لعبة الاستغماية في زمن ” كورونا “

رضا راشد | باحث بالأزهر الشريف

لعبة كنا نتسلى بها في طفولتنا في ريف مصر؛ وهي لعبة تقوم على المراوغة الجسدية والعقلية؛ فكلما زاد نصيب الطفل من مهارة المراوغة كان الإمساك به صعبا، حتى إنه كان هناك لاعبون كأن معهم صك الفوز في هذه اللعبة بما يملكون من هذه المهارة؛ مهارة المراوغة، والتي تطلب من الخصم وعيا، وتنبها، وحذرا بالغا، والتفاتا لأقل حركة ..حتى يستطيع الإمساك بهذا اللاعب المراوغ .

ولئن تأملت لوجدت أن لكل من المباريات الرياضية والمعارك العلمية أو السياسية أو الحربية نصيبا من مهارة المراوغة هذه، قل أو كثر، بحيث تعد هذه المعارك كأنها صورة غير مألوفة للعبة الاستغماية .

وهذا هو الذي يجري الآن في معركة حكومتنا الرشيدة مع هذا الفيروس اللعين ((كورونا)) :احتراف في المراوغة من هيقابله مهارة في الحذر والتنبه من حكومتنا الرشيدة .

فلقد أوهمنا كورونا في بادئ الأمر أنه يتركز في الأماكن المغلقة ،حيث التكدس والازدحام ، مما يجعل فرص انتقاله أسهل وأكثر؛ حتى إذا أخذت الإجراءات الاحترازية في الأماكن المغلقة، وتحاشى الناس الازدحام فيها، ومنعت إقامة صلاة الجنازة مثلا في المساجد، وهرب الناس إلى الساحات المفتوحة والميادين الرحبة= إذا بالمراوغ الأكبر “كورونا” يعدل من خطته سريعا ليترك الأماكن المغلقة منتقلا بسرعة البرق إلى الأماكن المفتوحة ..
ولكن: على من؟ أعلينا؟ هيهات هيهات ..لقد كنا على وعي بالغ وتنبه يقظ لتحركاته: خطوة خطوة، فكان القرار الرشيد بمنع إقامة صلاة العيد في الساحات والاقتصار بها على المساجد.

وهنا ..
أدرك الفيروس أنه لا طاقة له بنا نحن المصريين، ولا قبل له بذكائنا ووعينا وحسن تنبهنا لمراوغاته ..فرفع الراية البيضاء مستسلما وأفضى إلينا بتحركاته معلنا أنه ما ترك الأماكن المغلقة حين تركها إلا نكاية فينا لكنه لم يعد يتحمل منذ الآن مراوغتنا فلتكن الصراحة عنوان علاقته بنا، فأعلن-لنا وحدنا- أن بيئته الأساسية هي الأماكن المغلقة، فكان القرار الرشيد بإباحة الأفراح بشرطين : ألا يتجاوز عدد المدعوين ثلاثمائة ،وأن يكون ذلك في أماكن مكشوفة!!

فإن قلت :
فلماذا لا يسمح إذن بصلاة العيد في الساحات المكشوفة أسوة بالأفراح؟

جاء الجواب الحكيم:
لأننا على صحة المصلين أحرص منا على صحة أهل الأفراح..فلعل الفيروس اللعين يكذب فيما أفضى به إلينا وأنه ما زال متخفيا في الساحات المفتوحة تربصا بالمصلين -لا سيما وأنه منذ عرفناه لم نره إلا مترصدا لأهل الإيمان عازفا عن تجمعات أهل الفسق والطغيان- فمن هنا ظل قرار منع صلاة العيد في الخلاء ساريا حتى مع السماح بإقامة الأفراح في الاماكن المكشوفة تضحية بأهل الفرح عقوبة لهم على سماع المعازف والأغاني وغيرها مما حرم الله…وحينئذ تبدى لي حكومتنا الرشيدة وهي تغمز بعينيها وترمز بحتحبيها وتخرج لسانه للفيروس استهزاء وتهكما في حين يبدو هو يتميز غيظا ويجرع الغضب بحتا.
فلم أملك حينئذ إلا أن أرفع القبعة لهذه الحكمة العالية التى تنبع منها القرارات في بلادنا .
ويجعله عامر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى