آفة العُجب بالعمل

رحاب يوسف | كاتبة وتربوية فلسطينية

شعورنا الداخلي كبشر يجعلنا نعرف ضعفنا في السر، فكيف يا تُرى في العلن، ليتنا نتذكر الرسالة التي وصلت إلى الزاهد الجُنيْد البغدادي من أحد الأساتذة الكبار من أهل السلوك يقول فيها: “يا جُنيد، لا أذاقك الله طعم نفسك؛ لأنك إن ذقتها هلكتَ”، اللفتة من الرسالة أنّ من يُعجب بنفسه لا يتقبل النصيحة، ولا يتقبل عيوبه، جاء في مدارج السالكين لابن القيم “كن مع الحق بلا خَلق، وكن مع الخَلق بلا نفس، أي تعامل مع البشر دون المعيار الشخصي.
احذر من ادّعاء زكاة نفسك، “فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى“ (النجم 32)، ذكر الله في صفات المؤمنين الكُمّل: “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة”(المؤمنون 60)، أي يقدّمون ما يقدمون من طاعات وقلوبهم خائفة ألاّ تُقبل منهم.
تأمل في هذا الباب قول إبراهيم: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم” (البقرة 127)، فهنا نرى سيدنا إبراهيم يبني البيت بأمر الله، وهو خائف ألا يُقبل منه! فكيف نحن الأقلّ شأناً!
العبد يجتهد مع نفسه في العمل على إصلاحها، و يجتهد في إصلاح نفسه في تكميل العمل، ولا يزكيها! وإن لم يكن كذلك أصابه داء العُجب، ودخل في الرياء، وهي من خوارم النية، وموجبات فساد العمل، يقول الحسن البصري: “المؤمن جَمْع بين إحسان ومخافة، والمنافق جَمْع بين إساءة وأمن”.
من أسباب العُجب هو الإغترار بالعمل، وعدم شكر الله، وسوء النية، من الناس مَن يعطيه الله الخشوع في أول صلاته، ثم يدخل الشيطان في آخر صلاته، فيعجب من خشوعه.
الحال الأكمل أن يبدأ الإنسان بضعفٍ، ثم ينتهي بقوة، النقلة النوعية من الأدنى إلى الأعلى، والله الكريم لا يسلب منك نعمة أعطاك إياها طالما كنتَ مداوماً على شكره – سبحانه وتعالى- لا تجد امرءاً موفّقا في عمله إلى آخره إلاّ وجدته مراقباً لله في كل أوقاته، دخل مدخل صدقٍ، فأخرجه الله مخرج صدق.
هو وعدُ الله – سبحانه وتعالى – (سنجزي الشاكرين)، والله جعل للشكر أمرا عظيماً “ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين“(الأعراف 17)، فإذا وجدت النعمة تزداد من الشكر، والشكر لا يمكن أن يعطى إلاّ للقلوب المنكسرة له، لا على من يتمنن على الخلق بعبادته، وعلمه، وبما يملك، فإن وصلت إلى هذه الحال حفظك الله من الاغترار والعجب، وليكن لسان حالك دائما يقول: “يارب! مَن أنا حتى تعطيني ما أعطيت!”
يقول الشاعر :
يظنون بي خيراً وما بي من خير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى