المخيلة الشعبية (الجامحة) إلى حد تأليف الأساطير وسعي حثيث لتفسيرات مقنعة لما نسج حوله من حكايات (خارقة)، وما غلفت به سيرته من غموض. استحوذ القط على اهتمامات الفراعنة القدامى فأصبح عندهم في مرتبة الآلهة. كما أسس لنفسه (دولة) داخل الوجدان الجمعي واحتل مكانة كبيرة، متوارثة مع الأجيال، مرتبطاً بالعشرات (المعتقدات والأمثال الشعبية) الراسخة في الذاكرة الجمعية. ولعلها شكلت منظومة تعمل على تنظيم العلاقة بين الإنسان والقط حيث تتسم العلاقة بالتوازن وتداخل العناصر وتشابكها بصورة عضوية معقدة بما يعمل على تغذية بعضها البعض.

المراجع:

1-ثلاث عشرة قطة سوداء، يوري دميترييف، تر: إبراهيم استنبولي، ط1، دار المدى2008.

2- الرموز في الفن- الأديان- الحياة، فيليب سيرنج، تر: عبد الهادي عباس، ط2، دار دمشق 2009.

3- موسوعة الويكيبيديا،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى